facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




خَمسَة ..


مي ملكاوي
25-04-2008 03:00 AM

- خمسَةٌ لو سمحتِ.

- خمسَة؟؟

أتسائل باستغباء لكأنني لا أعرف أن رسم الطلب هو خمسة دنانير، أو أنني لم أسأل الموظفة على الهاتف قبل حضوري مرتين عن ثمن الطلب. أحاول تفادي صرخة تكاد تخرج من فمي.

أبتسم لموظفة الاستقبال ذات الفم الملطخ بالأحمر القاني، والعينين مشوهتا الملامح بالكحلة السوداء. وأعطيها خمسة دنانير حمراء من النوع المستخدم مئات المرات، والتي تفوح منها رائحة كريهة أتجنب دائماً وصولها الى أنفي وأغسل يدي منها عدة مرات بمجرد وصولي البيت.

*******

- خمسة دنانير من فضلك....

- خمسة؟؟

مرة أخرى، ينتابني شعور الرغبة بالصراخ، وأحاول الابتسام والتغابي، هذه المرة لموظف الاستقبال والذي يبتسم بقوة ليقنعني بالإسراع بانتشال "الخمسة" المهترأة البالية من محفظتي المتشققة الأطراف لأعطيه إياها بنفس قوة ابتسامته، وبنفس الشعور بالبهتان الذي ينتابني. لأغادر المكان المكيف، بنفس الوهن الذي أصابني لدى وصول "الخمسة" الى يدي الموظف.

محطتان، لم أستطع أن أزيد عليهما أكثر، شركتا توظيف فقط، ولم أجازف بالدخول الى مقر شركة توظيف مكيفة أخرى، لأعطي معلوماتي الشخصية كاملة او أملأها على استمارة الطلب وأبتسم للموظف وأخرج الخمسة وأدفع بها بتردد قاتل لتصل ليديه والفرح يلمع في عينيه، لا لم أستطع، ذلك أن المبلغ الذي تبقى معي يومها كان مخصصا لمواصلات مشوار آخر لتقديم طلب في شركة عادية، تجارية في إحدى الأماكن الفخمة (لعل وعسى)، على الأقل هذه الشركات لا تكلفني سوى مشوار الطريق، وثمن طباعة السيرة الذاتية والصور الشخصية أحياناً، لكن ليس خمسة دنانير على الأقل.

********

- خمسة دنانير...

ابتسامة موظفة الاستقبال فظة هذه المرة، لم أستطع التغابي، فلم أكن أعرف أن "الخمسة" ستكلفني بالإضافة الى الوَهَن والبَهَتان، فضاضة وجلافة أيضاً هذه المرة. أسلمها "الخمسة" بيد مرتجفة مترددة، وابتسامة صفراء على وجنتي. وأرقب مكان وضعها للخمس دنانير بفضول حزين.

جل ما كنت أريدة وظيفة ما، جيدة، محترمة، وبراتب معقول ربما. حاولت أن أوصل أفكاري الممتدة كامتداد السماء الى مخ هذه الموظفة الكئيبة، دونما حديث لكأني أريدها أن تقرأ أفكاري، فقد تحنّ علي، فتوصل طلبي الى يد مديرها ليجد لي وظيفة ما، بدلاً من رمية في الدرج أو في خزانة الأرشيف كما هو متوقع.

أغادر الشركة عازمة هذه المرة أنها ستكون الأخيرة، لن أصرف "خمسات" أخرى على مثل هذه الشركات النصّابة بعد الآن، أصلاً مصير الطلب معروف ولن يوفروا لي أية وظيفة حقيقية.

********

أرفع السماعة في لحظة خيبة وإحباط وملل، لقد مرت أشهر ولم تتصل بي أي من تلك الشركات، أطلب إحداها، أحاول الوصول للمدير، ترد علي فتاة، أتعلل برغبتي بمعرفة بعض المعلومات عن الشركة وأطلب المسؤول، تصلني به، أطلب منه تعليلاً ما، لعدم الاتصال بي أو توفير أي فرصة عمل حتى الآن ولا حتى وظيفة واحدة ولو غير مناسبة، يبدأ بحديثة شارحا الوضع في البلاد، الوضع الاقتصادي والغلاء وقلة الوظائف، يشرح لي أشياء لا علاقة لها بأسئلتي، يتعذّر بوجود الأعداد الهائلة التي يوفر لها عملاً من خلال مكتبه، أسهو عن حديثة لأعود للشعور بالوهن، أنسى الكلام وأشعر بالغثيان، بالدوار، أسمعه على الخط يرفع صوته... أعداد المهندسين وصل الألف، الأطباء والممرضين، المعلمات والمعلمين والتخصصات الأخرى لا عمل لها، الشركات لا تتعاون أبداً.. أكتئب، أتماهى، أحس بالدوار يأكل ما تبقى من وعيي بمحيطي، أغلق الخط وهو ما يزال يصرخ، ويندد...

أرمي بالهاتف بلا انتباه، أفتح محفظتي المهترأة، الفارغة... إلا من وصولات مدفوعة.

"خمسة دنانير فقط لا غير"... بخطوط مختلفة، خطوط متعرجة....

"خمسة دنانير... بَدَل خدمات كاذبة"

"مكتب توظيف القدرات الإنسانية الخائبة الظنون..."

"مكتب المستقبل المبهم للوظائف الوهمية.."

"مكتب إدفع خمسة وخذ بمقدارها أحلاماً للعمر القادم.."، أحلاماً للأحلام الحالمة...وآمالاً صدأت من طول الآمال.

أعود للشعور بالغثيان، بالوَهَن والبَهَتان... أرمي بالوصولات، وأرمي بنفسي فوق الأرض... وأنتحب.
عن مدونة الزميلة مي ملكاوي.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :