لم أكن يوما مع القذافي، ولا ألوم الجماهيير الليبية على انتفاضتهم الشجاعة التي أطاحت به و بنظامه، لكنني لست أيضا مع الأسلوب الذي تعامل به شعبه معه بعد سقوطه. نعم، جمعينا يدرك أن لا ثورة دون دماء ، ولا ضير من أن تنزف السواعد والجباه في الميادين أما أن تلطخ الثورة بدم الانتقام فهو أمر يزعجني حقا، ورغم سعادتي المفرطة بالعام 2011 و حماسي الشديد لجميع التحركات العربية الهادفة الا أنني لم أستطع الا أن أشعر بالأسف حين شاهدت حنق الثواريأخذ منحى كهذا.
لست بصدد انكار معاناة الليبيين المزمنة و أعلم تماما أن تراكمات ما يقارب الخمسين عاما لا بد جثمت على صدورهم لكنني كنت أتوقع تصرفا أكثر نبلا مما فعلوه برئيسهم السابق، لا لأنه يستحق.. بل لأن صورة الثوار لدي لطالما ارتبطت بكرم الاخلاق والشهامة الزائدة، وهذا ما كان حريا بهم أن يثبتوه للعالمين العربي والغربي وللأعين المتربصة بهم وبثورتهم .
وقد كنت منذ البداية أدعو للشرفاء من الليبيين بالنصر الذي يبتغونه ، وبـأن تتكلل تضحياتهم الغالية و يستردوا حريتهم في تسيير أمورهم بالشكل الذي يرونه مناسبا دون وجود طغاة أو مستبدين لكنني جرحت بما شاهدته من تجاهل لأبسط حقوق الانسانية و انتفاء القدرة على الترفع عن الأخطاء ، لا سيما انهم لن يتركوه ينجو بما فعل.
ورغم أنني انا لا أتجاهل ما اقترفته أيدي النظام الليبي السابق من جرائم ومجازر ولا أبرر عبث الرئيس بثروات الأمة الا أنني أعتقد أنه كان بالامكان التعامل مع القذافي و أبنائه كأسرى حرب (حيث ان أغلبية من شاهدتهم من الليبيين برروا قتلهم له بأنهم في حالة حرب و بأن الأعصاب جميعها مشدودة) و اعتقالهم و محاسبتهم علنا على كل التجاوزات التي ارتكبت من قبلهم دون قتلهم بهذا الشكل البشع. ففي سقوطهم و اعتقالهم اذلال كاف ودرس قاس لكل متغطرس وعنيد.
كما أنني لا أعلم ان كان من الأفضل ان يكون الليبييون قد عمدوا الى انهاء حياة القذافي بهذه السرعة بناء على توجيهات أمريكية خبيثة أم أن تعطش هذه الفئة لدمه ودم عائلته وصل الى هذه الدرجة من البربرية. يستحضرني الان وجه ابنة القذافي عائشة حين هاتفت والدها بعد ذبحه تطمئن عليه ويرد عليها احد المشاركين في عملية القتل ليخبرها بفجاجة ان والدها قد قضى .لا استطيع الا ان أشعر بالاسف لان التشفي بالموت بات هواية ومصدرا للفخر. فما فعلته هذه المجموعة من الثوار بجثة القذافي بعد قتله يتنافى وجميع القيم الدينية ويخدش هيبة الموت . فمن المعيب أن تصل الرغبة في الانتقام الى أن تعرض جثة أي انسان في الأسواق العامة متعة للناظرين.
سعيدة جدا بليبيا الحرة وبالربيع العربي الذي أزهر بعد شتاء طويل، لكنني لست مع قاتلي القذافي ولا مع ما يدعونه من سعي للعدالة واحقاق للحق. كنت فعلا أتمنى لو أنهم كللوا ثورتهم بالورد يزرعونه على قبور شهدائهم لا بالمزيد من الدم و التعذيب.