ذكر الله تعالى في كتابه العزيز من قصة امرأة العزيز وما بادرت به من اتهامها لنبي الله يوسف عليه السلام : (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)) سورة يوسف.

مشهد جمع بين المفاجئة المتمثل في حضور الزوج المخدوع‘ والإنكار الذي أبدته الزوجة كوسيلة للدفاع عن نفسها، ومظلوم تجمع عليه من لا يخافون الله ولا يخشوه.
قد يتكرر مشهد الخديعة هذا في كل يوم وفي كل عام، وربما اتخذ إشكال مختلفة وفي ظروف متباينة، وقد يتمثل في خداع الشركاء في تجارة، أو البناء مع صاحب عمارة، ولكن الأخطر والأسوأ هو خداع الوطن، وخداع الوطن يكون بعدم الصدق في خدمته، أو تضليل أصحاب القرار وذلك بتقديم تقارير غير صحيحة لهم فيبنون عليها قراراتهم على اعتبار أنها صحيحة.
ولإعطاء القارئ مثال على الخديعة الإدارية المالية التي تحصل هنا وهناك في جامعاتنا، ومن منظوري الشخصي، أسوق المثال التالي، وأنا هنا لا اسرد القصص، ولست أهدف إلى التسلية أو التجريب في الرواية.
في بعض جامعاتنا الأردنية الرسمية الحبيبة، تلك التي كان لها الفضل أما في ابتعاث الآلاف للدراسة في أرقى جامعات العالم، أو الفضل في توظيف عشرات الآلاف من المواطنين مؤمنة لهم بذلك فرص عيش كريمة، هذه الجامعة أو تلك وبموجب القانون مسؤولة عن استثمار أموال هيئتها التدريسية والعاملين بها، وذلك من خلال عدة صناديق مثل صندوق الاستثمار والادخار ونهاية الخدمة، وعليها في ذلك أن لا تخاطر في أموالهم ولا في أموالها، إذ عادة ما يكون للجامعة جزء من رأس المال، وعليها بذلك أيضا أن تتأكد من أن الاستثمار يخلو تماماً من أية مخاطر، وأن تعتمد نتائج دراسة الجدوى الاقتصادية للمشاريع الاستثمارية واعتماد تقارير الخبراء، وعدم الحياد عنها "تحت طائلة المسؤولية" إذ أن ذاك مال عام في جانب تعلقه بالجامعة وخاص فيما يتعلق بأموال الهيئة التدريسية والموظفين ويخضع بذلك للمسائلة والمحاسبة.
والغريب في الأمر أن تشرع بعض الجامعات في استثمارات غير آمنة، وعليها تحفظات من الخبراء الاقتصاديين، وأن يجمع شخص واحد ما بين الأشراف على صندوق الاستثمار وإدارة جهاز الرقابي المالي والإداري الداخلي وعضوية مجلس إدارة في شركة استثمارية "خاسرة" والسيئ في الأمر أن يتم إخفاء الخسارة هذه عن مجلس الأمناء، رغم تقديم تقارير عديدة إليهم والتي تشير دائماً إلى سلامة كل شيء وكأن الجامعة معصومة!.
فهل يعفي هذا مجلس الأمناء من المسائلة؟
وهل وجدة الرقابة والتدقيق الداخلي بريئة أيضا؟
أن قانون الجامعات الأردنية النافذ حالياً واضح وصريح ومفيد، " لو انه مطبق" حيث تشير المادة 11- منه إلى أن يتولى مجلس الأمناء لمهام وصلاحيات منها :
رسم السياسة العامة للجامعة. تقييم أداء الجامعة من جميع الجوانب الأكاديمية والإدارية والمالية والبنية التحتية. إقرار الموازنة السنوية للجامعة وبياناتها المالية الختامية بعد الموافقة عليها من مجلس الجامعة ورفعها للمجلس للمصادقة عليها مشفوعة بتقرير المحاسب القانوني. 0 السعي لدعم الموارد المالية للجامعة وتنظيم شؤون استثمارها .
وكذلك المادة25- ج-1- تنشأ في الجامعة وحدة رقابة وتدقيق داخلي ويعين مديرها بقرار من مجلس الأمناء بناء على تنسيب الرئيس 0 2- تكون الوحدة مسؤولة أمام مجلس الأمناء مباشرة وتتولى مراقبة الأمور الإدارية والمالية في الجامعة وعليها تقديم تقارير شهرية ونصف سنوية إلى مجلس الأمناء 0 3- يرفع رئيس مجلس الأمناء نسخة عن التقرير نصف السنوي إلى المجلس للمصادقة عليه 0د- يكون لكل جامعة محاسب قانوني خارجي يتولى تدقيق حسابات الجامعة على أن يرسل رئيس مجلس الأمناء نسخة عن تقرير المحاسب القانوني السنوي إلى المجلس 0 (والمقصود بالمجلس هنا هو مجلس التعليم العالي).
وعليه فإن إخفاء المعلومات من قبل وحدة الرقابة عن مجلس الأمناء خديعة، والتستر على الخسارة خديعة أخرى، وسوء الاستثمار هو عبث بأموال المستثمرين، وتكليف شخص واحد مهمة الاستثمار والرقابة والتدقيق خطئ فادح وسوء إدارة، والثناء على المقصرين مشاركة لهم بالإثم.
خلاصة القول: هل أتى على الجامعات حين من الدهر لم يكن لأموالها بواكي.