facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




{ شجرُ الوطنِ ما تهزّهُ الرّيحْ .. ما لم يُقلْ في حياةِ الراحلِ العظيمْ }


ممدوح ابودلهوم
28-11-2007 02:00 AM

( بينَ يديِّ الذكرى السادسة والثلاثين على رحيلِ دولةِ الشهيد وصفي التل ) سأخرجُ .. الساعة ، على سلوكاتي الطبيعية من الطيبة والحيدة والهدوء كي أطلق رصاص التذكار ، على كل الموضوعات التي اصطفت فرادى وزرافات على بوابة أم رأسي ، علها تنتظم – فيما أرجو– مقالات تفوز بعناوينَ ، سأجاهدُ هاهُنا .. ما استطعت ، في العمل على إقصائها كي تغور في كهفها الثقافي المُترف ، فذلكم هو مصيرها و مصير أي رومانس تدبيجيّ في كتابات مجانية بإزاء شموخ ذكرى الرجل العظيم .


أرمي .. من ثَمَ ، بين يدي هذه المقالة العجلى وفي حضرة هذه الذكرى الجليلة في آن ، بسهم وطني جدُّ أردني و قوميّ جدّ عربي من قوس واحدة ، ما زالت على عهدها الأردني العتيق ، تتحسّسُ .. بكبرياءٍ عظيم ، أطلال مَنَزعٍ أصيلٍ تحتشد وتجتهد في آن معاً ، على أن لا ينُسى على أمل ضارب وعريض أن يعود يوما مع تراخي أيام الأردنيين الميامين ، وسهمي اليوم وحتى ذلك الحين المستنيم إلى تصفح أوراق كتابنا الأبيض القديم ، هو مجرد بوح ذاتي أو قل هو خلوة مع الذات ، أبدأها مع الطيبين في هذا الحمى الأعظم قلب الأمة الأكرم ، بتلاوة سورة الفاتحة على روح صاحب الذكرى المقيم ، كي نشرع من ثم في رحلة استذكار حميمية وشفيفة لمآثر خالدة في حياة الشهيد الزعيم وصفي التل .

أسأل .. إذن – وخبراً لمبتدأي .. آنفاً ، لكن بعد السماح هذه المرة (فقط) بانضمام قريني المشاغب إلى تحالف (لو) وشيطانها اللعين !، ما استوى حالة تشظٍ نفسية فكرية وإنسانية بالتالي ، لم أقوَ .. على كل حال ، على مواجهة جحافل مدها السياسي اللجب ، وأسئلة حاملي راياتها الحمراء من شياطين الفتنة بين القطريّ والقوميّ ، وبخاصة و أنا في حضرة خلوة الذات المشتهاة في استذكار صوفيٍّ حدَّ الإنتماء التام ، لمآثر فارس لم يفصل في حياته التي كانت تعبق بأشواق الحرية بين القطري كوطنيّ والقومي كعربيّ .
أسألُ .. أجل – وحال العرب في الدرك الأسفل على الأطلال الخربة من تفرق أيدي سبأ ، للأسف الغرناطيّ / النكبوي / النكسوي إياه (!) وبحروف صماء على لسان مشدود بنسعة التشظي من فمٍ أبكم : ماذا (لو)كان الرجل بين ظهرانينا اليوم ؟!

لا جواب .. لدي ، ليس بسبب من عنقائية الجواب على وسوسة هذا السؤال – إذ لا أعرف كيف أخاطب الشيطان (!) وليس أيضاً لأن بيني وبين نفسي حديثاً قهاراً آخر يختلف في العقل والنقل معاً بإطلاق ، بل لأن هذا الزمن بحق ليس زمن الشهيد الفارس الذي ترجل في غير أوانه : المغفور له بإذن الله الزعيم الرئيس وصفي التل طيب الله ثراه .

شاهدُ الحال .. عبر زميل نابه ، يرى مع قرين قلمي المسترخي في مكان الصدارة على رياش دارة الاختصار ، بأن أضع نقطة الختام هنا بمعنى أن المقالة قد اكتملت وفق تقعيد أن أوجز الكلام أبلغه !، وبأن المقالة فنياً قد استوت على سوقها ، فتمسك شهرزادها عن مباح الكلام !، وقد يكون كل أولئك موضوعياً ومنطقياً غاية في الصحة و مطلوباً أيضاً ، لولا أن الحديث الساعة هاهُنا هو حديث رجل عظيم من رجالات البلد والأمة الكبار الخالدين ، توزن مآثره بموازين الذهب من حيث أنه كان رقماً صعباً ، يجب أن تُفرد له المجلدات لا المقالات على الساحتين الوطنية و القومية في ذات الآن .

و عليه .. نسترسل ، بأن (كثيرين) يجب أن يقولوا اليوم في ذكرى وصفي (كثيراً) ، أما أنا أقولها بتواضع وأدب جميّن كتلميذ نجيب في المدرسة الوصفية – ويصح التوصيف هنا على وجه الإطلاق ، فسأتناول عناوين لقصص قصيرة موجزة وصغيرة في مبناها طويلة عميقة وكبيرة في معناها ، في حياة الطود الخالد شهيدنا المقيم رحمه الله ، و هي عناوين أجزمُ بأني آخر المرافعين عن أصالة دلالاتها الوطنية القومية والإنسانية بالتالي .

القصصُ .. تالياً ، أدين بها لراوٍ عزيز قصها علي ، مجتمعة ومتفرقة ، على فترات متباعدات .. رخيّات وطيبات ، هو الشاعر والمؤرخ الصديق الحبيب الأستاذ رشيد خصاونة أطال الله في عمره ، إذ عايش أخي رشيد صداقة متميزة من نوع خاص ، بين المرحومين وصفي التل وراضي العبد الله الشقيق الأكبر لرشيد : وزير الداخلية الأسبق ومدير الأمن العام الأسبق رحمه الله ، ومما يرويه رشيد من كثير محفوظ لن تكون هذه العجالة كفاء عناوينه فكيف بتفاصيله ؟، على أن ما جاد به علي (أبو سلام) قمين بأن تدار حوله الندوات ، وتفتح له أبواب الجامعات والصحف و المؤلفات ، فحسبي من ذلك كله الإشارة لعناوين بعضها .. ليس غير .

ومن نفح تلك الذكريات أن وصفي جاء لراضي رحمهما الله عند منتصف الليل ، الأمر الذي أفزع الأخير وأفزع كل من في البيت ، لكن الذي أفزع راضي أكثر هو أن وصفي طلبه أن يرتدي ملابسه وعلى وجه السرعة ، و بالقرب من وادي رم على قمة مرتفع هناك جلس الرجلان لكن دون أن ينبسا ببنت شفة ، وعبثاً كان يحاول راضي باشا أن يفهم من وصفي شيئاً ، ولو من باب ملامسة حاجز الصمت وكسر الجمود الذي كان يلف المكان ، لكن الزعيم كان جبلاً كعادته ما تهزه ريح لا يحرك ساكناً وصامتاً لا يريم ، فقط يدخن سيجارته سابحاً في ملكوت ذهني عميق ، وبقي الوضع هكذا مع الرجلين رحمهما الله حتى ظهر اليوم التالي ، وعلى مشارف جبل عمان فقط راح يفصح دولة الزعيم ويبوح لصديقه بسر تلك المهمة الليلية ، قائلاً : هناك سيكون السد العظيم – في مكان عاينه من على تلك القمة في وادي رم .

قصة أخرى أنه ذات مرة انتفض مثل أسد هصور ، صارخاً بالجمع و الذي كان قوامه مجلس الوزراء المنعقد لحظتذاك : (إيه .. والله ما أنا أردني) وأضاف : (باطل .. أنا أخو عليا) !، وخرج مسرعاً تاركاً مجلسه في حيرة و تساؤل حول خروجه المفاجئ الغريب ، وحين عاد بعد غياب سويعات معدودات خاطبهم باسماً / مفتخراً : (أيوه .. الوحد هسّع ارتاح) مضيفاً (رحت علكرك دقّيت ورجعت) !، أي أنه وضع وشماً – قد يكون على ظاهر يده ، وفي قصة ثالثة : يتناهى لسمعه أن المسؤول عن مزرعته في قصر الحلاّبات ، قد عنّف أحد رعاة الإبل لأنه أسقى إبله من بركة ، كان طيب الله ثراه قد جعلها وقفاً لسقاية البدو هناك وإبلهم ، فطار بسيارته مسرعاً وما أن رأى مسؤول البركة حتى بطش به و(معطه بدن مرتب) !، لعدم سماحه للبدو وإبلهم بورود ماء البركة ، صارخاً به : (ولك يا بني آدم مين انته حتى تمنع العالم شرب المي و لويش أنا سويتها ولويش انته قاعد هون ، إلا مشان يشرب هظول الناس مي ويسقوا نوقهم وبعارينهم) .

في الإطار .. ذاته ، عرفت فقيد الوطن والأمة بل والإنسانية أيضاً ، للمرة الأولى .. وعلى المستوى الإنساني المحض شخصي ، قبل ما ينوف على ثلاثة عقود ونيف وتحديداً في ربيع عام1969، حين اصطحبني زميل من بريد صويلح حيث كنت قد عملت هناك لمدة عام ، صويلح – البلدة (أنذاك) الدرة البيضاء للبلقاء الأبية وعاصمتها الشماء السلط ، وذلك بغرض إيصال بريده الخاص كناشط سياسي وإنساني وعضو في مجلس الأعيان ، وكان .. بالمناسبة ، بريده يومذاك كالعادة ودائماً كيساً لونه كاكي أخضر ضخماً ، وكان أكبر من بريد صويلح والبقعة وماحص و الفحيص والجبيهة وخلدا وتلاع العلي وصافوت وعين الباشا وأم السماق ، وبريد هذه المناطق –فيما تسجله حافظتي الشائخة – كان بريد صويلح مركزه الرئيس ، وحين أصبحنا على مشارف دارته الميمونة بمزرعتها الجميلة في منطقة الكمالية بين صويلح والسلط الحبيبتين ، وجدناه رحمه الله بلباسه الفوتيك العسكري ينفس عن صدر الأرض بمعوله كأي فلاح أردني أصيل ، فلقينا بابتسامة عريضة ما زلت أذكرها حتى يوم الذكرى هذا ، إذ استقرت خالدة في هذين المحجرين من حيث أني لم أرّ مثلها في حياتي ، والأهم من حيث أنها قد اختزلت بحق بسمة الأب والفلاح والزعيم ، في انطلاقة واحدة تشهد وبكل لغات الدنيا بأن هذه هي ابتسامة وصفي التل ، ثم صرتُ بعد ذلك أراه كل مساء من زجاج البريد المطل على الشارع الرئيس ، وبنفس اللباس التقشفي يشتري خبزاً من الفرن قبالة الشارع الفرعي المؤدي إلى صافوط ، وغير مرة في صالون الحلاق (علي إتشوع) أو صالون (أبو عصام اللبناني) .. إن لم تخنِ ذاكرتي المستباحة ، لكن مروره بسيارته المتواضعة ضحى كل اثنين في طريقه إلى مجلس الأمة كانت لازمة لا تنسى .

إلى ذلك .. أيضاً ، فقد قرأتُ معظم ما سطرهُ رحمه الله في كتاب رافقني في ترحالي الدائم ، حيث كانت قد وزعتني كفُّ الريح في غير بلدٍ بحكم عملي في الملكية الأردنية ، وهو مؤلفه الخالد (كتابات في القضايا العربية) الصادر عام1980، والذي حوى كلمات تأبينية للذوات مع حفظ الألقاب : المرحوم حمد الفرحان والمرحوم أكرم زعيتر وسليمان الموسى أطال الله في عمره ، وقد يكون هو ذات الكتاب قبل هذه الطبعة أو كتاباً آخر بعنوان (...في الفكر القومي) ، والذي فيما أذكر كان قد قدم له السادة أكرم زعيتر وشفيق ارشيدات وحمد الفرحان رحمهم الله أجمعين ، وله بالمناسبة مؤلف آخر هو بعنوان (فلسطين : دور العقل والخلق في معركة التحرير) ، وتوخياً هنا لشرطيّ الدقة والاختصار .. خلوصاً ، وبغية التعرف على حياة زعيمنا الراحل أكثر ، أُحيل القارئ الكريم إلى هذا الكتاب الثّر والهام ، وأيضاً إلى كتاب الأستاذ سليمان الموسى (أعلام من الأردن) ، و كتاب المرحوم الأستاذ حسن التل (وصفي التل وفلسطين) ، هذا فضلاً عن الإسهامات المفصلية المغنية والهامة أيضاً للمفكرين النابهين الأستاذ بلال حسن التل والدكتور سعيد التل ، ناهيك بكتاب (دروس من الهزيمة) والذي حوى محاضرة قيمة لصاحب الذكرى الشهيد الزعيم في نكسة حزيران وإرادة النصر ، مع كوكبة من المفكرين الأساتذة منيف الرزاز وحمد الفرحان وأكرم زعيتر رحمهم الله أجمعين .

على الجملة .. ختاماً ، تبقى الأسئلة التالية مفتوحة على آفاق خطابنا القومي ، والاختيارات تبدو حرة في إحالاتها بين قديم هذا الخطاب أو حاضره ، من حيث حراكها العجيب الذي يدور في فلك الأزمة الحرون ، بمعنى أن الإحالات تفضي إلى إحالات والأسئلة تلد أسئلة كذلك ، ما نرى ضرورة استذكاره واستيعاب دروسه المستقرة لا جدال في محضن ذكرى رحيل وصفي التل طيب الله ثراه ، من بعض هذه الأسئلة : ماذا يمكن أن يقال في يوم كهذا اليوم المجلل بالحزن المقيم ؟، ماذا تنفع الكلمة إزاء تخليد الشهادة ؟، هل أقول إنه وفي حدود مطالعتي لسير العظام ، لم يظلم رجل كوصفي التل في تاريخ العرب الحديث ؟، ماذا أقول .. وماذا سأضيف ، والطود كما ترون شامخ في رحيله وذكراه تماماً كما كان في حياته ومبتغاه ؟، ما يستوي أمام أسنة الأقلام غيضاً رطيباً من فيضٍ رحيبٍ ، كي يُستقى منه مدادها الكريم ومن معينه العظيم بالتالي فلينهل الناهلون .

رحمك الله (أبا مصطفى) رحمةً واسعةً تليق بالشهداء الرموز أمثالك ، وطيب ثراك وجعل أعلى عليين مأواك ، و عليك السلام يوم ولدت ، و يوم جاهدت ، و يوم استشهدت أردنياً / عربياً / نهضوياً مع الخالدين في جَنّاتٍ و عيونْ . ]

Abudalhoum_m@yahoo.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :