facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




المصري : لهذا بكيت ..


07-04-2015 12:16 PM

عمون - حيدر المجالي - يغلب على شخصية رئيس وزراء الأردن الأسبق طاهر المصري الهدوء، لكنه يتعاطى مع الواقع بمنتهى الحكمة والقوة، كما أن ابتسامته الدائمة تعد جسراً لكسب محبة وتأييد الآلاف من مريديه، هذه التركيبة في شخصيته عززت لديه روح الانتماء والولاء، فكانت علامة فارقة في تاريخه السياسي والاجتماعي والانساني؛ جمع بين التوازن والإعتدال في إتخاذ القرار، لكن مواقفه حيال بعض القضايا ثابته، رغم أنه لا يفضل أن تكون تلك المواقف جامدة إلى حد كبير.
مخزونه المعرفي، ورؤيته الثاقبة، جعلته قريبا من تفكير الملك الراحل الحسين بن طلال طيب الله ثراه، فمنحه الثقة، واستأنس برأيه في كثير من القرارات المصيرية.
أبو نشأت، من السياسيين القلائل الذي ترأس السلطات الثلاث؛ التنفيذية حيناً، والتشريعية بشقيها النواب والأعيان حيناً آخر، كما أنه دافع عن الديمقراطية برفضه حل مجلس النواب الثاني عشر، لعزم ممثليه حجب الثقة عن حكومتة واكتفى بالاستقالة فقط، ورغم تبوئه العديد من المناصب السياسية، سفيرا ووزيرا، إلا أنه إعتذر عن بعضها تمسكا بتلك المواقف.
واكب الأحداث التي مرت بها المملكة منذ النكسة عام 48، وحتى النكبة عام 67، فتشكلت شخصيته السياسية كنتاج طبيعي، للأوضاع التي مرت بها الأمة العربية، وضياع فلسطين؛ وكونه من أبناء مدينة نابلس وينتمي لعائلة ثرية، فقد ساعده ذلك أن يكون في خضم الأحداث السياسية التي مرت بها فلسطين والأمة العربية، فتابع وهو (طفلاً) عن كثب، المشاهد المريعة لنزوح الفلسطينيين وتهجيرهم بأعداد كبيرة، فرسخ في ذهنه أن مقاومة المحتل ونصرة قضايا الأمة العربية واجب وطني وقومي.
رغم إنشغاله بالسياسية منذ عام 1973 ألا أنه لم ينسى اصدقاء طفولته، فظل على تواصل معهم بذات الإسلوب والنهج، لدرجة أنه كان وهو رئيس للوزراء يذهب خلسه ليلعب معهم (الباصرة) في منزل صديق بجبل عمان.
شعر بالظلم فبكى، ما الذي أبكاه بحرقة ؟ وما قصة سيارته (الرينو)؟ وكيف أثّر حزم والده على نشأته وتربيته؟ وما سبب رفض جده الحاج طاهر ان يُسمّى بإسمه؟ ولماذا يقولون عنه (soft)؟.. هذه التساؤلات وغيرها من المواقف الإجتماعية والسياسية، ما تزال تُختزن في ذاكرته القوية.
«الرأي» حاورت المصري لتتناول الجانب الآخر من شخصيته السياسية والاجتماعية والسياسية، بعد مرور أربعة عقود على إشتغاله بالسياسة، وتسلمه مواقع متقدمة في الدولة الأردنية، فهو لم يعتزلها ويجد نفسه في عمقها يمحص ويراقب..



وتالياً نص الحوار.

كيف كانت نشأتك في نابلس؟
انا طاهر نشأت طاهر المصري، ولدت في نابلس لعائلة فلسطينية تتمتع بالثراء، لانها ببساطة تمارس العمل التجاري، وانا أكبر إخوتي، وعدد أفراد الأسرة 13 فرداً، سبعة اشقاء وأربع شقيقات بالإضافة إلى والدي ووالدتي، وكانت حياتنا في ذلك الوقت مستقرة، عشت طفولة عادية كباقي اقراني، ولا أنكر بأنني كنت مميزاً بعض الشيء خاصة عند جدي الحاج طاهر، درست في نابلس في كلية النجاح وهي المدرسة الخاصة الوحيدة، وبقيت فيها حتى أنهيت المرحلة الثانوية، ورغم أن المدرسة تضم أساتذه أكفاء إلا أنني كنت افضّل الدراسة خارج نابلس، لكن والدي رفض ذلك، وقال لي أنت إبني الكبير وأُريدك إلى جانبي.

من أين جاءت تسميتكم بالمصري، هل نسبة إلى مصر؟
نحن لدينا شجرة عائلة موثقة في المحاكم الشرعية، وليس سبب التسمية نسبة الى مصر، فأساس العائلة أنها جاءت من حوران عام 935 هجري وقطنت في منطقة (جبا) في محافظة جرش، ومن هناك توجهوا إلى الخليل، وهاجر أو انتقل أحد أفراد العائلة إلى منطقة خان يونس بغزة، وما يزال لنا هناك أقارب فهم عائلة كبيرة في خان يونس، وإنتقل جد آخر إلى نابلس، أما من أين أتى اسم المصري، فإننا لا نعرف بالضبط حتى الآن، علما بأننا بحثنا عن سبب التسمية فلم نجد.

