facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




عبقرية فقه المسؤولية في الشريعة الإسلامية


فتح رضوان
29-11-2018 10:26 PM

من الواجب في الظرف البائس الذي نعيش تسليط الضوء على عبقرية فقه المسؤولية في شريعتنا ابتداء بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)

الرعية تختلف عددا ، فالعائلة الصغرى رعية وأهل القرية رعية وطلاب مدرسة رعية وجمهور مدينة رعية وأهل البلد رعية - فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، هذا الحديث من أعظم ما خطته الشريعة في فقه المسؤولية وتبيان عظمها في الدولة فالمسؤولية ما أن يبلغ الفرد الوعي إلا وتطاله إلا ان كان ممن يرتفع عنه القلم من صغير أو مجنون أو نائم.

الجدير بالذكر هنا أن المسؤول في اللغة والفقه الشرعي هو اسم مفعول، أي أنه مظنة العقاب أكثر من الثواب ولذلك كان سلفنا الصالح يستعظم المسؤولية فقها لمقالة رسولنا الأعظم : ألا إنها أمانة ( المسؤولية) ألا وإنها يوم القيامة خزي وندامة، والشاهد هنا في واقعنا المعاصر أن مسؤولينا يتصرفون على أنهم سائلين وليسوا مسؤولين، فمع أن الشريعة أعطت المسؤول حق الطاعة على من هم دونه ولكن مقابل ذلك هو مظنة عقاب لا يعلم مداه إلا رب العزة.

المسؤول لدينا يتصرف بكل أسف في أغلب أحواله في عالمنا العربي بصيغة اسم الفاعل فهو الخائن للأمانة، الغاش للرعية وما الى ذلك إلا من رحم الله وقليل ما هم أما أن يقف أمام من استرعاه الله عليهم وقفة المسؤول كما كان يفعل سلفنا الصالح فهذا نادر الحدوث وإن حدثت فهي في أحايين كثيرة وقفة الثعلب الماكر المخادع.

إذا بعدما تقدم فلدينا في الأردن على سبيل المثال ملايين المسؤولين فلماذا يَصب الناس دائماً جام غضبهم على الحكومة ومسؤوليها فقط حتى وإن كان الحساب مختلفا، فلذلك ينظر المرء أحيانا بالشفقة على المسؤول من كثرة ما ينال من اللعن والسباب وربما سوء السمعة الملازمة له في حياته ومماته وهذه السمعة بالمناسبة هي حكم السماء فرأي عموم الناس هو الحكم الشرعي على المسؤول فإن قرر سواد الناس دون نفاق أنه صالح فهو كذلك وإن كان رأيهم أنه فاسد فهو كذلك وهذا من ثوابت الشريعة ونجده شائعا في مختلف الحضارات الإنسانية .

نأتي الان الى ركيزة أخرى في العلاقة بين الحاكم والمحكوم في نطاق وتحت مظلة المسؤولية فهل ظلم المسؤول يبرر ظلم المواطن ، بالطبع لا فخيانة المسؤولية هي خيانة سواء كانت في نطاق الأسرة أو في مجتمع القرية أو المدينة أو الدولة.

فلا يبرر على سبيل المثال أن الحكومة لا توفر وظائف أن يستسلم المواطن للجوع والبؤس ما دام قادرًا مستطيعا على السعي على من يعول وإذا كانت الحكومة لا توجد وظائف للناس فهذا لا يعفي أثرياء البلد من المسؤولية في المبادرة للعمل والتضحية وهذا كله لا يعفي الوزير من واجبه في احتمال جهل الناس بالقدرة على تدير أمورهم.

تقاعس الفرد القادر أن يفعل شيئا لأسرته غش وتقاعس المسؤول غش وتقاعس الأم عن تربية أطفالها وحفظ مال زوجها غش ولو صعدنا بالسلم سوف نستنتج بالمنطق الرياضي أنه لو لم يكن الشعب ظالما لما خرج من بينه مسؤول ظالم، فكما تكونوا يول عليكم هي منطق رياضي فمن أين أتى المسؤول الفاسد على سبيل المثال إلا من شعب فيه فساد وحين يكون المسؤول أمينا يكون قد خرج من أسرة ربته تربية صالحة فخرج أمينا، اذا لو كانت نسبة الصلاح في الاْردن ٧٠٪ فسيكون لدينا ٧٠٪ من المسؤولين صالحين.

هذا يقود الى حل عبقري أخر لإصلاح مسؤولينا في شريعتنا وهو أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، اذا النصح للمسؤول وتبيان تجاوزه وإن كان فرضا شرعيا فهو لا يلغي ضرورة بدء المعركة مع وفي حياة الفرد ذاته الذي قد بكون الراعي لأسرة وعلى هذا الفرد أن يكون قائما على واجباته في حدود الاستطاعة من السعي في الأرض ومساعدة الآخرين والنقد للمسؤول.

في الوضع المثالي في شريعتنا تكون الأسرة ضامنة لأخلاق وتربية أبنائها ولمعالجة الاختلالات هناك نظامان للتدخل، فالدول الفاشلة او الأنظمة غير الناضجة تعتمد على العقوبة أكثر من التربية وهذا نظام أثبت فشله الذريع على مدار التاريخ البشري فالأصل هو نظام التربية والتعليم ولم ينجح عبر التاريخ بشكل مستدام إلا اعتماد التربية والخلق ولذلك تجد القائد الفذ سواء في نطاق الأسرة او أكبر من ذلك حتى تصل لمستوى الدولة - يعتمد في صلب خطابه على تعميق الخلق والاستقامة والانتماء بالتحفيز والقدوة في نفسه وإيجاد البيئة الملائمة لكل عمل صالح أو منتج بينما يكون الفشل في الخطاب التنفيري المعتمد على العقاب أولا فالرسول الأعظم عندما أتاه الزاني معترفا بجريمته حاول صرفه بكل الوسائل وحين أتاه من طلب إباحة الزنا بادره بالوعظ واللين وفي الحالين كان الحزم حاضرا فاستقام الناس حتى أنه في عهد أبي بكر حين ولى سيدنا عمر على القضاء جلس عاما لم يأته مشتكي حتى استقال من المهمة وقال لخليفة رسول الله عليه السلام حين سأله عن السبب: أن الناس تعرف ما لها وما عليها.

قارنوا هذا الحال الذي وصل إليه من كانوا في جاهلية وضلال قبل الإسلام بحالنا الان.

تقول الإحصاءات الرسمية تعليقا على ما تعج به المحاكم من قضايا أن معظمها كيدية أو مبنية على استغفال المشتكى عليه، وبناء على ذلك فهل تتوقعون أن فاقد الشيء يعطيه، والمقصود هل تتوقعون أن هذا المجتمع سينتج مسؤولا ناصحا للرعية وليس غاشا لهم مستغلا لجهلهم كما تفعل نسبة ليست بالبسيطة من مسؤولينا.

اذا تحت كل فصل في فقه المسؤولية ومقارنة بأحوالنا نجد تطابقا ما بين الراعي والرعية ونجد نموذجا رياضيا ونتيجة منطقية قررتها الشريعة في بضع كلمات كي تسهل على الناس فهمها ( كما تكونوا يول عليكم) وحتى حين يأتي قائد مصلح فيكون قد خرج من حاضنة اجتماعية أعطته فرصة الصعود وعلى قاعدة ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فتغيير الأنفس وهذه نقطة حاسمة لا يشترط ( بضم الياء) أن يشمل كل الشعب ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين)، اذا نحن نبحث عن ثلة صالحة يكفي أن تمثل كنسبة عددية عشرة بالمائة من الناس.

وبالتالي فمن يبحث عن صلاح كل الناس حتى ينصلح المسؤول فسوف ينتظر الى يوم القيامة.

هناك ركن متين محكم في فقه المسؤولية وهو هل يجوز القنوط من صلاح ولاة الأمر أو صلاح الناس وتحملهم لمسؤولياتهم، هذا من أشد ما يحدث من خطايا فلا يجوز بث اليأس والقنوط بين الناس والشاهد حديث الرسول الأعظم ( من قال فسد الناس فهو أفسدهم أو أفسدهم) بفتح الدال أو ضمها - كم نسبة القانطين من شعبنا، أنا أتوقع تعديها نسبة التسعين في المائة وهذه مخالفة صريحة لنص شرعي محكم: يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا، بل إن رسولنا الرحيم الكريم عليه السلام جعل الابتسامة معادلة لإنفاق المال فقال: ( تبسمك في وجه أخيك صدقة).

نأتي الان الى أكثر ما يهم الناس تحت مظلة المسؤولية وهو أن يوفر لهم المسؤول العمل ووسائل العيش والرفاهية والمال ونأتي پأعظم قاعدة شرعية في هذا النطاق : ( ما جاع فقير إلا بمنع غني) وهنا حدثوا ولا حرج عن ظلم الناس بعضهم بعضا وغضوا الطرف قليلا عن القدح في الحكومة، فكم من أخ لا يجد قوت يومه وأخوه يعيش عيش الملوك وكم من عائلة تدخن في الشهر ما يطعم عائلة في فصل كامل من السنة وكم من الطعام يلقى في حاويات النفايات ولكم أن تحدثوا كما شئتم وكيفما شئتم تحت هذا البند فما دخل الحكومة في كل ذلك.

وأخيرا نختم بآية محكمة في كتاب الله ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) ، نعم يحق لنا أن نحزن وأن نغضب ولكن لا يغيبن عن قلوبنا وعقولنا أن في شرعنا كنوزا تشفع لنا في كل مسألة وتغنينا باتباعها والسير في هداها وكلما ضاقت بِنَا الدنيا فلنتذكر ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين) والبشرى في شرعنا في الدنيا قبل الأخرة وفي الحياة قبل الممات حتى قال بعض علمائنا ( من لم يدخل جنة الدنيا فلن يدخل جنة الآخرة)، فجنة المؤمن في الدنيا قناعته ورضاه وراحة باله وحب الناس له وهذه كلها ضمانات حتمية لجنة الآخرة فلا تضيعوا حياتكم بالتسخط والتبرم وتضييق الدنيا عليكم وعلى الناس.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :