ما أحوج الإنسان الى النصيحة، كبر هذا الإنسان أم صغر، عقل أم جهل، فالحياة كلها تعلم ، وهي ليست صفحة بيضاء، بل مخطوطة بأحرف تقرأ، وأخرى تغيب عنها القراءة، لتشابك حروفها وإبهام معانيها، وليس مصدر المعرفة محدودا، بل يتعدى الإنسان الى سلوكيات الطير والحيوان، فبها من العبرة والحكمة كثير إذا تلقاها ذو لب وفكر سليمين.



*********

الحيوانات البهيمية، عرفت بطبائعها الغريزية، ما تكتسب منه النفع، وتتقي وتبتعد عن المكروه، الذي يلحق بها الأذى والضرر، وتميزه بكل سهولة وبساطة ويسر، فلا تورد نفسها مورداً فيه الهلاك، تفنى منه وينقرض جنسها من الوجود، وإن هي اقتربت من مورد الهلاك ودنت من أسبابه غفلة وعلى حين غرة، نأت بنفسها الى النفور والابتعاد عنه، فإذا كانت هذه سلوكيات البهائم فكيف بالإنسان الذي وهبه الخالق ، كل أسباب التعقل والتبصر، والقدرة على التخطيط السليم المبني على العلم والمعرفة الذي لا ينتج عنه إلا الفضائل والخير، فعجبا لك يا عقل!!! وأنت تسمع وتحلل وتعرف أبعاد ما حصل في مدينة سرت الليبية من الدمار، تلك المدينة التي أصبحت أشباحا، وخلت من ساكنيها لإنعدام سبل الحياة فيها، حتى ان جثث أهلها وأجسادهم أصبحت طعاما لهوام الأرض، وأن الروائح المتصاعدة لوثت البيئة ، وأسقطت الطير من جو السماء، فهل من متعظ؟



*********

إن السباحة في الماء مع التمساح هلاك مؤكد، ومن دخل على الأسد في غابته لم يأمن وثبته، فرحم الله امرءا عرف حدود قدرته فما تجاوزها، ورحم الله عاقلا لم يطل النظر كثيرا الى السماء، فتنكسر رقبته، بل اكتفى بتمرينها برهة الى أعلى وبرهة الى أدنى ومكث الوقت الأطول في الوضع الطبيعي، فهذه حال من يتطاول على القانون وسيادته، وهيبة المجتمع وعاداته وعلى حدود العقيدة السمحة، ورمى بذلك كله خلف ظهره، وامتطى صهوة رغباته التي لا ترقى لهموم الوطن وأحلامه، فالوطن هو البيت ، والبيت لا يدخله إلا من امتلك مفاتيحه، ومفاتيح البيت الولاء الصافي والانتماء الصادق، والحب الطاهر لكل ذرة تراب وكل نبتة من شيحه وقيصومه، زيتونه ودحنونه، حب لا يخالطه الرياء ويقود للإصلاح الواعي المنضبط الممنهج.



*********

إن صاحب الإرادة والهمة الواثق من نفسه لا يتردد بمشورة من دونه، أو من هم أعلى منه منزلة ، فالمنفرد برأيه ضائع ولا ناصر له، وإن العاقل المشاور ، المحاور اللبيب الفطن، يصل بالحيلة والوسيلة ، إلى ما لا يصله ولا يبلغه بأي قوة كانت، مظاهرات أو اعتصامات، خطابات أو هتافات، فميزان أهل الخير لفعل الخير، بما ينفع الوطن والعامة، تتحدد في صفاتهم الأربع،(الحكمة والعفة، العقل والعدل) والتي ينطوي تحتها العلم والأدب والحلم والصبر والحياء والكرم والصدق والإحسان، فمن تكاملت به لا يعيبه الفقر والحرمان من المال، وعليه فإن هذه صفات النخب، من المجتمع أهل الهمة، الذين يعول عليهم بالإصلاح ، فإن هم لم يفعلوا، ستلومهم الأجيال، ويعتب عليهم الوطن، ويعتبره جحودا ونكرانا، فهو الذي آوى ثم أعطى فأغنى، وربى وكبر، وعلّم وأدب، ثم ضم بين جنباته وتحت ذراته اللحم والعظم وحماهما من آفات الأرض.

*********

إن أفضل ما رزق الله به العباد (العقل) وهو القوة التي تحرك الأحياء جميعا، فالأجدرألا تضيع هذه القوة، فالمطلوب من كل عقل قادر أن يفعل لإحراز منفعة ، أو دفع لمضرة، فالعقل قوة ساكنة ، لا تقتطف ثمارها إلا بالتمرن ، والتدرب وتكرار التجارب، فهو مصدر العلم الموصل لكل منفعة، فلا نغيبه وقت حاجته، والحاجة له مستمرة، وبالتحديد حين تشتد الخطوب، وتدلهم الأمور، وحين يصبح الحليم حيران ، فعليه بالثبات والتيقن ، فالبلاد والعباد أشد ما تكون اليوم حاجة الى العقل واستخدامه بتمعن وروية، لإدارة الأزمة.

*********

وعلى ما تقدم فإنه مفروض على من يطلب أمرا، أن يكون له فيه غاية، شريفة نظيفة، نابعة من حاجة الوطن، لا دخيلة عليه، وأن تكون واضحة المعالم، لها بداية ، ولها منهج يقود الى نهاية نافعة ناجحة مضمونة النتائج الإيجابية، وألا يتمادى باستخدام الوسيلة، وألا يطلب المحال فإنه غير بالغه، وإن ركب المخاطر وجازف، وكل مجازف غير محمود، وإن لكل طلب حدودا، فمن تجاوزها فقد خسر، وعليه أن يكون كالطبيب؛ واجبه الحفاظ على صحة الأجساد، أو جلب الصحة الى الجسد المريض.



*********

علا نجمك يا وطن، وغاب نحسك، ودامت أيامك، وأشرقت شمسك، وأمطرت سماؤك، وأنبتت أرضك، وتطهرت قلوب أهلك.

حمى الله الأردن وشعبه ومليكه.

Abeer.alzaben@gmail.com

(الدستور)