جدكم طاهر اعترض على تسميتك بإسمه، لكن والدك أصرّ على ذلك، ما سبب اعتراضه؟
في ذلك الوقت كان الناس لا يفضلون ان يسمى الأبناء بأسماء أبنائهم ، لأن ذلك فيه حالة تشاؤمية ، وان الأمر قد ينذر بقرب رحيل الجد بعد أن يحل محله الحفيد، إلا ان والدي أصر على تسميتي على إسم والده طاهر، ما أغضب جدي وطلب من والدي أن يتراجع عن ذلك لكن عناد والدي كان أكبر لتكريم اسمه والده وبقي الإسم الذي يحمل أصلاً اسم شركة العائلة، ورغم ذلك فقد عاش جدي طاهر ردحاً من الزمن، وكان يحبني كثيراً.

رغم انك تنتمي لعائلة سياسية إلا أن والدك لم يكن سياسياً، ما أسباب عزوفه عن دخول معترك السياسة؟
صحيح؛ والدي لم يكن سياسياً، كان رجل اجتماعي قريب من الناس، حتى انه لم يدرس في المعاهد او الجامعات انما درس في المراحل الدراسية الاولى، لكنه اكتفى بالدعم الاجتماعي والمعنوي لرجال العائلة السياسيين ومنهم عمي حكمت الذي درس في الجامعة الأمريكية في بيروت وتخرج منها عام 1928 فاصبح من السياسيين المشهود لهم، اما على صعيد العائلة فقد كان له تأثير وقرار في ترتيبات العائلة الكبيرة ، غالباً في القضايا التي تخدم العائلة وأفرادها اجتماعياً والنواحي المحلية وقليلاً في النواحي التجارية، ومعظم افراد العائلة يعتمدون على والدي بسبب ماهيته الاجتماعية، خاصة في الإنتخابات البرلمانية أو البلدية التي يخوضها أفراد من عائلتي. فقد تسلم عمي الحاج معزوز المصري رئاسة بلدية نابلس لفترات طويلة.

رفضت المكوث في نابلس، وقررت الذهاب لإكمال دراستك الجامعية في الخارج هل يعني ذلك ان والدك كان صارماً في التعامل معك ومع اخوتك؟
نعم ؛ حيث كان ضرورياً أن نلتزم بسلوكيات معينة في المنزل كوننا عائلة كبيرة في المنزل وكوننا أيضاً عائلة معروفة في نابلس، وكان–رحمه الله–يغضب في أحيان كثيرة ونحن على مائدة الطعام، لأننا حين نجتمع وعددنا أحدعشر فردا نصدر ضجة كبيرة، فيغضب ويكون له ردة فعل عنيفة، وكان يستشيط غضباً حين آخذ سيارته خلسة (واشحط فيها) وانا في عمر ال ستة عشر عاماً.
كان رأيه نافذاً ولا أحد يستطيع من أفراد العائلة معارضته، حتى حين أرسل اربعة من إخوتي إلى القدس ليدرسوا في مدارس الفرندز، وآخر في الفرير، رفض إرسالي وقال لي: انت البكر وأريدك معي هنا في نابلس، وهذا بالطبع ما لا أريده إلا إنني لم أكن أستطع مخالفته.

أين درست ؟
درست في كلية النجاح، وكانت مدرسة خاصة في نابلس وعريقة وفيها هيئة تدريسية من الاكفياء، وامضيت فيها حتى تخرجي من الثانوية العامة.

هل يمكن القول بأنك كنت مدللاً عند والدك وجدك، خاصة وانكم من عائلة ثرية، فكان لك وضع خاص؟ هل شكل لك وضعاً خاصاً أنك من عائلة ثرية؟
صحيح؛ كنت مدللاً عند جدي، بعد ان صفح عن موضوع التسمية باسمه، اما الثراء فلم يكن ثراء فاحشاً، ولا فقراً متقعاً، فالناس كانوا ينتمون إلى طبقة عريضة متوسطة، ثمة تفاوت بسيط في الثراء، ولم تكن حياة البذخ والسيارات الفارهة والقصور كما عليه اليوم عند اهل الثراء. عشنا حياة ميسورة وفوق المعدل العام بسبب أن والدي كان تاجراً ورجل أعمال.

تحدثت في غير موقف بأنك شعرت بالظلم فبكيت بحرقة، ما الذي ابكاك؟
القصة طويلة ولكنها كانت مؤلمة، ووقائعها ما تزال ماثلة امام عيني؛ بعد اقالة حكومة النابلسي في نيسان عام 1957 واعلان الأحكام العرفية، وحل البرلمان الذي كان يرأسه حكمت المصري، وُضع عمي حكمت قيد الإقامة الجبرية في منزله، وكذلك والدي وذات يوم لجأ مواطن إلى والدي طلباً للحماية فقبل، لكن رجل الامن المكلف على حراسة والدي في منزلنا احتجز ذلك المواطن، فانزعج والدي من ذلك التصرف، وعنف ذلك الشرطي الذي قدم شكوى بحق والدي، مفادها بانه شتم الملك، فتم على اثرها ايداعه السجن لمدة ثلاثة اشهر بحكم قضائي عسكري.
وخلال إقامة والدي في السجن، كنت أُحضر له طعام الإفطار بشكل يومي إلى داخل السجن، وكان عمري آنذاك 16 عاماً، ثم أعود أدراجي إلى مدرستي، فتحمّلت المسؤولية كوني كنت أكبر الأبناء سناً، ومضى الحال كذلك الى أن ذهبت يوماً كعادتي لإرسال الإفطار لوالدي، فلم اجده في السجن ولا حتى رفاقه المساجين، بحثنا وسألنا إلى أن عرفنا بأن تم ترحيله إلى سجن الجفر، وبعد ثلاثة أسابيع وبمناسبة الإعلان عن الاتحاد الهاشمي أطلق سراحه بعفو ملكي.
لم يمض سوى يومين بعد عودته من الجفر حتى يتم استدعاءه مرة أخرى ، بحجة أنه لم يكمل مدة محكوميته الإولى وان العفو الملكي لم يشمله ، وبالفعل ذهب مخفوراً إلى السجن. وكنت في كل هذا أقف بجانبه وأعرف ما يدور في ذهـــن والدي ومضى للسجن ، وحين اخبرت والدتي لكي تعد له حقيبة الملابس بكت وتألمت لما حدث ، وشعرت بالظلم والقهر و دخلت إلى الحمام حتى لا تراني الوالدة وانا في هذا الوضع.

هل كانت المرة الوحيدة التي بكيت فيها؟
بالطبع لا؛ فقد بكيت بحرقة عندما تنحى الرئيس المصري جمال عبد الناصر، فكان التنحي صدمة بالنسبة لي وشعرت بأن عملاقاً قد هوى وان ما كنا نؤمن به ونسعى إليه قد إنهزم فجأة وبسرعة ، وآمنت أن مستقبل الامة العربية الى المجهول ، وبكيت ايضاً على وفاة اخي صفوت الذي قتل على يد صديق له بالخطأ عام 66، وبكيت كذلك عندما استشهد عمي ظافر في نابلس وهو رئيساً للبلدية. وبكيت بحرقة عندما توفي الملك حسين – رحمه الله.

هل يعني هذا أنك تعرضت لهزات ونكسات فوق قدرة احتمالك؟
المصري: لقد تعرض جيلنا لأحداث جسام، ومواقف مأساوية، وظروف قاسية، فالنكسات والنكبات وتشريد اللاجئين وتدفقهم بمئات الألوف بظروف قاسية ولجوءهم إلى المساجد والمدارس، وكذلك فقدان أعزاء سواء من الأهل أو من غيرهم، إنعكس على تفكيرنا وإسلوب حياتنا ومواقفنا. وكان البكاء رد فعل طبيعي على هذه الأحداث الفاصلة في حياتنا.

بعد أن انهيت الثانوية العامة في كلية النجاح بنابلس، لماذا اصررت على الدراسة في الولايات المتحدة الامريكية؟
كانت رغبة شخصية في أن أدرس خارج نابلس، كون كثير من أبناء عمي تخرج من امريكا، وكان خيار أمريكا مغرياً ، كما أن والدي طلب منى عدم الذهاب للدراسة في الخارج وأن أكمل الدراسة بفلسطين لأكون بقربه، من اجل البحث لي عن وظيفة أو وكالة تجارية لأديرها، لكنني رفضت ذلك بشدة، وبالفعل ذهبت سنة الى الجامعة الأمريكية في بيروت، ثم توجهت الى امريكا لدراسة الادارة.

ماذا عملت بعد تخرجك مباشرة؟
أخبرني والدي انه وجد لي وظيفة جيدة في عمان حتى قبل ان اعود من الولايات المتحدة، واخبرني ان ارجع بأسرع وقت، وقلت له لماذا العجلة اريد فترة استراحة لمدة اسبوعين على الاقل، لكن والدي ألح وقال وظيفتك بالانتظار، وكان محافظ البنك المركزي آنذاك د. خليل السالم قد عرض على والدي توظيفي في البنك، وأنني أنهيت بكالوريس بالادارة من أمريكا، وكان صديقاً لوالدي وفعلاً وتسلمت الوظيفة مباشرة بعد عودتي من أمريكا.

لماذا اختار لك والدك الوظيفة، ولم يستفد من شهاداتك في تجارته؟
هكذا شاءت الأقدار ، فعمان هي العاصمة والبنك كان في بداية إنشاءه. ولكن لم يكن والدي هو الذي اختار عني بالرغم من أنه هو الذي عرف عن الوظيفة. وكان يعلم ان لي رغبة في العمل خارج نابلس.

بحكم الوظيفة الجديدة عشت في عمان بعيداً عن الاهل، كيف تصف تلك المرحلة؟
طبعاً الاجواء لم تكن متشابهة بين عمان ونابلس، فكنت منغمساً في عملي الذي احببته كثيراً، ونلت ثناءه وترقيات عديدة واستئنائية ، فقد عملت في البنك المركزي بتفانٍ، ولا اذكر بانني تأخرت عن دوامي صباحا دقيقة واحدة طوال سبع سنوات ونصف مدة عملي في البنك. طبعاً؛ سكنت حياة العزوبية برفقة أبن عم لي، وأذكر بأننا أقمنا في استديو بجبل عمان بأجرة شهرية 40 ديناراً نتقاسمها بالمناصفة، اما راتبي فلم يتجاوز 45 ديناراً في بداية عملي في البنك. إلا أن والدي دعمني آنذاك بشراء سيارة رينو لي، كي أكون دائماً بقربه.

