facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




طوبى للغرباء أيتها الروح


د. عائشة الخواجا الرازم
07-04-2018 02:30 AM

كلما حاولنا التعرف على أصل صديق أو زميل أو أي إنسان في مجتمعنا ، وكلما حاولنا الخوض والسباحة في أصل وفصل ذاك الإنسان ، نعثر على غربة في تلويحات يديه للتعبير عن تجذره ، لدرجة أنه يبدأ التأويل والتأتأة والبحث الفوري عن قشة يتعلق بها للإجابة ، حيث يفاجأ بالسؤال ولا يدري من أين يبدأ !!
ودائماً نعثر على ملامح مشرئبة بالرفعة والارتفاع والعزة !! وفي كل مناسبة يحدث هذا التظاهر
المعرفي والمتطفل من طرفنا تجاه غيرنا ، ننسى أنفسنا بأننا أول الغرباء وآخرهم!!!

وأن السائل ليس بحجم المسؤول عن هذا الأمر الحساس !! فننزع إلى الإحراج بسؤالنا المباغت:
من أين الأخ ؟ ومن أين أنت ؟ ومن أي بلد تحدرت ؟ وكثير من المستهدفين بهذا الإحراج ينفخون أنفاسهم خارج صدورهم ، ويستعدون للتهويل والمباغتة وكأن على رؤوسهم الطيور الناعقة ، أو كأنهم برغم عدم توقعهم للسؤال يتمنونه للتوضيح والمكابرة وإغلاق فجوة في أصولهم !!!

فلا نشفق عليهم وعلى أنفسنا المتطفلة !!! ونفاجأ بالذين نحرجهم بالأسئلة المنشئية تلك ،بأن يحدث الفوران الذاتي والأصلي والعرقي والطائفي والإثني والاجتماعي ، ويتطور إلى مغزى الرد ، بأنه محاولة للترفع من قبلنا رغم أنف الكون وما فيه من أصول !! ومع الأسف نتبادل الكبر والأنانية مع بعضنا البعض ونكون شخصين مترفعين عن بعضهما البعض من حيث ندري ولا ندري !!! فكم أشعر بالجرح حينما يخطر في بالي أن أسأل شخصا جديدا في مسيرتي من أين أنت ؟ وأتلبد لنفسي مؤنبة حتى تبدأ الروح تتأنى بالتساوي ويروح كل منا في طريق الطوب الرطب هناك ! فكثير من التساؤلات عن منشأ الناس تؤلمني وتستودعني عبارة كلنا غرباء يا عائشة ! وأنا لا أقصد الأسئلة الرسمية التي تستهدف العمل على الموطن وأصل المنشأ للبني آدم ، بل أقصد نحن بيننا وبين بعضنا البعض كبشر لا نختلف بغربتنا عن بعضنا ، وكلنا سواء في الغربة والهم والبكاء !!

والأغرب والأدهى أننا في أغلب الأحيان لا نعثر على إنسان منبثق كالشجرة الصافية من الأرض التي يطأها ويعيش عليها ، وهو ليس قادماً أيضاً من الفضاء ، وليس قادماً من الأجواء الصافية ابداً !!! فالكل في فلك الاغتراب !

ولهذا يشعر الواحد من المتطفلين أمثالنا بالتكبر حين يجابه غريباً يتلعثم بالإجابة !! وكان قد رحل عن موطنه وأرضه وهام بحثا عن نبض أرض هي الله... ( مع أنني أميل إلى أن لا موطن أصليا لجنس أو طير أومخلوق سوى التراب فقط ) والتراب هو صاحب الحق بالمواطنة وهو الأرض التي يدب عليها الإنسان ، والإنسان غريب لا محالة !!

إذن فالغربة هي ديدن البشرية... ولا أدري لماذا دائما يتملكني شعور بالنقص الوافر حينما أتأهب لسؤال شخص أمامي عن أصله وفصله فأتراجع نتيجة خبرات أودت بشكيمة صراحتي بأنني مولودة في مخيم للاجئين الأغنياء أرضا وسماء وحضارة إنسانية وكونية ! ولذلك أرفض التدخل في عظام الناس فنتيجة كل استفسار مفاده ( من وين باالله حضرتك ) تتكون لدينا فرحة الشماتة أو السعادة أو القناعة بأننا لا نصدقه مهما أول وافتعل ،وبأنه ليس إلا غريباً مثلنا تماماً ،و مما يزيد الأمر فقاعات ممزوجة بالرضا أننا نعثر على غرباء في الأرض يجوسون الحياة رغماً عن أنفها مثلنا !! متلفعين بالغطاء الأصلي والفصلي ، ومتنطعين لعشيرة الجذور ، وبأنهم أصحاب جذور ممتدة وضاربة في التاريخ ، ويصل الأمر ويا للهول أن يبرهن الشخص الأكثر غربة ، بأنه يمتلك في بيته شجرة الأسرة أو العائلة العالقة والعشيرة !!

وأعقد أنه بهذا يزيد الطين بلة ، فهو يؤكد بذلك افتراق القول عن الأصل، وأنه يريد إثبات ما انقطع وما انعدم عبر دماء سالت وبيوت مالت عبر العصور!! لقد خرجت بنتيجة عملية عجيبة وليس على االله شيء عجيب ، بأن الأناس المجاهدين لإثبات أصولهم وفصولهم وجذورهم في الأرض التي يعتاشون عليها ، هم غرباء ، ونتاج عذابات إنسانية سائلة على التراب بلا ثمن ، وبأنهم نتاج ويلات ليس لهم

فيها ذنوب إلا ما حملوا عن آبائهم وأجدادهم المهووسين بالغربة والبلاء !!

فمنذ انبثاق فجر التاريخ وحتى هذه الأيام العصيبة ، لا يعترف الإنسان الطريد بأنه نتاج الطرد والإفراز الدامي، ويتباهى ويكابر حتى في عظمه بأنه تجذر وولد وأجداده بنوا وعمروا وابتنوا ، وبأنه حفيد الشيخ الفلاني ، والسيد الفلاني ، وفجأة يصمت ويهيم دامعاً ، ويردف معبراً: ولكن حين جاء الشيخ الفلاني ، إلى هذه الديار كان طريداً ولاجئاً ، ويحمل بضاعته او أكياسه الخاوية ، ودمه مهدور ، وأولاده في شوال البكاء ، واعتمر خيمة في الظل ، وتخفى وغير اسمه ولون بشرته حتى لا يعرفه ربعه ، ولجأ دخيلاُ عل العشيرة العلانية وأصبح من أهلها بعد أن غطاه الشيخ فلان بعباءة العشيرة وشرب لبنها ورضع حليبها !!!

نعم.... كل يوم نكتشف أننا كلنا غرباء ، وليس فينا من إنسان موطنه بقعة أرض خاصة ، وأن الأرض ملك الله والموئل الأرضي للبشر أجمعين ، وكلنا نسعى في أرض االله الواسعة ونضرب في الأرض ، ونحن نؤمن بأن االله سبحانه أورث الأرض للبشرية ، سواءً بخيمة أو جحر أو مغارة أو هواء أو ظل شجرة !! وما الأصول إلا واحدة لأولاد آدم وحواء لو أسعفتنا الروح وخدمت الذاكرة ، ويا للهول كم من غربة تسكننا ونحن نفتري على إخوتنا في الأرض بأنهم لا أصل لهم ولا فصل !!

أدرك كل لحظة بأن الغربة تنخر أجساد الأمم ، والرائع في فهمي وفهم غيري من الحزانى أن الغربة لا تنخر الأرواح، ابداً فالأرواح ملك الله !! وهي من نسيج االله الخاص الأثيري ، وهي التي تمنع الإنسان من النواح الصريح ، والبكاء الصداح أمام الخلق ، بأن فلاناً غريب ، وتمنحه القدرة على التمترس في الأرض والادعاء بأنه متجذر متخصب في البقعة الأرضية وله أجداد وآباء عاشوا ونبتوا من الأرض ، والروح سر القوة التي يتعملق الإنسان فوقها ، فطوبى للروح كم هي عظيمة تستمد عظمتها من عظمة االله الأقوى من كل الضعفاء الباحثين عن الأصول والفصول لمبدأ التفرقة !! من مبدأ أن الأرض صادقة فيما أعطت وأن الإنسان ليس غريباً عن أية بقعة فيها !! ولكن الجسد غير من الهطول المزمجر للروح فهو يصرخ بالجسد ، لا تغترب أيها الإنسان ، فالروح لها كل الأمكنة !! ولكننا غرباء مهما هدأت الأرواح !!! مع أنني أتجاوز وتدمع عيني سرا على غربة الناس الذين يبررون تمسكهم بوهم الأصول ويقنعونك بكيف لا نصطنع المنشأ والمولد في موقع مستقر العشيرة والجذور وأجسادنا تحتاج للموئل
والماء والكلأ والحماية وأمان القبيلة ؟؟ ونحتاج حقيقة لعشيرة وأب وأهل وسند ؟؟ ونحتاج لنصرة العزوة التي هي المتنفس الأوحد للدعم والعزاء ؟؟ أكاد أقول هون عليك يا بني آدم... كلكم لآدم وآدم من تراب وكلنا غرباء عن أنفسنا !! ولكن عن التراب لسنا غرباء...كلنا مهاجرون وأنصار ونازحون وداخلون على االله وطارئون ومدعون التوطن في أرض االله !! نعم كلنا غرباء !!

الراي





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :