facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الدولة المدنيّة والحركة الإسلاميّة (2)


د. محمود عبابنة
17-10-2016 12:18 PM

كنّا تحدّثنا عمّا عزّز تفاؤلنا حول عزم الحركة الإسلاميّة بتبني مفهوم الدولة المدنيّة التي تلقى رواجاً وجدالاً متصاعداً لدى النّخب الفكريّة والسياسيّة، وربّما بتوافقٍ على مكنون عناصرها دون أن تُعادي الدّين كما يعتقد مناوؤها وبصورةٍ لا تخلّ بجوهر مفهوم الدّولة المدنيّة.

وفي هذا المجال يمكن إيجاد مقاربة بين التّأصيل التاريخيّ للدّولة المدنيّة في ظل الهوية الإسلاميّة التي هي قدرنا ولا مناص من التفيوء في ظلالها وتجديد خطابها بالرّجوع إلى الومضات المضيئة حول مفهوم العدالة والمُساواة واشتقاق التّشريعات الطارئة استجابةً للمُستجدات اليوميّة في ظل ناموس يقرّر حقائق كليّةً تربط الإنسان بربّه ومُعتقده.

يقول ول ديورانت في كتابه قصة الحضارة :"إنّ مراحل تطوّر القانون في الدولة المدنيّة هي تعهّد الرئيس أو الدولة بأن تحول دون الاعتداء، وأن تُنزل العقاب بالمعتدي، وبهذا لم يعد الرئيس أو الحاكم قاضياً بل أصبح إلى جانب ذلك مشرّعاً يسن القوانين". ويضيف جان جاك روسو بحديثه عن أفضل قواعد المجتمع التي يجب أن تتلاءم مع طبيعة الأمم ضرورة توفر العقل المُختار. وهذا يستوجب تشريعات تسد الحاجة وتُلبي المُستجد، وهو من سمات الدولة المدنيّة ومالها من سلطة في الدخول بالتفصيلات التشريعيّة المتوائمة وذات البصيرة النّافذة المستندة إلى النواميس الكلية الثابتة على أن لا يقود ذلك إلى دولة دينيّة ثيوقراطيّة بل إلى دولة مدنيّة دستورية يتم فيها تشريع القوانين والأنظمة والتّعليمات وفقاً لمرجعيةٍ قيميّةٍ تضبط مسيرتها وخريطتها السياسية، وبالتّالي فإنّ المرجعية الإسلاميّة كهوية لا تشكّل عائقا أمام مدنيّة الدولة بل تبقيها في الإطار المدنيّ.

إنّ خير ما يصور ذلك قيام الرسول صلى الله عليه وسلم بكتابة وإصدار "صحيفة المدينة" أو الميثاق أو الدستور الأول لدولة المدينة المنورة الذي تضمن وضع نظام للمؤاخاة بين المُهاجرين والأنصار بجزئه الأول، وهذا يشير إلى أن الأساس السّليم في الحاكمية الرّشيدة التي تقوم على توحيد المجتمع لا على تقطيع أواصره ليبدأ بناء الفريق الواحد الملتقي حول الفكرة بخلاف الأنظمة السياسيّة الفاسدة التي تسعى لتمزيق الشّعوب. كما تضمّنت الصحيفة فصلاً ثانياً لتنظيم العلاقة بين أفراد المُجتمع بالدّولة الإسلاميّة من خلال تنظيم علاقة المسلمين واليهود وأحكام التّحالف معهم. ويعتبر هذا الكتاب أو المنشور أو ما يطلق عليه "الصحيفة" أول دستور مدني للدولة المدينة الإسلامية والمتمعن بصياغته يستظهر أن فقراته لم تكن مكتوبةً على شكل آيات، لأنّ الرّسول أعلنها استناداً لسلطته السياسيّة، وأنّه اتخذ ما جاء فيها بعد مشاورته مع أصحابه التي كانت سنةً مسنونةً في الحروب والغزوات.

وبالنّظر إلى مضمون الصحيفة فقد افتتحت بعبارة "هذا الكتاب من محمد (النّبي) بين المؤمنين والمسلمين، من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم".

كما وجاء في الصحيفة "أنّهم أمة واحدة من دون النّاس" ومن هذه العبارات يتبيّن بأنّ الرسول لا يخاطب فئةً معينةً من المسلمين بل يخاطب- بقاعدة عامة ومجرّدة - الأمّة التي يتساوى أفرادها في السّلم والحرب ولا يستأثر أحدهم بالقرار، وأنّ حقوق أعلاهم لا تزيد على حقوق أدناهم وإنّ مسؤولية الأمّة متكافلة تجاه أيّ منهم. كما وقد انتقل الرّسول الكريم عليه السّلام بصحيفته من هيمنة الانتماء القبليّ أو الأفخاذ إلى الانتماء للجماعة والفكرة لا للدّم فقط "وإنّ المؤمنين لا يتركون مغرماً بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل".

أمّا الأمن المُجتمعيّ فإنّه لا حصانة لأحدٍ¬, وأن مجموع أفراد الأمة من المؤمنين- عليهم حتى ولو كانوا أقارب المعتدي- أن يحاسبوه ويقدموه إلى العدالة. كما أن مفهوم الثأر من أعداء المسلمين لم يترك للأخ لأخيه بل على المؤمن للمؤمن "أن المؤمنين يبىء بعضهم عن بعض بما نال دماءهم في سبيل الله". بمعنى روح المؤمن أيّاً كانت ديانته أمانة لدى الأمة وليس لدى عائلة المقتول أو المعتدي عليه، وممّا لا شك فيه أن هذه القواعد كانت ترمي إلى فرض السّلم الإلهيّ بين افراد المجتمع والتّخلي عن عادة الثأر واستبدالها بالعقوبة من سلطة مركزية تقرها الأمة بناء على مبدأ إنّ المسؤولية الجزائيّة هي مسؤولية شخصيّة، وهو ما تقوم عليه الدساتير الحديثة في أبوابها المتعلقة بفرض القانون على المخالفين اتجاه أيّ فردٍ من أفراد الأمّة بغض النّظر عن دينه وعرقه.

أما القسم الثاني من دستور المدينة فقد اختص بالمحالفة مع اليهود كأحد المكونات الاجتماعية في دولة المدينة واخذ التحالف معهم الطابع العسكري لفرض الدفاع عن دولة الأمة كما تعرض لحرية المعتقد والعبادات والتعاون دون الإثم والاعتداء، وحذر من المخالفة لدستور المدينة وأفسح المجال للرأي والمشورة والتناصح بين أفراد الأمة فقد جاء بالصحيفة : "وان بينهم النصر على من دهم يثرب " وان بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وان بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم.
إن المتفحّص لهذه النّصوص التي وردت بالصحيفة تشير إلى أنها موجهه إلى كيان امة وليس قبيلة أو طائفة دينيه, بل إن مفهوم المواطنة هو الذي تبلور من خلال اعطاء الحقوق لجميع مواطني دولة المدينة من مسلمين او غيرهم من أهل الكتاب للدفاع عن مدينتهم و من واجب كل منهم ان يحمي الاخر و مسؤوليتهم تضامنيه في ذلك ، وقد تضمنت الصحيفة بعض الحقوق والواجبات والمرجعية لحل الخلافات المتعلقة بأمن الدولة بعناصرها الاثنية المختلفة . ومن هنا نرى انه بالإضافة للجانب الديني للزعامة ، فقد كان هناك جانب سياسي زماني. مارسه الرسول عليه السلام في ادارته للدولة وكذلك فعل ابو بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما في قضية وقف صرف اموال الدولة للمؤلفة قلوبهم وكان ذلك عدولا عن سنة استنها الرسول, كما لا ننسى ما قام به الفاروق عندما اوقف حد السرقة في عام الرمادة و عندما تفشى القحط.
في خضم التّطور الذي توازى مع السياقات التاريخيّة أيضاً هو ترك آلية تنصيب الحاكم إلى الاجتهاد الوضعيّ المستند إلى القاعدة العامة "التّشاور وحق الاختيار" فقد توفي الرّسول عليه السّلام ولم يوصِ لمن بعده، ممّا أدّى بالمسلمين إلى التّداول لتعيين الخليفة وبعكس ما تم تلقين طلبة المدارس به, قد غلبت المحاججة السياسيّة على الشّورى في سقيفة ابن ساعدة. وبهذا فإنّ الدولة الإسلاميّة قامت على المناظرة السياسيّة بين فئة المهاجرين أو قريش من جهة وفئة الأوس والخزرج منم جهة اخرى ، وتطوّر الأمر من المناظرة السياسيّة إلى طريقة كتابة العهد حيث استخلف أبو بكر عمر بن الخطاب أثناء خلافته، ثم انتقلت هذه الآلية إلى التّعيين من قبل لجنة عندما اختار امير المؤمنين عمر ستة من زعماء الصّحابة لاختيار الخليفة وربّما لو استمر استقرار الدولة الاسلامية لوصلنا إلى ما يشبه الاستفتاء او الانتخاب، وبالتّالي فليس من السّديد تبني نظاماً شموليّاً بعمومياته وتفصيلاته، فالحكمة تقتضي ترك المجال للأمّة أن تضع التّفصيلات بما يتناسب والسّياق التاريخيّ والواقع الاجتماعيّ المُتجدّد، ولا بأس ان نتكئ على حديث رسول الله عليه السّلام "إنّ الله ليبعث بهذه الأمّة رأس كلّ مائة سنة من يجدّد لها أمر دينها" ان المغزى مما سبق هو عدم تقييد الأجيال المُقبلة بشكليات و تّفصيلات تكرست في زمن غابر ولم تعد تنسجم مع الواقع المعاصر.
وعليه فان الدولة المدينة¬ دولة سيادة القانون والمؤسسات وبمكنون اهدافها التي ترمي الى ملائمة التشريعات المعاصرة مع الواقع المعاش و الهادفة الى تحقيق العدالة والمساواة والديموقراطية على قاعدة ضمان حق المواطنة للجميع لا تخالف العموميات ولا الهوية الاسلامية. تونس قد تكون افضل نموذج ينمو ويتطور لهذه المقاربة في عالمنا العربي.





  • 1 معاويه ملحم 17-10-2016 | 12:42 PM

    مقال يستحق القراءة وإعتماداً مرجعاً لكثير من النقاط الجدلية المعاضرة.


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :