كم آلم فؤادي وجوارحي واعتصرني حزن وألم عميق عندما تلقيت نبأ وفاة الطبيب الانسان صاحب الخلق العظيم الباشا محمد حماد (ابو زيد )،كيف لا وقد جمعتني به مؤسسة الرجولة والعطاء صانعة الرجال الرجال في زمن قل فيه الوفاء لنخب كان يشار لها بالبنان لعظيم انسانيتها في مداواة جراح مرضاها وعظيم انتمائها لجيشها العربي المصطفوي، فكان لقائي الأول به وقبل مايربو عن ثلاثين سنة ونيف، بالعقيد الطبيب ابو زيد ومن خلال اللجنة الفنية في الخدمات الطبية وكنت حينها خريجا جديدا في مدرسة الحياة وكليتها العسكريه صانعة الرجال والإنتماء العربي لهذا الحمى العربي، فكان اللقاء هو بمثابة الامتحان والتقييم العلمي والشخصي لنجاعة الطبيب لهكذا إختصاص، واذكر ان اللجنه كان يرئسها حينذاك العميد الطبيب (اطال الله في عمره ) الدكتور عارف البطاينه فكان التقييم علميا من جهة وعسكريا من جهة اخرى، وبدرجة من الصعوبة والتنافسيه الحادة والتي ادت في الدكتور عارف البطاينه انذاك للإجتماع بالمتقدمين وذلك قبل الدخول الى اللجنة الفنية واعلامنا ان التنافس حاد جدا، اذ ان المطلوب هو شاغران لطبيبين فقط وان المتقدمين هم خمسون طبيبا ونصحنا بقوله انه من كان يعتمد على علمه فهو جدير لهذا، ومن كان يعتمد على واسطة معينة فلا يتاملن بهذا (واردف واظن ان هذا كان من باب الدعابة حين قال ان احد المتقدمين قد وسط المفتي لكي يتم إختياره وهدد ان عليه ان ينسحب لانه سوف يكون اول الفاشلين) فكان اللقاء بعدئذ بابي زيد رحمه الله من نوع آخر، لقاء يبحث بألأفكار وعقلانية العقول ويبتعد عن الشخصنة والأحداث، فخرجت من هذا اللقاء وانا ابحث عن مآلات لهذا النقاش إلى ان تذكرت مقالة لجدي قاسم الهنداوي الذي كان وزيرا في حكومة ابراهيم هاشم في عام 1933 بقوله:
يابني إن العقول ثلاثة مستويات:

عقول راقيه تتكلم في الأفكار، وعقول متوسطة تتكلم في الاحداث، وعقول صغيرة تتكلم في الناس، فايقنت مبكرا ان ابا زيد كان صاحب عقل راق وصاحب موهبة ابداعية في مجال الطب فكنت ملازما له في عملياته الجراحية وزميلي د عبد الرحمن فعلمنا الإبداع في مجال الجراحة ومحاولة إلإبداع الجراحي الفكري وذلك سعيا لحل المشاكل غير النمطيه وخاصة في مجال المنظار الجراحي، سعيا لقهر الم مريض جاء مستغيثا او محولا لخدماتنا الطبية العريقة، آملا بشفاء عاجل، فكان ابو زيد بحق وحقيقه معلما جليلا صاحب بصر وبصيرة ووفاء عظيم لمن عاصره وكيف لا وقد كلمني حين علم بتقاعدي من الجيش برتبة عميد مهنئا بسلامتي وناصحا لي بفتح عيادة الى جواره في شارع الخالدي، كي ابقى قريبا منه وكان هذا وكنت قريبا منه، ولا ازال اتذكر دعواته لي لزيارته في عيادته لنتداول الافكار ان في مجال التاريخ القديم العابق بالعبر والأحداث من خلال معاوية ابن ابي سفيان والدولة الاموية مرورا بالمماليك وقطز وصلاح الدين وحطين الى العثمانيين والثورة العربية الكبرى وكرامة العرب التي ردت من خلال معركة الكرامة وحرب تشرين او الاحداث الكئيبة التي يمر بها عالمنا العربي من خلال ما يقال انه الربيع العربي والذي لم يؤمن رحمه الله بانه ربيع مزهر وانما فوضى خلاقة يراد بها تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ سعيا لشرذمة الأمه.

وكم من الجلسات التي كنت استمتع بالنقاش بها حينما كان يقرا مقالاتي في جريدة الراي ويقول لي تعال الى عيادتي لاناقشك فيما كتبت وكنت اذهب واروي عقلي بفكره الثاقب، وحيث كنا نناقش بعضا من قناعاته في مشاريع قوانين تعرض في مجلس الاعيان حيث كان عشقه الدائم.

فكان رحمه الله نبراسا وعلما في الطب وفي الثقافة وفي التاريخ وصوابية القناعات فالى جنان الخلد يامعلمي وناصحي وحسبنا ان بواكيك كثر لعظيم ماقدمت واسلفت في زمن عز فيه الوفاء.
(الرأي)