سنبقى نذكر المشير سوار الذهب طويلا على ما تشير الحالة العربية بوصفه الرئيس العربي الوحيد الذي يستحق لقب سابق , فالرجل تخلّى طواعية عن المنصب فترك الجغرافيا ليدخل التاريخ , فالجغرافيا السودانية التي تمزقت الى دولتين وما زال الباب مفتوحا لم تفتن الرجل عن قراءة التاريخ والولوج الى بابه الواسع بنقاء .

الان لدينا اكثر من رئيس سابق لكن مع ملحق سوابق لا يسمح لهم بالحصول على شهادة عدم محكومية بل ان صحف سوابقهم تحتاج الى مجلدات, ناهيك عن الالحاق الذي تم بالسابق بين الهارب والمخلوع , وبصرف النظر مثلوا الى المحاكمة ام بقوا متوارين عن العدالة مثل العقيد القذافي فإن الحسم قد تم لصالح السابق والخلوع والهارب والمطارد والقائمة تطول وتطول وسيضاف اليها اسماء جديدة عما قريب .

قدر الرئاسات العربية في الجمهوريات ان تخضع لمعادلة غريبة منذ ان تم الاختراع الاكثر غرائبية «رئيس الى الابد» والطريف ان ثمة انتخابات جرت بعد الابدية واحيانا كانت تلك الانظمة تترفق بالعباد وتكتفي بالاستفتاءات فهي اقل ايلاما للنفس ولا تستتبع التزوير وايجاد مرشح كرتوني يقبل بنسبة تؤكد الابدية , فحصول مرشح على نسبة اقل من عشرة بالمئة يؤكد ذلك , رغم ان الاستفتاء كان مثل الاونصة السويسرية 99,9 .

الوطن العربي وعبر تاريخه الضائع والمهدور مرّ بسلسلة من المفارقات , فبعد سقوط الهيبة وانعدام الوزن القومي , عرف التاريخ الخليفة المسمول والخليفة الصوري وكل اشكال المهانة وقلة الهيبة , والسبب غياب الوزن القومي ودخول عناصر لا تنتمي الى الايديولوجية القومية بصرف النظر عن منبت رجالها , فالهوية ليست مسقط رأس او جينا بل هي قناعة ضميرية وتعبير وجداني كما صلاح الدين الايوبي .

قائمة الرئيس السابق مع ملحق السوابق اخذة في الاتساع ولا يقرأ المرشحون لنيل هذا اللقب وملحقه سوابقهم وسابقيهم فتراهم يوغلون في رفع منسوب السوابق ورفع تعداد الضحايا والجرائم , وربما يزيّن لهم مسامير الصحن من الحاشية ما يغرقهم في الوحل ومستنقعه اكثر واكثر رغم ان العقل يقول ان «رئيس سابق» له من الوزن الجمعي في الحالة العربية فرادة تغري بالحصول على شيء منها , بدل الغياب القسري والادانة التاريخية والقانونية .

سيكون المشهد سرياليا في المستقبل القريب ان منح الله عمرا للسابقين من اصحاب السوابق كي يتقدموا لوظيفة ما اما بعد انقضاء محكوميتهم او بالبقاء هاربين في دول تحمي وجودهم , حين يرفض طلب قبوله لعدم حصوله على شهادة عدم محكومية وربما حينها سيضطر الى الوقوف في طوابير المعونة او يبدأ رحلة العمل الحر مثل باقي اصحاب السوابق او يعيد تنظيم فلوله لتشكيل جمعية اشرار .

على المسرحيين ان يستعدوا جيدا لمرحلة التاريخ القادم فهم لن يحتاجوا الى كثير عناء كي يكتبوا مسرحيات اكثر عبثية من غودو وانتظاره ولن يعانوا كما عانى كتّاب مسرحيات الكوميديا السوداء السابقون مثل محمد الماغوط وغيره , بل يكفي ان يعيدوا كتابة المشهد الحي بلغة المسرح لتصبح المسرحية جاهزة للعرض , ولهم ان يتوقعوا الاسماء القابلة لحمل لقب السابق وسوابقه ويسجلوا اللحظة منذ الان , فكل من يوغل في دم شعبه لن يكون له بقاء حتى وان طال الوقت وكبرت صحيفة سوابقه .

omarkallab@yahoo.com

(الدستور)