facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الشعب إذا جاع


سمير حجاوي
14-11-2012 06:55 PM

يمكن استحضار التاريخ لوصف حدث ما يقع في الحاضر، خاصة اذا كان الحدث مثيرا وغير مسبوق ويحار فيه العقل، مثل الظاهرة التي كانت تدفع الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الابتسام عندما يتذكرها، فقد كان في الجاهلية يصنع إلها من تمر ليعبده ويقدم له شعائر الولاء والطاعة، لكنه لم يكن يتورع عن أكله إذا جاع، وهو أمر غريب، كيف تعبد إلها أنت قادر على أكله؟ أو بالأحرى كيف تعبد إلها ثم تأكله؟
وأيا كان السبب وراء ذلك فان عبارة "الجوع كافر" يمكن أن تقدم تفسيرا لهذا "الفعل"، فعندما يجوع الإنسان تسقط الحواجز ويتبخر الخوف ويتزايد منسوب "ادرينالين الشجاعة" إلى الحدود القصوى.
وهذا ما يفسر غضبة الأردنيين العارمة على قرار الحكومة برفع أسعار المحروقات في الأردن، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار كل شيء بدءا من حليب الأطفال إلى أجرة النقل، ولم يستغرق الأمر أكثر من ساعة واحدة على إعلان رفع الأسعار وانتهاء مقابلة رئيس الوزراء الأردني الدكتور عبد الله النسور مع التلفزيون الأردني، حتى تفجرت الاحتجاجات في قلب العاصمة عمان واربد والزرقاء والكرك والطفيلة ومعان والمفرق والرمثا، ونزل آلاف الأردنيين إلى الشوارع من الشمال إلى الجنوب للتعبير عن نفاذ صبرهم وانتهاء قدرتهم على الاحتمال، واحتلوا دوار وزارة الداخلية لساعات وحاولوا اقتحام مقر محافظة الكرك، بل وأطلق الرصاص في قرى مدينة اربد الشمالية.
يمكن القول أن الأردن، دولة ومجتمعا واقتصادا، يقبع فوق فوهة بركان، وهو يواجه خطرا وجوديا حقيقيا، فالمشكلة تعدت مسالة ارتفاع أسعار إلى تهديد الكيان السياسي كله مما يجعل من الأردن "مملكة في مهب الريح"، وهو ما حذرت منه في مقالات سبق أن نشرتها في السنوات الماضية، فسرعة الانحدار واضحة ولا تخفى إلا على أعمى، وانزلاق الأردن نحو أزمة شاملة صار اليوم اقرب من أي وقت مضى، وهذا ما تؤيده الأرقام والإحصائيات الحكومية.
من الناحية الاجتماعية يعاني 40 في المائة من الشعب الأردني من الفقر، ويكفي ان نذكر أن أكثر من 70 ألف عائلة فقيرة تتقاضى معونات "هزيلة" من صندوق المعونة الوطنية، وهذا الرقم يعني ان 420 ألف مواطن "لا يجدون ما يأكلون"، أي تحت خط الفقر المدقع، وإذا أضفنا إلى هذا العدد الفقراء الذين يتقاضون مساعدات من الجمعيات الخيرية فان ما لا يقل عن 15 في المائة يعانون من الفقر المدقع،إضافة إلى تراجع مستوى المعيشة بنسبة 53 في المائة خلال العقد الماضي وتآكل الرواتب بنسبة تتجاوز الثلث، أي أن مستوى معيشة الفرد الأردني تراجعت إلى النصف على الأقل، وارتفعت المديونية الأردنية إلى 21 مليار دولار، وفي الوقت الذي تقول فيه الحكومة أن نسبة البطالة لا تتجاوز 13 في المائة، تؤكد مصادر اقتصادية أن معدل البطالة يتجاوز أكثر من خمس القوى القادرة على العمل، وهذه الأرقام المذهلة تؤكد تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي في الأردن بشكل كبير.
ياتي قرار رفع الأسعار ليوجه ضربة قاصمة للمواطن الأردني ولمستوى معيشته المتردي أصلا، وهو ما سيقصم ظهر الطبقات الفقيرة وتدمير بقايا الطبقة الوسطى، ودفع المزيد من الأردنيين إلى مربع الفقر القاتل.
ببساطة "الأردن ينزف"بقوة هذه الأيام وهو نزف مستمر بقوة منذ ان وصف رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة الاقتصاد الأردني بأنه في "غرفة الإنعاش" اثناء توليه لمنصبه قبل عقد من الزمان، وهو تصريح اضطر للتراجع عنه وتفسيره بطريقة ملتوية بسبب الضغوط التي مورست عليه في حيتها، وعندما حاول رئيس الوزراء السابق فايز الطراونة رفع أسعار المحروقات لم يصمد القرار أكثر من 48 ساعة أمام احتجاجات الشارع ليوعز الملك بتجميد رفع الأسعار بعد اتساع رقعة الاحتجاجات وإضراب سائقي سيارات التكسي.
مهما كانت المسببات التي أوصلت الاردن إلى هذا الوضع المزري، من فساد وسوء إدارة وهدر مالي ورشاوى اجتماعية، فان العالم العربي في مواجهة خطر انهيار بلد بأكمله، وهو انهيار ان حصل سيؤدي إلى تحويل بلاد الشام بأكملها إلى كتلة من النار الملتهب، فالأردن كان المنفس الوحيد لحرائق المنطقة من العراق إلى سوريا ولبنان وفلسطين، وهو منفس مكن الناس من الحصول على ملاذ امن، وحمى المنطقة من "الانفجار الكبير" الذي إن حصل فستصل شظاياه إلى الخليج العربي بالتأكيد.
عندي ألف ملاحظة على سياسات الدولة وسوء الإدارة والشللية والفساد المالي والإداري، وهي أمور عارضتها منذ عقود، وكتبت عنها باستمرار ونقدتها وهاجمتها وحذرت منها منذ مطلع التسعينيات، ونشرت حولها تحقيقات شرسة دفعت ثمنها وعرضتني للاعتقال، ورغم ذلك فان الشعب الأردني يستحق ما هو أفضل، وهو لا يتحمل مسؤولية وأوزار نخبة فاسدة عاثت في الاردن فسادا، فهذا الشعب العربي المسلم، الذي تنبض العروبة في شرايينه وقلبه،"شغيل" وعملي وحيوي ومجد في عمله، يصل الليل بالنهار، فيه أعلى نسبة تعليم في العالم العربي، واكبر نسبة من الأطباء والمهندسين والصيادلة والفنيين وخبراء الحاسوب والمدرسين والعمال المهرة.. وهو يحتاج إلى "خطة إنقاذ حقيقية"، ولا يجوز تركه نهبا لليأس والغلاء والظروف المعيشية السيئة، ويحتاج كدولة وكيان سياسي إلى "خطة إنقاذ شاملة" على الطريقة اليونانية، فهو لا يمتلك الموارد الاقتصادية القادرة على سد الدين وتوفير الطعام للناس، ولن يستطيع ان يخرج من هذا المأزق وحيدا.
بصراحة فان دول الخليج العربية وحدها تستطيع إنقاذ الدولة الأردنية من الانهيار والشعب الأردني من الجوع، واقل ما يمكن أن تقوم به هو شراء الدين الأردني لوقف "الفوائد الربوية" وتوفير فرص عمل للأردنيين، وتنفيذ استثمارات مجدية في الأردن، خاصة في القطاعات الطبية والمعلوماتية والتعليمية والزراعية الناجحة، وهي قطاعات تحتاجها دول الخليج العربي بقوة، إضافة إلى قطاع العقارات الذي من شانه أن يحرك السوق في الأردن.
كلفة إنقاذ الاقتصاد الأردني و الدولة الأردنية اقل بكثير من كلفة التصدي للفوضى اذا انهارت الدولة لا سمح الله، ودول الخليج قادرة على "تقديم مساعدات مشروطة"، بنفس الشروط الأوروبية على اليونان، تشرف عليها بنفسها، وكما يفعل صندوق النقد الدولي، وكما بادرت إمارة أبو ظبي الى دفع ما يزيد عن 20 مليار دولار لإنقاذ دبي من الانهيار، فان شراء الدين الأردني ومساعدة الاقتصاد على النهوض سيدفع الاقتصاد إلى الأمام، وسيمكن دول الخليج من استرداد أموالها في مرحلة لاحقة، وإذا كانت فنزويلا تقدم النفط لكوبا مجانا أو بأسعار مخفضة، فان تقديم النفط والغاز للأردن بسعر مخفض من شانه أيضا عن يرفع حبل المشنقة عن رقبة الأردن، وما عدا ذلك فان الجوع كافر، والجائع يأكل ربه، فلا تتركوا الشعب الأردني للجوع ولا تتركوا الدولة الأردنية تنهار، فانهيارها هو بداية الزلزال الكبير في المنطقة كلها.
hijjawis@yahoo.com





  • 1 عيسى 14-11-2012 | 09:47 PM

    صدقت . ولكن هل من مجيب؟

  • 2 الاردن 15-11-2012 | 03:29 AM

    كلام منطقي ويخدم الصالح العام والله يجيب الي فيه الخير للبلد


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :