الحرية هي المطلب الأساسي للإعلام , لكي ينجح في رسالته , و قد حصل إعلامنا الأردني على مساحات و اسعة من الحرية , لم يعرفها سابقا و قد حلم بها كثير من نظرائه من بلدان العالم , و لم يرقوا إلى مستوى حريتنا الإعلامية , هذه الحرية التي كانت في يوم من الأيام أمنية , تحلم بها القلوب و لا تنطق بها الشفاه , خشية من الغرف المعتمة و القضبان الفولاذية , و ما يترتب عليها من قسوة في التعامل و ما تدونه سجلاتها في الذاكرة التي لا تنسي اسماء مرتكبيها طيلة حياتهم .

هذه الامنية تحققت , و كان الفضل بها لجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين - حفظه الله - عندما كفل حرية سقفها السماء , و ما بين الارض و القبة الزرقاء فضاء و أثير امتلكه الاعلاميون , و أصبح أمانة بأيديهم , تملؤه حناجرهم بما تفرز عقولهم و تؤمن به قلوبهم , بعطاء غزير , إطاره الحرية المسؤولة , و مضمونه هموم الوطن و حمايته , و أبحر إعلامنا بمعالجة مواضيع شتى كالفساد و الاقتصاد و الاحزاب و الانتخابات و حقوق الانسان و تجذير الديموقراطية و قضايا اجتماعيا عدة , و كان له بصمات نافعة ناجحة هادفة .

و بالوقت الذي نمتدح به الإعلام, و الذي كان من أكبر فضائله , أن جعل المواطن شريكا و مشاركا فعالا بقوة في جميع القضايا المطروحة على الساحة الاردنية , و جعل من المواطن إنسانا واعيا و مثقفا و متابعا , إلى أن هذا لا يمنع من الإعتراف ومحاسبة الذات , بأن المثالية حلم بعيد المنال يصعب تحقيقه , و لكنها تنشد , و بمعنى آخر أن هناك ملاحظات على الإعلام , لا أقول إنها سلبية مزعجة و لكن بالإبتعاد عنها اقتراب مما هو أفضل و أنبل و بالتحديد ما يعنى بشأن الوطن الداخلي .

الإعلام في بعض مواقعه , من محطات فضائية , و محطات اذاعية و مواقع الكترونية , ولا أقول دائما , و لكنها تحصل بين فينة و أخرى , أن يجنح عن حدود رسالته , و يتقمص دور الاجهزة الامنية حينا و دور القضاء حينا آخر , و يصدر تهما و يصدر أحكاما , و كأنه السجان و القاضي , فيعتب علينا عقلاء المجتمع و متعلموه و مثقفوه و أهل الخبرة فيه , و نخلق هياجانا و ثورة في قلوب و عواطف البسطاء و ذوي النظرة التي لم تكتسب الخبرة بعد , و نعكس صورة عن المجتمع و كأنه في حالة من الصراع , بين أبناء الوطن أنفسهم , و بين المواطنين و دولتهم , و بذلك تصنع فجوة غير محمود عقباها .

الإعلام رقابة و توعية و حلول , و الإعلام ترفيه و تثقيف و تعليم , الإعلام ذاكرة نشطة على الدوام لا تنسى , تتابع و لا تهمل , الإعلام جاذب غير طارد ولا منفر , و أعود للتأكيد على أن رسالة الاعلام الهادفة شرف مشرف , و لكن الأسلوب المتبع في الآونة الأخيرة من قبل البعض و تحديدا بعد الربيع العربي , قد مضى بجسارة على التجريح و التشهير بوقت مبكر بتوجيه بوصلة الإتهام و تأكيده قبل ثبوته بالأدلة .

يعاتبنا كثير من أبناء المجتمع , و خاصة من الذين هم خارج الوطن , بأن بعض الفضائيات الاردنية و المحطات الإذاعية , تنهج أسلوب التحقيق و الإسهاب به, وكأنهم قضاة في المحاكم , و كأنه هو الأمثل و المسؤول هو المذنب الملام سلفا , فقط لكونه مسؤولا في القطاع العام , فهو موضع الشبهة , فهناك شاشات ترى و تسمع خارج الوطن , تكون صورة مؤلمة عن الوطن , و كأنه يتسارع بالإنحدار , و أصبح المجتمع الاردني مضغة على كل لسان , و بالأمس القريب كنت خارج الوطن في احد البلدان العربية الشقيقة , و سمعت كل هذا و أكثر , و تألمت بأكثر من الألم نفسه .

الإعلام هو السلطة الرابعة , و الجميع يطالب باستقلال السلطات عن بعضها , و ألاّ يتمدد أحد على الآخر , كل الأمل و كل الثقة بالإعلام الاردني , صاحب الهامة الشماء , و الباع الطويل , أن يبقى هو الإعلام الأمثل المحتشم , المشدود

وثاقه بالعقيدة و القيم .

حمى الله الأردن و شعبه و مليكه .

abeer.alzaben@gmail.com


الدستور