فلتكن سنتنا هذه سنة قلع وخلع، إدارة مكافحة الفساد لن تمضي بعيدا وعميقا في ملفات الفساد، ولن تنجح مطلقا في فك شيفراتها وطلاسمها، ما لم يتم التوجه مباشرة الى القطط السمان المتوحشة، والى الرؤس الكبيرة واسماك القرش المفترسة، وستكون "المرجلة" على صغار المرتشين والمختلسين، مدعاة للضحك والاستهزاء وانعدام الامل والرجاء.

لقد اتقن الفاسدون ومن على حواف صحونهم وهوامشهم وأعطياتهم، من محترفين وفنيين وخبراء نصوص وضرائب، اعداد و"تبكيل" العطاءات والتلزيمات، الى درجة كاملة، كما انهم عملوا على "ازالة اثار العدوان" والتتبع والملاحقة، سواء لأرصدتهم السرية في البنوك الاجنبية او لملفات و"هارد ديسكات وداتا" المماسك القاتلة لما قارفوه من موبقات بحق الوطن.
وقد راعني لدى زيارتي لسميح باشا بينو في مكتبه نهاية الاسبوع الماضي، حجم ملفات الفساد التي على أجندة دائرة مكافحة الفساد، من حيث العدد ومن حيث التنوع، وهذه الملفات ستنزل بردا وسلاما على المواطنين المتعطشين للجدية في مسألة مكافحة الفساد، ومثلما راعني حجم وعدد الملفات القذرة فقد اذهلني ان اكتشف انه لم يكن عندنا مكافحة فساد!! الامر الذي يفسر كثرة القضايا وتنوعها وحجم المال الذي شمله الفاسدون بعنايتهم!! وللحق، فان كل هذا في كفة، وعزم الرجال في دائرة مكافحة الفساد، في الكفة الراجحة الاخرى.

نواكب فرحين، ونتتبع، تصريحات الملك، التي اعلن فيها: "لا خطوط حمراء امام عمل هيئة مكافحة الفساد ولا حماية لفاسد في هذا الوطن". وكذلك تصريحات ومتابعات وبدايات رئيس هيئة مكافحة الفساد، التي اثلجت صدور المواطنين الشرفاء الذين يشكل الفساد بالنسبة لهم، عدوانا متعمدا عليهم وسطوا مسلحا على منازلهم، كما بعثت تلك التصريحات الرعب، في قلوب الفاسدين. ان هذا العزم والجدية في هدم اوكار الفساد على رؤوس اصحابه، "سيعزز- والكلام للملك - ثقة المواطن بجدية الدولة في مكافحة هذه الآفة الخطيرة."

لقد شن الفاسدون حربا شعواء على الادارة الاردنية وعلى الإعلام وعلى كل القوى الوطنية الاردنية، واستفردوا بالقرار والرقابة فصاروا الحسيب والرقيب، وتمكنوا من اقصاء الكفاءات الشريفة تحت عناوين مختلفة، ابسطها ان هذه الكفاءات معادية للنظام ومرتبطة بالخارج وان مكانها السجن او الشارع لا المواقع المقررة والمؤثرة!
ان منظومة الاصلاح تحتاج الى تشريعات تقدمية معاصرة تليق بالمواطن الاردني في العصر الثوري العاصف الجديد وتعبر تعبيرا امينا عن القوى الاجتماعية الاردنية الجديدة وعن محتوى العرش الهاشمي التقدمي الاصلاحي وعن بنيته الدينية الاخلاقية النزيهة النظيفة التي ينطبق عليها كل الانطباق لقب شريف، مما يستدعي ان نتوافق على تشريعات اقتصادية وسياسية واعلامية جديدة، فقد برهنت الثورات والاحداث في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين،على سقوط البنى السياسية والاقتصادية والاعلامية القائمة التي وفرت مجالا رحبا وخصبا للاستبداد والفساد والسلب والنهب والتضليل والتزوير والتطبيل!! فترعرع الفساد وتكاثر الفاسدون الى درجة مخيفة مرعبة، لم يعد على كل حال، ثمة مجال لتحمل وحشيتها وجشعها!!

ان اول الضحى والخطى والعزم، واكثرها مصداقية لدى الرأي العام الاردني، هي فتح كل ملفات الفساد الدسمة، وتوفير الادوات والكوادرالتي تمكن الدائرة من اداء دورها والنهوض بمسؤولياتها، على ان تشمل حملة مكافحة الفساد القطاعين العام والخاص نعم والخاص، فمال القطاع الخاص هو مال الشعب الذي يستحق الحماية والصيانة.

نحتاج الى اجراءات وقرارات غير عادية وفوق عادية، من اجل ان نجعل وطننا اكثر جمالا واكثر امنا، ووطنا كما نتمناه لكل ابنائه الغيورين عليه المؤمنين بالله وبه.

assem.alabed@gmail.com
الراي.