سوف يعقد الْيَوْمَ مؤتمر جنيف ٨ لمناقشة الأزمة السورية ومحاولة إيجاد حل لها. وقبل ايّام عُقد اجتماع موسع لفصائل المعارضات السورية في مدينة الرياض وبعد فترة من المتوقع ان يعقد مؤتمر في مدينة سوتشي الروسية لهذه الغاية كما سيعقد مؤتمر استانا السابع وقبل ان اتحدث عن هذا المؤتمرات واحتماليه تحقيق المعارضات السورية لأية اختراقات لصالحها فلا بد من إلقاء نظره على الأزمات التي عاشتها وتعيشها هذه المعارضات .
واستعمالي لكلمة المعارضات السورية هي انعكاس للأزمات التي تعاني منها هذه المعارضات ومنذ بداية ظهورها وتشكلها اثر حركة الاحتجاجات التي اندلعت في سورية على اثر قيام مدير مخابرات مدينة درعا العميد عاطف نجيب وبتاريخ التاسع من آذار عام ٢٠١١ باعتقال مجموعة من أطفال المدينة ممن تتراوح أعمارهم ما بين ثماني سنوات واحد عشر سنه لقيامهم وبحركة صبيانية بتقليد ما كان يحصل في دول الربيع العربي بكتابه بعض شعارات هذا الربيع على أسوار بيوت المدنية حيث قام بممارسه أشد انواع التعذيب عليهم مثل حرق اجسادهم بالنار وخلع أظافرهم . وعندما ذهب ذويهم لمقابلته والاحتجاج على ذلك قام بإذلالهم. وبعدها انطلقت مظاهرات احتجاج على هذا التصرف انطلقت أولاها من الجامع الأموي في دمشق بتاريخ الخامس عشر من نفس الشهر لتمتد حركه الاحتجاجات الى مختلف المدن السورية وقد تم قمعها بشده ثم تطور الامر الى وقوع حرب اهليه لن اتحدث عن تفاصيلها ولكن كان من مظاهرها ظهور الكثير من التنظيمات المسلحة في سورية بعضها كان انشقاقات عن الجيش السوري وبعضها كان انبثاق عن بعض المكونات السياسة أو الدينية في سوريا وأغلبها نتيجة التدخل الاستخباراتي للعديد من الدول في الشأن السوري. بالإضافة لظهور التنظيمات الإرهابية فيها .
ورغم مرور سنوات ست على انطلاق احداث سورية ورغم شده القتال والمعارك التي جرت ما بين قوى المعارضة والنظام ورغم الأموال التي اهدرت على هذا التنظيمات وتزويدها بأحدث الأسلحة. ورغم سيطرة هذه التنظيمات على القسم الأكبر من سورية في البداية ، الا ان هذه المعارضات لم تستطع بناء كيان سياسي وعسكري خاص بها لتعدد مكوناتها الدينية والمذهبية والأثنية وتنوع خلفياتها الفكرية والسياسية والطبقية وتعداد ارتباطاتها وتبعياتها الخارجية . كما فشلت هذه التنظيمات في انتاج صيغه سياسيه تعبر عنها أو انتاج كيان سياسي يمثلها مما جعل كياناتها تخشى كل واحده من الأخرى أو ان يتم استبدالها بكيان سياسي بديلاً عنها .
فقد ظهر في البداية المجلس الوطني السوري الذي أعلن عن ولادته في الثاني من تشرين الاول عام ٢٠١١ في مدينة اسطنبول وقد تشكل من عده جماعات سورية ابرزها الاخوان المسلمين . وقد ترأس هذا المجلس برهان غليون وحصل على الاعتراف الدولي به الا ان خلافات حصلت في داخله حول استمرار غليون بالرئاسة وخاصة بعد ان تم التجديد له ثلاث مرات. لذا قدم استقالته وتم انتخاب عبد الباسط سيدا مكانه بتاريخ التاسع من حزيران ٢٠١٢ ثم خلفه بهذا المنصب جورج صبرا .
وفِي شهر كانون الثاني عام ٢٠١٢ تم تشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية في اجتماع عقد بالدوحة وعين معاذ الخطيب امام المسجد الأموي السابق رئيساً له. وحصل هذا الائتلاف على اعتراف ودعم الدول الخليجية ثم معظم الدول العربية . و يتلقى هذا الائتلاف دعماً من تركيا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وحلف شمال الأطلسي .
ثم تعرض الائتلاف المذكور لمجموعة من الهزات والتغيرات في رئاسة حيث تعاقب عليها جورج صبرا واحمد الجربا وهادي البحرة وخالد خوجه وأنس العبده ورياض سيف . وكان من الهزات التي تعرض لها هذا الائتلاف هو انسحاب الاخوان المسلمين منه على أثر توجيه رئيسه في ذلك الوقت احمد الجربا رسالة تهنئة لعبد الفتاح السيسي بعد فوزه في انتخابات الرئاسة المصرية .
وفِي كانون الاول من عام ٢٠١٥ اثناء انعقاد مؤتمر المعارضة السورية في الرياض تم تشكيل الهيئة العليا للمفاوضات والتي مهمتها الأشراف على العملية التفاوضية مع النظام ضمن مسارات ترعاها الامم المتحدة وقد تولى رياض حجاب رئيس الوزراء السوري المنشق عن النظام منصب المنسق العام لهذه الهيئة والتي شكلت من اثنان وثلاثون عضواً . وقد قامت هذه الهيئة بتشكيل الوفد السوري لمفاوضات جنيف الا ان هذ الوفد كان يتم تغير أعضائه باستمرار وحسب الصراعات والتحالفات بين المكونات السورية المختلفة .كما تم فتح مسار تفاوضي آخر هو مسار مباحثات أستانا والذي كان يمثل التنظيمات العسكرية المسلحة دون ارتباط بهيئة المفاوضات .
وقبل انعقاد مؤتمر الرياض الثاني والذي تم بتاريخ الثاني والعشرين من تشرين الثاني عام ٢٠١٧ قدم رياض حجاب وأحد عشر عضواً من أعضاء الهيئة استقالاتهم على خلفيه خفض المستوى التفاوضي على المستوى الدولي وحصره بالمرحلة الحالية على الانتخابات والإصلاح الدستوري وتجاوز مسألة الانتقال السياسي و دور الأسد في المرحلة الانتقالية بناءً على طلب دول عربيه ومجموعة أصدقاء سورية . وما صرح به المبعوث الدولي استيقان ميستورا على قصر المرحلة الثامنة من مباحثات جنيف على هاتين النقطتين من غير شروط مسابقه من كلا الطرفين وذلك حسب ما أعلن عنه عضو الهيئة صالح خوجه . ونتيجة لاستقالة حجاب فقد تم انتخاب نصر الحريري كمنسق عام للهيئة
كما شهد عام ٢٠١٤ ظهور ما يسمي منصة القاهرة ومنصة موسكو ليمثلا اطيافاً أخرى من المعارضة السورية وان كانت أطراف المعارضة الأخرى ترى بهما إنهما يحابيان روسيا والنظام وان لهما أولويات وتوجهات تتناقض مع هيئه المفاوضات التي يشكل ائتلاف المعارضة عمودها الفقري . ويقف على رأس منصة القاهرة جهاد المقدسي الدبلوماسي السوري المنشق والذي يعتبر الناطق الرسمي باسم منصة القاهرة وكذلك الفنان السوري جمال سليمان. وتنادي هذه المنصة بحل الأزمة السورية عن طريق التفاوض حتى لو كانت النتيجة بقاء بشار الأسد في المرحلة الحالية . اما منصة موسكو فيقف على رأسها قدري جميل وهو شيوعي سابق وأمين عام حزب الإرادة الشعبية السوري وشغل منصب وزير التجارة سابقاً في سورية ثم أصبح من معارضه الداخل وعضواً في جبهة التغيير والتحرير. ثم غادر سورية ليمارس معارضته من الخارج حيث استقر به المقام في موسكو ومع منصتها . وهذه المنصة تطالب بأحداث إصلاحات في سورية دون اشتراط مغادره الأسد . وقد كان لكل من المنصتين ممثل واحد في مؤتمر جنيف ٤ تم زاد هذا التمثيل الى ثلاثة. وفِي مؤتمر الرياض الأخير اصبح لهما ثمانية مقاعد مناصفه بينهما أي ربع عدد أعضاء الهيئة وان يكون جمال سليمان من مساعدي رئيسها .
وهذا يدل على مدى هشاشه وضعف المعارضة السياسية ومدى انقسامها وتبعيتها للجهات الخارجية .
هذا على المستوى السياسي اما على المستوى العسكري فقد كانت الأمور اكثر كارثية
فقد نشأت على الساحة مئات التنظيمات المسلحة بعضها نتيجة انشقاقات عن الجيش وبعضها امتداداً لمكونات داخلية اسلامية وغيرها وبعضها من صنع قوى خارجية وبعضها تم تشكيله على أسس مذهبية واثنية وبعضها قام على فكر ارهابي مثل داعش النصرة . وكانت جميع هذه القوي تخضع لسيطرة و إشراف قوى خارجيه تتحكم بها وبتحركاتها ومواقفها من خلال اعتمادها عليها في التمويل والتسليح . وقد كانت هذه التنظيمات تتقاتل فيما بينها وربما اكثر مما كانت تقاتل قوات النظام . وكانت التحالفات بينها تختلف من يوم الى يوم وأي خلاف كان يحل عن طريق استخدام السلاح . كانت بعض التنظيمات تقاتل التنظيمات الإرهابية وفِي الْيَوْمَ التالي تتحالف معها لمحاربه من كان يقف معها في نفس الخندق . وكان كل تنظيم او مجموعة تنظيمات يعتبر انه هو الذي يمثل الثورة السورية . حتى وصل مستوى القتال بينها الى مستوى محاوله نهب السلاح والرجال والأرض من التنظيمات الأخرى تماماً مثل غزوات الجاهلية ، مما أدى الى إضعاف هذه القوى وسقوط مواقعها بأيدي النظام واحده تلو الأخرى .
كما ان هذه الكيانات العسكرية رفضت الانطواء تحت رأيه المعارضة السياسية وفضلت ان تكون مستقلة عنها وخاصة في مواردها المالية والتسليحية عن طريق الارتباط المباشر بالقوى الخارجية الممولة لها مما ساعد في خضوعها لسيطرتها وخدمة أهدافها ومما أدى الى إضعاف مصداقيتها وقوتها .
كما ان هذه التنظيمات كانت تنتقل من الخطاب الديني الى السياسي الى المذهبي والطائفي والتكفيري . كما ان هذه التنظيمات وعندما كانت تسيطر على منطقه معينه كانت تتحول الى سلطة قمعية وسلطة جبايه وفشلت في توفير الأمن والامان للمدنيين في مناطقها ان لم تستعملهم كدروع بشريه مما جعلهم يبحثون عن الأمن والامان بالانتقال في هجرات داخليه وخارجيه وحتى الى أماكن سيطرته النظام .
ولكون أمور هذ التنظيمات كانت بيد القوى الخارجية فقد كانت ضحية تغيير تحالفات هذه القوى وترتيباتها مما أدى الى كشف الغطاء الأمني عن الكثير من مناطقها ووقوعها في أيدي قوات النظام وانحسار نفوذها ومناطق تواجدها بحيث أصبحت اقل من عشرون في المائة من مساحه سورية وفي جزر متقطعة ويشاطرها بهذه السيطرة تنظيم النصرة الإرهابي .
وفِي ظل هذا الضعف والانحسار والانقسام التي أصبحت تعيش فيها الثورة السورية فقد كان عليها ان تواجه استحقاقات اربعة وهي اجتماع الرياض الثاني الذي تم عقده وجنيف الثامن المعقود حاليا وأستانا السابع وسوتشي الاول اللذان لم يحدد موعد ثابت لهما بعد. فهل أعدت المعارضة عدتها لهذه المؤتمرات وهل هي تملك إمكانية التعامل مع مثل هذا الحدث ؟ هذا سيكون موضوع حديث آخر .