أنت من مواليد برج الحوت، فهل انت من الحيتان؟
لا ادري، ولكن اعتاد البعض على تسمية السياسيين ورجال الأعمال المعروفين بالحيتان، وذلك نظراً الى القوة والسلطة، حتى ان دائرتي الانتخابية التي اخوض فيها معركة البرلمان، وهي الدائرة الثالثة، تسمى دائرة الحيتان.

ما قصة الخمسة دنانير التي يدفعها لك والدك فوق الراتب؟
هذا كان يحصل خلال سنوات عملي الأولى في البنك المركزي وقبل عام 1967. والقصد هنا أنني كنت أعتمد على دخلي وليس على والدي. وعند عودتي من أمريكا وبعد توظيفي في البنك إشتري لي سيارة ( رينو ) صغيرة بمبلغ 675 ديناراً، وكنت أستخدمها في السفر من عمان وإلى نابلس نهاية كل إسبوع، حتى إنني كنت آخذ ملابسي لكي تغسلها والدتي، واستفيد أيضاً بمليء خزان سيارتي بالوقود على حسابه.

كنت تتقاضى راتباً شهرياً 45 ديناراً وهذا المبلغ في ذلك الوقت عام 1965 مرتفع، هل يعني أن هذا الدخل يُحقق لك حياة الرفاهية؟
نعم، هذا راتب أعلى من معدل رواتب الحكومة آنذاك، ولكنه لا يؤمن حياة رفاهية كما تقول بل حياة مريحة لكن راتبي حسب مصروفي لا يكاد يكفي، حيث كنت احصل على دعم بسيط من والدي.

ما ظروف ارتباطك بأم نشأت؟
كان التعارف بيننا عبر الاقارب، فقد شاهدت سمر زوجتي عند احد اقاربي، واعجبت بها، وبالفعل تم التقارب بين العائلتين، المصري والبيطار، وتمت الخطوبة التي امتدت طويلاً نتيجة للاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية عام 67 ، قبل هذا التاريخ كانت الامور ميسرة، والحياة مختلفة، لكنها سرعان ما تغيرت بعد النكسة، فلم يبق لي سند الا شهادتي ووظيفتي، خاصة وان والدي – رحمه الله – اصيب بمرض (الشلل الرعاشي) وهو في عمر 49 عاماً.

كيف سارت امور الزواج بعد كل هذه الظروف؟
لان الخطوبة امتدت طويلاً، فلم يكن امامي إلا الإعتماد على نفسي في تجهيز البيت، وبالفعل تعاونت أنا وزوجتي على شراء الأثاث وكان بعضه مستعملاً، وأذكر أنني اشتريت مدفأة مستعملة ايضا، وطقم كنب مستعمل، وغيرها من الاشياء، المهم أننا أسسنا منزلنا من كدنا وتعبنا، وقد ساهمت أم نشأت في ذلك، حيث كانت تعمل في مكتبة يملكها سمير قعوار في الدوار الثالث براتب 22 ديناراً، وهذه المكتبة تردد عليها المرحوم وصفي التل ردحاً من الزمن.

صادف موعد زواجك مع ليلة رأس السنة 31 /12/ 1967 ماذا يعني هذا لك؟
هذا الموعد لا يمكن نسيانه، لان له ذكريات مؤلمة ومفرحة بنفس الوقت، فجاء في عام النكسة وهو عام محزن، لكنه يصادف في ليلة رأس السنة والمفرح فيه أن صادف يوم رأس السنة يوم زواجي الذي شكل علامة فارقة في حياتي. وهي مناسبة إن اختزلت الاحتفالات باحتفال واحد. كما أنني مستفيد ان يكون يوم زواجي ويوم راس السنة في ذات اليوم لتقليل كلف الاحتفال واختزالها باحتفال واحد.

بعد زواجك بثلاث سنوات رزقتم بمولودكم البكر، فلماذا كررت تجربة والدك واسميته نشأت؟
لم يكن لدى والدي أو لدي نفس هواجس أيام زمان وكان ذلك من اجل احياء ذكرى من نحب ونجل ممن رحلوا عنا، وربما هذا شائع في كثير من العائلات الذين، يسمون اسم البكر على اسم الجد، كما اننا كعائلة لنا ارتباط وثيق ببعضنا البعض، ونعيش كأسرة كبيرة لها تقاليدها وعاداتها، واكراماً لوالدي سميته بأسمه نشأت، كما انني احب الاسم كثيراً.

كيف أثّرت شخصيتك في أبنائك؟
لقد اكرمنا الله بمولودنا الأول نشأت بعد ثلاث سنوات من الزواج، وكان التأجيل مقصــوداً بسبب الاعباء المادية، وبعد ثلاثة اخرى أنعم الله علينا بمولودة أسميناها نادين، اما التأثير على ابنائي فكان ايجابياً لأننا أولينا موضوع التربية جل اهتمامنا والتعامل مع الابناء موضوع سهل برأيي كان أساسه المحبة والتفاهم المتبادل، كما ان اجوائنا في البيت مريحة، ولا يوجد خلافات بيني وبين زوجتي، لذلك نشأ الاولاد في جو مريح وهادئ واعتقد أن البيت واجوائه الدافئة لها دور في تكوين شخصية الابناء، فهم بالضرورة يتأثرون بأبويهم، لا انكر بان زوجتي كانت صارمة بأصول مع أبنائنا في التعامل، لذلك فقد تربوا على مبادئ صحيحة.

هل نستطيع القول بأنك دخلت السياسة صدفة؟
لا يمكنني القول صدفة ، وانما كانت الاجواء التي عشت فيها، تحفز على العمل بالسياسية، او لنقل الاهتمام بها، كما ان عائلتي فضلا عن انها عائلة اقتصادية فانها عائلة سياسية، وكما ان جيلي واجه احداثا كثيرة وكبيرة منذ منتصف الاربعينيات، بانتهاء الحرب العالمية الثانية وتشكل التحالفات، والمشروع الصهيوني الذي كان يسير بخطى سريعة لإيجاد اسرائيل، في الوقت الذي كان فيه الشعب الفلسطيني تحت الانتداب البريطاني.
ولا ننسى الاحداث التي عشناها في عام 48 وما رافقه من تدفق كبير للاجئين، ولم يخطر ببالنا وقتئذ ان الديمغرافيا في فلسطين ستتغير بهذا الاسلوب من التهجير والطرد والتشريد، وكان لا بد من استيعاب هذا اللجوء وكانت الوحدة بين الضفتين تتبلور في اذهان الحكم في عمان، وكذلك عند اهل الضفة الغربية الذين ابدوا رغبة في الانضمام، لكنهم في ذات الوقت لا يريدون البقاء معلقين بدون دولة، فبدأ مشروع الوحدة وسط حماس كبير، كما جاءت ثورة عبدالناصر. هذه كلها عوامل دخلت لتؤثر في نفوسنا كشباب ، لذلك المفهوم القومي اثر في جيلي بشكل كبير، وكوني من عائلة سياسية عانت وعاشت المأساة كنت في قلب هذه الاحداث.

من هم اصدقاؤك؟
اصدقائي نوعان: القديم الذي نشأنا معاً ولكن الظروف فرقتنا، الا ان الصداقة والترابط والحميمية والثقة ما زالت مستمرة، لذلك لم انساهم، وكنت على تواصل معهم، واحب ان اجلس معهم في الاوقات التي اجد فيها متسع من الوقت، حتى وانا رئيساً للوزراء كنت اذهب الى بعضهم ليلاً ونجتمع، في منزل صديق مشترك هو جريس القسوس في جبل عمان، لدرجة ان حرسي كانوا يستغربون من بساطة اصراري على لقاء اصدقائي والشعور بالراحة معهم. أما النوع الثاني، فجاء نتيجة حتمية، بعد أن خضت الانتخابات النيابية، فاصبح هناك تنوعاً اكثر من المعارف والاصدقاء، واختلاط اكثر وان تفهمي الأوسع للاحتياجات الشعبية جعل لي علاقات واسعة على مستوى الوطن والعالم، بعيدة عن طفولتي ولكنها تتلاءم مع الوضع الجديد.

يقال بأنك مُغرم في لعبة «الشدة»؟
المسألة ليست كذلك، ولكني بالفعل كنت العب مع اصدقاء طفولتي «الباصرة» فكنت أبحث عن بعض الوقت في خضم المسؤوليات الكبيرة التي تبوأتها، لأقضيه مهم، واجد في هذه اللعبة البسيطة كثيرا من المتعة، خاصة مع رفاق الطفولة.
بعد ان خضت الانتخابات النيابية، اصبح هناك تنوعاً اكثر من المعارف والاصدقاء، واختلاط اكثر وان تفهمي الأوسع للاحتياجات الشعبية جعل لي علاقات واسعة على مستوى الوطن والعالم ، بعيدة عن طفولتي ولكنها تتلاءم مع الوضع الجديد.

كيف ولجت الى السياسة؟
البداية كانت في الترشح عن المقعد الشاغر في مجلس النواب لمقعد نابلس، وقد استشرت سياسيين في هذا المجال، اذكر منهم عدنان ابو عودة، ومضر بدران، وزيد الرفاعي واحمد اللوزي، وكان يجب ان تتم الانتخابات في مجلس النواب لعدم توفر الظروف لإجراء الانتخابات لممثلي الضفة الغربية بسبب الاحتلال. فتم تعديل الدستور ليتمكن المجلس نفسه من انتخاب نائب من أبناء المنطقة لملىء المقعد الشاغر، وبالفعل ذهبت الى نابلس لاستشارة الاهل، فكانوا موافقين باستثناء عمي حكمت الذي ابدى تحفظه، المهم انني طرحت اسمي للترشح، وصوت مجلس النواب لصالحي، وإذيعت اسماء الفائزين وانا في الطريق من نابلس الى عمان وتحديداً بمنطقة العدسية في شهر آيار من عام 1973، واذكر بانني كنت استقل سيارة أجرة من الجسر لعمان وأجلس في المقعد الامامي، وحين أذاع الراديو أسماء الفائزين بانتخابات مجلس النواب ذُكر اسمي فائزاً ولم يعرف الركاب انني منهم، وهذه كانت مفاجأة سارة بالنسبة لي.

لم يمض وقت طويل حتى كُلّفت بحقيبة وزارية، كيف ذلك؟
بعد ثلاثة اسابيع استدعاني زيد الرفاعي، وعرض علي حقيبة وزارية، وهي وزارة شؤون الارض المحتلة فقبلت؛ ذلك أشعرني بعظمة المسوؤلية الملقاة على كاهلي إذ كنت لم أتجاوز الحادي والثلاثين عاماً.

لماذا شعرت بأن الملك الحسين يرمُقك بنظراته اثناء حلف اليمين؟
صحيح ؛ لأنني ذهبت بلباس غير رسمي ، فقد كنت أرتدي ملابس شبابية، ربطة عنق الوانها فاقعة، وجاكيتاً فاتح اللون، وكان شعري طويلاً وكثيفا، فشعرت حينئذ بان الحسين ينظر لي باستغراب، خاصة وان جميع الطاقم الوزاري يلبس البدلات الرسمية، ومنذ ذلك الحين تعلمت درساً في امور البرتوكول وأن لكل مقام مقال.

لك موقف رافض لقرار قمة الرباط، وقد أغضبك ذلك، فهل جاء رفضك للعمل سفيراَ في الكويت نتيجة لذلك؟
بعد قرار قمة الرباط عام 1974 الذي اعترف بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. عندها إستقالت حكومة زيد الرفاعي، وخرج منها الوزراء الذين يمثلون الضفة الغربية وانا واحد منهم باعتباري نائب نابلس عن الوزارة، ازعجني القرار كثيراً، وقررت الذهاب للعمل مع عمي صبيح المصري في السعودية، علماً بان هناك العديد من الشخصيات تقبلت القرار بفرح وتأييد كبيرين، ولأنني أعتبر نفسي نتاج وحدة الضفتين، ولتوجهي العروبي، كان لي موقفاً رافضاً للقرار، وعليه فقد عبرت عن هذا الرفض بعدم قبولي العمل سفيراً في الكويت، لكن سالم مساعدة قابلني صدفة بعد اسابيع واقنعني بالقبول بالمنصب، وفعلاً قبلت، إلا أن هذا المنصب شغره محي الدين الحسيني فكُلفت بالعمل سفيراً في مدريد.

لم يكن هذا الرفض الوحيد للمنصب فقد اعتذرت ايضاً عن قبول منصب وزير الخارجية في حكومة احمد عبيدات، ما أسباب اعتذارك؟
لم يكن الاعتذار لموقف معين، بل لظروف عائلتي، ورغبتي البقاء سفيراً في لندن بناء على رغبة الملك الحسين، لكن اصرار أبو ثامر على قبولي الحقيبة الوزارية وخاصة انه ابلغني بانها رغبة الملك، قبلت.

جاء قرار استقالتك من رئاسة الحكومة بناء على مذكرة نيابية لحجب الثقة عن حكومتك، هل أُرغمّت على الإستقالة وعمر حكومتك لم يتجاوز ستة شهور؟

لم أُجبر على الاستقالة، بل جاءت بقرار شخصي مني حماية للديموقراطية الناشئة، علماً بأن الملك الحسين قال لي اذا أردت حل البرلمان فلا يمانع، لكنني مؤمن بأن مسؤولية رئيس الوزراء مهمة وطنية، ويجب على أي شخص ان يدرك بأن خدمة الوطن هي الأساس.
أنا كُلفت برئاسة الحكومة في ظروف صعبة ودقيقة جداً، فكان العراق يُضرب من دول التحالف، في ظل الموقف الأردني الرافض لتلك الضربات، كنت مدركاً لحجم الغضب او العتب على جلالة الملك حسين من دول اوروبية وعربية، اضافة الى الولايات المتحدة الامريكية، فكانت النتجية الهجمة على الأردن ومقاطعته دولياً، الأمر الذي جعل الملك يشعر بالقلق على مستقبل الأردن، فلم يكن لدينا خيارات لأن التأييد الشعبي للملك كان كاسحاً، خاصة ونحن نتفيأ ظلال حركة ديمقراطية تكونت حديثاً بعد انتخابات عام 89، ولذلك يجب ان نراعي المعادلات الدولية والعمل على أسس دقيقة، لذلك طورنا موقفنا بقبول رعاية امريكا للمؤتمر الدولي بشأن المفاوضات مع إسرائيل.
أمام هذه التحديات قررت الاستقالة حتى لا تُجهض العملية الديمقراطية حديثة العهد، ولتجنب الهياج الشعبي وخلخلة داخلية، كما ان الدول الاوربية ستتهمنا بالتراجع في استكمال النهج الديموقراطي وانحرافنا عنه.

هل تؤمن بالحكومات المنتخبة على أساس برلماني؟
اعتقد ان حكومتي كانت برلمانية ، فكانت تضم 15 وزيراً من النواب، لكنها بالطبع تُعين بقرار من الملك، أمّا إذا كنت تعني حكومة بتوافق كتل برلمانية منتخبة، فهذا يحتاج الى أُسس وقواعد صحيحة، أحزاب قوية، وقانون إنتخاب نزيه وعصري، أما اذا كانت الحكومات البرلمانية تُبنى على غير هذه الأسس فأنا لست معها.
هل انت من المطالبين بقانون انتخاب يتوافق عليه الجميع، كونك ترفض قانون الصوت الواحد؟
بالطبع؛ نحتاج الى قانون عصري، يوافق عليه جميع اطياف اللون السياسي والشعبي، ويكون على اساس المشاركة للجميع، اما القانون الحالي فما زلت متحفظاً عليه، كما انني ادعو الى ادارة حقيقية للانتخابات، بعيداً عن التدخلات والتزوير، فنحن احوج ما نكون الى قانون انتخاب يلبي طموحات الجميع.

ما رأيك بالحكومة الحالية، خاصة وأنها تعرضت لبعض الهجمات كنتيجة حتمية لرفع الأسعار وفرض الضرائب؟
ثمــة خلل كبير في الحكومات بشكل عام، وهو عدم القدرة على ضبط الإنفاق، فالدين الخارجي يتضخم بطريقة غير معقولة نتيجة زيادة النفقات، والإنفاق نوعان: مُعلن وغير مُعلن، ما يهمنا النوع الأول المعلن فالخلل فيه مالياً واقتصادياً، لعدم وجود إنفاق رأسمالي يضمن علاقات انتاجية تنعكس على الاقتصاد ايجاباُ، بل أصبح كله نفقات متكررة، الأمر الذي اثر على الاقتصاد الاردني سلباً، وضعف انتاجيته عن السابق، هذا عدا عن الضعف الحاصل في جلب استثمارات جديدة للبلد منذ ما يزيد عن أربع سنوات والعجز في الموازنة لم يتغير بل يزداد.

هل يراقب صندوق النقد أدء الحكومة الاقتصادي؟ وهل ترضخ لضغوطه؟
نعم؛ أمــا ما يقال عن طلبات صندوق النقد الدولي ورضاه او عدمه عن أداء الاقتصاد الأردني، فهذه معادلة ترتبط بحجم العجز بالنسبة للناتج القومي، بحيث يتم تحديده بنسبة معينة، مثلاً: 3 – 4 %، ويترك الصندوق طريقة الوصول إلى هذه النسبة للحكومة لتتخذ ما تراه من إجراءات لتخفيض العجز ولكن بمراقبة من الصندوق ؟؟، ولاعتقاد الحكومات أنها تحقق طلبات الصندوق فانها تلجاً إلى ما يسمى (الجباية) وهي زيادة أسعار الرسوم على السلع وفرض المزيد من الضرائب، وهو ليس حلاً بطبيعة الحال وليس هو العلاج الناجع.

رئيس الوزراء الأسبق عبدالرؤوف الروابدة، وصف الإقتصاد الأردني بأنه في غرفة الإنعاش، فماذا تقول عن اقتصادنا حالياً؟
ما يزال اقتصادنا مريض وعلينا تجرُّع الدواء المُرّ، لذلك صندوق النقد الدولي يتعامل مع إقتصاد الدول، كالمريض الذي يُعطى العلاج حتى يشفى، لكن بإشراف الصندوق. وفي كثير من الاحيان يخطىء الصندوق بالتشخيص وبالتالي قد لا يعطي الدواء الصحيح.

كيف تُقيم تعامل الأردن مع ملف الإرهاب، وخاصة مع ظهور التنظيمات الارهابية، مثل داعش وغيرها؟
ان (داعش) والتطرف الإسلامي خطر حقيقي يهدد الأمة، وهذا الخطر يزداد تهديده يوماً بعد يوم، لذلك لا بد أن نلعب دورا في مقاومة الأرهاب في عقر داره قبل أن يصلنا، بعض الدول العربية الأخرى ليست مهيأة لهذا العمل، حيث تعاني هذه الدول من احتراب طائفي إثني مذهبي. ناهيك عن الخلافات السياسية التي تعصف بليبيا، وسوريا، فالعراق، ثم اليمن الذي استولى عليه التنظيم الحوثي.
الأردن بحكم أنه مؤهل جغرافياً، وعسكرياً بامتلاكه جيشاً قوياً، ملتزماً، ومدرباً، وكذلك الضغوط الدولية، والمخاطر التي تنعكس على أمن الأردن، كل هذه المعطيات تؤكد بأننا يجب أن نكون في المعركة، لكن يجب أن تكون حساباتنا دقيقة في نفس الوقت.

هل تعتقد بأن إسرائيل تمارس ارهاباً في قمعها للمقاومة الفلسطينية وتعنتها في الحل السلمي؟
بالطبع؛علينا أن لا ننسى أننا نواجه ارهابا من نوع آخر وهو الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين وعنجهية اليمين المتطرف الذي يسعى لتهويد فلسطين، وينسف أية تفاهمات حول إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصتمها القدس.

ما رأيك في التقارب الامريكي الايراني؟
اوباما اراد ان ينشيء تحالفاً إقليمياً بين إيران – الولايات المتحدة الامريكية، وبالتالي فهو تغيير جذري في الموقف الامريكي، هو يقترب من الملف الإيراني لصالح الملف السوري، فيما يخص موضوع العراق، وحزب الله، ولبنان، اعتقد بأن تغيير خطته واستراتيجيته تجاه إيران، يُضعف مجلس التعاون الخليجي، فهو يتغاضى عن أهمية دول الخليج، خاصة في موضوع النفط والاستثمارات في هذا المجال، وبالتالي فإن ذلك يؤثر على أمن الخليج، فالمسألة مرتبطة بالمصالح الأمريكية، خاصة وان الجانب الامريكي يضمن بان الاستثمارات النفطية ستعود اليه، وهو لم يعد بحاجة للنفط كما كان في السابق لأن لديه اكتفاء ذاتيا.
الرئيس الامريكي اوباما رأى بأن إيران، أمة عميقة لديها مصادر دخل، وفيها نظام مستقر، ويمكن التعامل معها على أساس أنها قوة إقليمية، تؤدي إلى تفاهمات محددة، أولها: نزع السلاح النووي، وثانيها: ترطيب وتلطيف العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية.

