facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أنهض على كبدي واركض الى الوطن


خالد محادين
24-06-2007 03:00 AM

ما الذي دفع بي ذات مساء ، الى القفز من الغرفة رقم (10) من الجناح الخاص في مدينة الحسين الطبية؟!

كنت أطل من وراء زجاج نافذة مفتوحة على الجنوب، وكانت عمان حبيبة نائمة على صدور عشاقها، كما يغفو على صدر أم طفلها الوحيد.

من هنا حملت قلباً مملوءاً بالعشق والشعر والأحبة والأصدقاء، ووجوه الأردنيين التي تأخذ خصوبة الأرض في موسم الشتاء، ولون القمح في موسم الحصاد، وكبدا أقاتله باحساسي أن لكل رحلة نهايتها على الأرض ومولدها في القلب والذاكرة، كيف يخذلني رفيق العمر ورفيق السفر ورفيق الكلمة ورفيق وطن هو كل ألارض وكل القصائد وكل المقاطع التي تنتظر ان يمتد نحوها قلبي ليختم بناءها الواثق.

لم أمر على البيت لأقلب اوراقي القديمة، والقي نظرة فرح وخوف وطمأنينة على اوراق اخرى، واجلس على ذات المقعد امام مكتبة يقف خلفي مؤلفو كتبها، كأننا نستعد لالتقاط صورة تذكارية. ولا ادري كيف امتد بي العمر، حتى رحلت بين آلاف الصفحات، اذ من الغرفة رقم (10) من الجناح الخاص في مدينة الحسين الطبية، قفزت مرتدياً اوراقي ومستنداً الى قلبي، بعد ان بات صعباً ان اسير مستنداً الى كبد أتعبه القتال من اجل الوطن ومن اجل التراب ومن اجل الكلمات.

هل توقفت في (الكرك) المحطة الأولى؟ هل تجولت في شوارعها التي شكلت طفولتي ، وفي صفوف مدرستها التي تعلمت داخل حجراتها أنني عربي، وأن في وسعي ان اكتب الشعر وان انشر اولى محاولاتي في جريدة (فلسطين) او اذيعها في برنمج (مع ادبنا الجديد) وانا لم ازل فوق مقاعد الصفوف الاعدادية.

ومن الكرك الى القدس، هذه الغابة البيضاء من القداسة واللولؤ والمآذن والاجراس، التي كنت اشاهدها كل ليلة صافية من فوق جبل يغفو على الشاطىء الشرقي للبحر الميت.

ثم الى غزة وبغداد، ايهما غزة وايهما بغداد، هنا بنادق عمياء وهناك بنادق عمياء، وهنا مدينة تبكي وهناك مدينة تبكي، وهنا كراهية تقاتل كراهية او تركن اليها وهناك ما هو اكثر خوفاً واكثر سوءاً.

من نافذة في الغرفة (126) من مستشفى كرومويل في لندن، كنت اطل على مدينة غريبة ووجوه غريبة، وابكي، كيف لا يبكي شاعر مدينة تقاتل ازقتها ازقتها وسطوح منازلها سطوح منازلها وشجرها بشجرها؟ كيف لا ابكي غزة او ابكي بغداد وعيناي تتابعان المشهد الدموي حيث الاحبة هنا وهناك يمارسون ببنادقهم صيد الحلم الفلسطيني والحلم العراقي.

بكيت واخفيت دموعي عن ممرضة بريطانية كانت تقيس السكر في دمي، وتقيس ضغطي وتقيس درجة حرارتي، وكدت اطلب منها ان تتوقف، فليس هذا الوقت المناسب لأن يحتفظ جسدي بذرة سكر في زمن الحنظل العربي والحزن العربي والعتمة العربية.

افتقدكم ايها الاصدقاء..

افتقدكم ايها الزملاء، الذين كان لي فرح ان اعمل معهم، وافتقدكم ايها الزملاء الواعدون والزميلات الواعدات، الذين كلما اقتربت بقلبي من واحد منكم ساعة صباح، شعرت ان (الرأي) صحيفة لا تشيخ، تزداد شباباً كل يوم وتزداد شيخوخة وتعباً كل ساعة، كانت ولم تزل بيتنا الدافئ الذي ما أن ننأى عنه حتى نشعر بجليد اسود يحاصرنا.

هؤلاء الزملاء والزميلات، قوارير العطر والحبر ، لم يخيب واحد منهم رهاناً عليه، اذ كنت اتابعهم وانا انهض قليلاً قليلاً من وراء مكتبي، بينما يقتربون هم قليلاً قليلاً، من مكتب لن يكون لي، اذ ليس في وسع الآباء والاجداد ان يحملوا ما في وسع الاحفاد لوطن احببناه واحبنا، ولأهله الذين لا تبرد نار شتائهم ولا تغيب نسائم صيفهم.

اعترف لكم كم عانيت كي اتمكن من الجلوس على مقعد وكتابة هذه السطور ، فقد انحنى الظهر وانحنت القامة، وبت اسند بصعوبة عمودي الفقري بعد ان كان يسندني، ويدفع بي للقتال في وطن لا نملك سواه، بقامة منتصبة مثل صفصافة على شاطئ نهر.

تبقى رسالة محبة وولاء وامتنان ابعثها من مستشفى كرومويل في لندن، الى (ابي الحسين) الذي اعطى ارادته الهاشمية بايفادي للعلاج ، واعرف ان الكلمات عندما تخرج من القلب لا يكون في وسعها ان تقول: شكراً يا سيدي، شكراً يا سيدي واعترف انني عاجز عن الشكر، وانك لا تحتاج اليه وانت ترعى اردنياً لم يخذل الوطن مرة واحدة، وظل على امتداد اربعة عقود الوفي والحريص والرافض لمجرد التفكير بالمس بقداسته، وفي هذا بعض الرضا انني كنت وبقيت كما ارادني الوطن وكما علّمني.






  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :