ما حدث لصحيفة الغد من اعتداء سافر تحت يمع وبصلا الحكومة واجهزتها الامنية لهو دلالة على تغلغل الفساد وقوى الشد العكسي في البلد، وهذا يثبت بما لا يدع مجالا للشك اننا غير جادون في مكافحة الفساد ولن نجرؤ حتى على الاقتراب من حدوده، وهذه ليست الحادثة الاولى التي تتعرض لها الصحافة، فما زلنا نتذكر ذلك الاعتداء على احد المواقع الالكترونية على خلفية نشره خبرا عن بدء التحقيق مع شخصية من العيار الثقيل في قضية ما بات يعرف بـ " شركة موارد"، التي نهبت موارد البلد وما زال ابطالها يتنعمون بما نهبوا، وهذه لن تكون الاخيرة طالما بقي المتنفذون في مواقعهم يصولون ويجولون دون حسيب او رقيب وطالما لم توجد النية الصادقة المقرونة بالعمل المخلص لوقف الفاسدين عند حدودهم وتخليص البلد من شرورهم ومكائدهم، ما حدث للغد سوف يتكرر في الغد وفي اكثر من غد، وما نخشاه ان تبقى كرة الفساد تتدحرج وتكبر حتى تصبح مثل كرة الثلج وتنفجر في وجه الرعاة الرسميين لها، وما نحن متأكدون منه ان اول ضحاياها سوف يكون المواطن البسيط والمطالب بمكافحة الفساد لكنه بالتاكيد لن يكون الخاسر الوحيد.

كنت كغيري من المواطنين، أظن – رغم ان بعض الظن إثم- أن حادثة قفز الباخر سور عن كل الاسوار المحيطة بها، مجرد حادثة ناجمة عن سوء التنسيق بين الجهات المعنية، وسرعان ما تحول ذلك الظن الى يقين لا يمكن دحضه ولا بأي وسيلة ممكنة ولا من قبل أي مسئول مهما علا شأنه وموقعة، ومهما قدمت لها من تبريرات وشكلت لها من لجان مختصة وغير مختصة، بأن تلك الحادثة ما هي الا مؤامرة دبرها حيتان الفساد الذين ما عادت القوانين تردعهم ولا الاخلاق تعنيهم، بقدر ما تهمهم مصالحهم التي قدموا لها القرابين تلو القرابين من المواطنين وسمعة البلد.

هذا اليقين بات راسخا بمجرد ان تم الاعتداء او التلويح به على صحيفة الغد التي عملت على نشر تقرير عن كيفية هروب الباخرة سور، لدرجة منعها من التوزيع والاعتصام امام مقرها، والادهى من ذلك ان الاجهزة الامنية تتفاوض مع أولئك المحتجين على التقرير لمنعهم من الاعتداء على الموظفين والصحيفة على حد سواء.

أسئلة كثيرة يتوجب على الحكومة ان تجيب عليها، اولها كيفية الهروب ومن الجهات المتورطة فيها او تقف خلفها، ثم الكشف عن هوية المعتدين على صحيفة الغد وكوادرها الصحفية، ليبقى السؤال الملح معلقا عن دور تلك الاجهزة في عدم التصدي لتلك الفئات والكشف عنها، ولماذا اتخذت هذا الموقف السلبي تجاه الصحيفة وكوادرها، فيما يبدو انه شبه رعاية ذهبية للبلطجية وحماية للمعتدين ومن يقف خلفهم.

حقائثق كثيرة يتوجب على الحكومة ايضاحها للرأي العام مهما كلف الامر، والا فان الفساد سيكون انتقل من رعاية الى رعاية، وما على المواطن الا حماية نفسه ومقدراته بنفسه دون اللجوء الى الاجهزة المكلفة بحمايته، التي أصبح مشكوكا في دورها الوطني من حيث التوجه والاهتمامات.

اعتقد ان الامر ليس بحاجة الى لجان تحقيق وتقصي لحقائق معروفة وواضحة وضوح الشمس في كبد السماء، وكل ما في الامر هو جلب المستفيد من عملية الهروب والقاء القبض على تلك الفئة التي ضلت الطريق واعتدت على صحيفة الغد، والابتعاد عن سياسة الجاهات وتطييب الخواطر التي جرت الويلات على الوطن والمواطنين.


kalilabosaleem@yahoo.com