الصورة باتت ضبابية في جامعاتنا الأردنية،رؤساء جامعات يستقيلون ،ورؤساء مجلس أمناء يعترضون على سياسة التعليم العالي ،جامعات حكومية على وشك الإفلاس،وجامعات خاصة تتحكم إداراتها المالية بقراراتها الأكاديمية بغرض تعظيم الربح المالي على حساب النوعية ،حالة من الإحباط و فقدان الأمل تسيطر على الهيئات الأكاديمية والإدارية جراء تآكل مرتباتهم ، كفاءات جامعية إدارية وأكاديمية تبحث عن فرص عمل خارج الأردن هروبا من واقع أكاديمي غير مريح، عنف طلابي،مظاهرات واعتصامات ،ومطالبات بتحسين الأوضاع إلى حد المطالبة بتغيير الرؤساء ونوابهم في بعض الجامعات.
الجامعات الرسمية مابين جامعات ميسورة تملك مقومات مادية جيدة تعطيها فرصة للبقاء ، لكنها تواجه تحديات ارتفاع وتيرة مطالبات الموظفين وأعضاء هيئة التدريس بتحسين أوضاعهم المادية، وتحدي العنف الطلابي وتجرأ الطلبة على إدارات الجامعات وتزايد وتيرة الاحتكاكات والمنازعات داخل الجامعات مما تسبب في إعاقة العملية الأكاديمية وتوقفها في بعض الأحيان ، وجامعات حكومية أقل حظا،تلهث من اجل الاستمرار في مواصلة العمل بسب تراجع التمويل الرسمي وضعف التمويل الذاتي،حتى أصبحت على حافة الانهيار،مما قد يتسبب في حدوث مأزق كبير ما لم يتم تدارك الأمر ودعمها بما تحتاجه من دعم مالي للمضي في رحلة البناء و التقدم.
سياسات القبول لم تعد واضحة ،وقوائم القبول الموحد المبني على التنافس الشريف تتقلص أمام الكوتات ،وقوائم الأقل حظا ،والجيش و الديوان، في الوقت الذي تتخلى فيه الدولة عن الإيفاء بمسؤولياتها المالية نحو الجامعات ودفع المستحقات والرسوم المترتبة عليها،فضلا عن الإرباك الذي خلقه عودة العديد من طلبة اليمن وسوريا إلى الجامعات الأردنية. والبني التحتية لم تعد قادرة على استيعاب المتغيرات الحديثة في أساليب التعليم الجامعي التي تعتمد على الطالب الذي يشكل محور العملية التعليمية، و توفير كل ما يحتاجه من معلومات من خلال شبكة الانترنت والسحب الكترونية بدلا من القاعات الصفية التي تزدحم بالطلبة للاستماع إلى المحاضرات التقليدية.
وحاكمية الجامعات لا تتفق في أغلبها مع متطلبات الاعتماد العالمي من حيث ضرورة تمتعها بالحد الأدنى من الكفاءة وبعد النظر، يُعين رؤساء الجامعات ونوابهم باليات لا احد يعرف أسسها أو من يضعها، الجامعات العريقة تقوم على انتخاب قياداتها الأكاديمية من مستوى الرئيس حتى رؤساء الأقسام على أسس الكفاءة والبرامج التي يلتزم القادة بتنفيذها لتنقل الجامعة إلى مستويات جديدة من التطور والنماء، في الوقت الذي تنشط في جامعاتنا الضغوط المجتمعية والسياسية للوصول إلى كراسي صنع القرار الأكاديمي .
التشريعات الأكاديمية بلا بوصلة، فكل الاحتمالات واردة، قوانين دائمة تستبدل بأخرى مؤقتة ،و الأنظمة و التعليمات سرعان ما تتغير لمصلحة بعض الرؤساء ومن يدور في فلكهم لتترك حالة من الارتباك غير المسبوق في العمل الأكاديمي.
القيادات الجامعية الحالية باتت تواجه تحديات لا قبل لها بها، في ظل ظروف مالية صعبة وتغيرات اجتماعية معقدة، و نزعات عشائرية وعنصرية وتدخلات أمنية لا تخدم المسيرة الأكاديمية، وممالا شك فيه أن تجاهل استحقاقات الربيع العربي،واستمرار ظاهرة التدخلات المتنوعة ،قد تفرغ الإدارة من سلطتها، عندها فان مجرد استبدال القيادات الحالية بقيادات أخرى لضبط الأوضاع الداخلية لن يجدي نفعا علاوة على انه يتعارض مع مبدأ الاستقلالية الجامعية .
تغيب عن جامعاتنا الرؤية الواضحة، وتغيب معها الفلسفة التعليمية التي تهدف إلى صياغة فكر الأمة و النهوض بها، وتغيب معها روح الإبداع و التطوير، ولذلك فان مسيرة التعليم العالي مضطربة، وتتجه لا قدر الله إلى المجهول.

niyounes@ju.edu.jo