في كل رحلة أكثر ما قد تبحث عنه هو اكتشاف المدن . المسافر عادة فضولي غير مطمئين ، لربما هو تعبير نفسي عن رغبة غامضة في الولوج بالمجاهيل . في كل رحلة سفر أسأل نفسي و انا بانتظار الطائرة و التكسي و الميترو ، ما هو سبب وجودي هنا ، وانا واقف انتظر في مطار الملكة علياء الدولي الفخم و الزاهي مررت بصور لمشاهد لرجال الامن الدمثين و الاذكياء في وجوههم مرسومة صور لصقور متيقظة وحذرة.

في مطار الملكة علياء صور اجرائية تبعث على تعالي بالاطمئنان والدهشة.

أكثر ما قد يبحث عنه المسافر هو الضياع في المدن . جنون و ضياع الترحال و التنقل ، و ليس ثمة اجمل من التيه في مدن غريبة . تدوخ و تتحوط بخرائط افتراضية من الذاكرة لعلها تعينك على اكتشاف المكان ، هي اسلحة المسافر يستعين بها في بحر من المتاهات .

**

في رحلتي الاخيرة زرت بيروت وجونيا ، اللبناني شخصية لطيفة و ظريفة . تعرف بعبقرية كيف تستوعب "الاخر " . بلد تعيش في امن و سكينة رغم انها على تقف على شفير حرب اهلية في جوارها السوري . امن و استقرار لبنان ربما يبعث على تساؤلات تجد اجابتها في كلمتي سر يبحث بها اللبنانيون تاريخيا عن توافقاتهم و تسوياتهم الوطنية : " الكازينو و صوت فيروز " و كلاهما مشترك عام من الصعب العبث به او التطاول عليه مهما اشتدت دورب الازمات و الصراعات .

**

في رحلة بيروت وجونيا اكتشفت شخصية" أم سمير " صاحبة اعرق محل لبيع المنقوشة اللبنانية في جونيا . التقيت بها صدفة و اكتشفت مكانها بالصدفة ايضا . و قالت لي بصوتها المحشور بالتعب و ضنك الحياة حكايا كثيرة عن اردنيين يعبرون الى لبنان .

كنت اتابع المرأة وهي صورة مستنسخة للمرأة الاردنية و المصرية و السورية الكادحة و المثابرة و المناضلة في مواجهة قسوة الحياة و صعوبتها . تفننها في اعداد المنقوشة اللبنانية جعلها سفيرة للبنان في العالم بدون أن تسافر ، في محلها المتواضع و البسيط في جونيا يمتليء المكان بمئات من العرب والاجانب زوار جونيا الذين يقصدونها لتناول المنقوشة .

"لا احد في لبنان بعلم منقوشة زي أم سمير " عبارة يتكرر سماعها في لبنان مجرد أن تمتطي تكسي المطار ، و هي عبارة تفجر في مشاعرك رغبة في البحث عن مناقيش "ام سمير " . ولربما أن من يزور لبنان ولم يأكل من مناقيش ام سمير ، فكأنه لم يزور الكازينو و لم يسمع صوت فيروز ولم يأكل السمك في مطعم مانيويلا . "ام سمير " متلازمة تلتصق بعفوية بهوية لبنان السياحية .