حتى في ظل الظروف الصعبة.. تظهر بين فينة واخرى مواقف شعبية تشير الى عمق الادراك الواعي لطبيعة العلاقة بين المطالب المحقة وطبيعة الظروف الاستثنائية التي يعيشها الوطن.
في جامعة الطفيلة التقنية ونتيجة لعدم توفر الحد الادنى من الاجواء الجامعية وغياب البنية التحتية التي تلبي حدا معقولا يتيح للطلبة الشعور انهم يعيشون حقا في حرم جامعي وانهم يمارسون حياة جامعية طبيعية يتلقون فيها علما يرتقي الى مستوى ما يتلقاه اقرانهم في الجامعات الاخرى .. نتيجة لكل ذلك قرر طلبة الجامعة الاعتصام مطالبين بتحسين الاوضاع الجامعية.. واخطأوا بالطبع عندما وضعوا شرط اقالة رئيس الجامعة كأحد شروطهم لانهاء الاعتصام مما وضعهم ووضع الحكومة في مأزق فلا الحكومة قادرة على الاستجابة لهذا الشرطة ولا الطلبة قادرون على التراجع عنه.. وهكذا بقي الحل يراوح مكانه..
بدأوا اعتصامهم بمهرجان خطابي اقسموا فيه جماعيا على المحافظة على مرافق الجامعة وعدم التعرض لها بأي اذى.. ثم مضوا الى محاضراتهم التي لم تتوقف على الاطلاق طوال فترة الاعتصام.
حالتان من السلوك الديوقراطي الراقي لم تلفت انتباه الآخرين كثيرا الى مدلولاتهما مع الاسف.. التخريب في مرافق الجامعة خط احمر وتعليق المحاضرات الجامعية خط احمر آخر.. ومع اعتراف المسؤولين بأن اغلبية مطالب الطلبة محقة، اذن لماذا لا يكون هنالك حل؟ وهل يعقل ان يتم تأسيس جامعة ومن ثم يقال: يا طفايلة دبروا حالكم !!!!!!!!!
على حكومتنا ومجتمعنا ان يعيا جيدا ان التعليم العالي خط احمر آخر يضاف الى الخطين الاحمرين اللذين وضعهما طلبة الطفيلة التقنية المعتصمين.. قد يكون من الجائز في ظل العوز المالي ان نضحي ببناء بعض الطرق او ان نؤجل بناء مدرسة ثانوية لصلح تأجير مبنى لها، او ان نخفض الانفاق على سفرات كبار المسؤولين للخارج او ان نخفض من الانفاق الهائل على بعض سفاراتنا في بعض الدول غير المهمة او ان نرشد استخدام الكهرباء والماء في بعض مكاتب الدولة ومؤسساتها خاصة تلك التي لا تقوم بدور مفيد وقد نرشد استخدام السيارات في قطاعات الدولة المختلفة او قد نلجا الى ضبط استخدام المال العام.. لكننا لا نستطيع تحت اي مسمى ان نضحي بالتعليم العالي لحساب اي من تلك المصاريف، لأننا ان فعلنا ذلك فأننا في الواقع نرتكب جريمة بحق الوطن ونقامر في مستقبل أجياله.
دعونا نكون واقعين، فشرط المعتصمين بإقالة الرئيس ونائبه يدل على ان الموضوع برمته غير مسيس ولا يوجد قوى "عابثة" وراءه كما يحاول البعض ان يوحي ، فهو شرط يدل على عدم توفر الحنكة لدى من خططوا وقادوا الاعتصام.. فلو لم يوضع هذا الشرط من الاصل من قبل المعتصمين لأقالة الحكومة الرئيس في اقرب فرصة ممكنة بسبب سماحه للأوضاع ان تتطور الى هذا المدى ولحلت المشاكل الاخرى المحقة المتعلقة بالبنية التحتية والمرافق الجامعية.
تنازل الطلبة عن هذا الشرط والبدء فورا في معالجة مشاكل الجامعة الاخرى من قبل الحكومة سيؤديا حتما الى ايجاد الحل المطلوب ويسمحا للجامعة بالعودة الى الحياة الجامعية الطبيعية بأسرع وقت ممكن.


qatamin8@hotmail.com