كنتم ضمن رؤساء الحكومات الذين قابلهم الملك، ما تقييمك لمثل هذه اللقاءات؟
لا شك بأن مثل هذه اللقاءات مهمة للغاية، ومقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني وبحث الاوضاع في المنطقة، وتبادل وجهات النظر يفضي لنتائج ايجابية، نحن كرؤساء حكومات نراقب المشهد ونقدم النصح للملك، فكان التركيز دائما على تماسك الجبهة الداخلية باعتبارها أهم شيء يجب الحفاظ عليه، وهذا لن يتأتى الا من خلال وحدة الصف؛ نحن بحاجة ماسة إلى مراجعة، ووضع إستراتيجيات جديدة تنسجم وتتكيف مع الأوضاع التي تشهدها الساحة الداخلية والخارجية؛ لا يتوجب علينا أن نبقى على الفكر القديم، كما ان الأرتهان للهواجس، سواء كانت إقليمية، او أمنية أمر لم يعد موجوداً. علينا وضع قانون انتخاب بدون مخاوف، وان نعمل على قانون ضريبة الدخل بدون محاباة وقلق. تضع الحكومات خطط طويلة الأمد، ورغم ذلك ما زال التراجع في المستوى التعليمي، والمالي، والصحي، وما تزال ملفات الفساد تراوح مكانها، والبرلمان لم يتطور ديمقراطياً، ناهيك أن هيبة الدولة لم تتقدم وبحاجة إلى المزيد من التمكين.

ما رأيك بالإعلام وما وصل اليه، في ظل تدهور الاوضاع المالية للمؤسسات الاعلامية والصحف اليومية؟
يجب أن نثق بأن الإعلام هو السلطة الرابعة، وهو الذي يراقب ويساءل والذي يحاسب السلطة القضائية السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولكن يجب عليه أن يسأل نفسه أيضاً.. بسبب تغيير نمط الحياة أصبح الإعلام يقود المواطن، ويكوّن تفكيره، ورأيه في منطقة يفترض أنها مزدحمة بالإحداث، وحتى يكون الإعلام ذا رسالة صحيحة، يجب أن يرقى إلى المعايير المهنية العالية، هناك صحف جيدة وتحترم قراؤها، وأخرى عكس ذلك.
أما الأوضاع التي آلت إليها الصحف ، فتعود لكثير من الاسباب، منها، اولاً: سوء الإدارة التي قد تضعف الصحيفة بحيث تصبح خارج السرب، ما يجعلها مضطرة للإعتماد على قضايا تبعدها عن مهنيتها، ثانياً: الصحف الورقية لم تنجح في تطوير نفسها، لتتأقلم مع التكنولوجيا (الصحافة الرقمية) في ظل وعي المواطن الذي بات مُشبعاً من الأخبار والتحليلات التي تبث عبر الفضائيات أو المواقع الالكترونية مساء ومواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي فان العودة صباحاً لصحف تنقل ذات الأخبار وبنفس الطريقة، تدفع القراء للعزوف عن الصحيفة الورقية شيئاً فشيئاً وفي ظل غياب جرأة التحليل في أن تكون صدى للصوت الرسمي.
نادينا كثيراً ببيع حصة الحكومة في بعض الصحف اليومية، ووقف التدخل في سياسات الصحف التحريرية، لكن هذا لم يحدث، وبقي التراجع المهني والمالي يعصف بها.

بعد أكثر من أربعة عقود في العمل السياسي والعام، هل نستطيع القول بأنك اعتزلت السياسة؟
أنا في عمق السياسة ولست معتزلاً للعمل العام، ولكن كسياسي يعمل في الحقل العام يكون اهتمامه بكافة الشؤون، وانا بين ناشط ونشيط، ومراقب لما يجري، فوقتي مليء بالعمل العام والإجتماعي، فلذلك أُبقي نفسي دائم التطور ومواكباً للاحداث الداخلية والخارجية، فلدي نهم ديناميكي للأحداث التي تعصف بالمنطقة، منفتح بتداول قضايانا مع جميع الاتجاهات بما يخدم الوطن فلن يتحجر عقلي أو فهمي للأمور، لذلك اعتبر نفسي كمواطن لديه تجربة ويختلط في الناس ويعرف احتياجاتهم.

هل لك خصوم سياسيون؟
لي خصوم، ولكن طريقتي في العمل وفي إبداء الرأي بأسلوب ناعم، حتى أن كثيرا من الناس وصفوني باني soft وهذا لا يمنع من أن لي مواقف مُعلنة وهي مثار خلاف، وأنا لست جامداً لكن ثمة ثوابت أُدافع عنها.
عن الراي.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :