لكل مؤسسة هيكل تنظيمي , الغاية منه تحديد الواجبات والمسؤوليات , وسرعة إنجاز العمل , ومعرفة المبدع فيه , يرأسه مسؤول , يعطى صفة المسؤول الاول, الذي واجبه إدارة المؤسسة , ومراقبة أداء موظفيها , لضمان سير العمل ونجاحه , دون أن يكون له الأمر المطلق على مرؤوسيه , بأن يفكروا كما يفكر، وأن يفعلوا ما يريده هو, ويتناسب مع رغباته الشخصية , ومن خالف ذلك فعليه تصب النار , ويرمى في الجحيم , والجحيم هذه الأيام هوالشارع المليء بالفقر والبطالة , والتفرغ للتجريح والقدح والانتقاد , ورمي السهام عشوائيا لتخترق جسد من تصيب , بلا هوادة ولا رحمة , وكأن الشهامة التي كنا نتغنى بها أصبحت سِفرا من الماضي التليد ؛ الذي ذبلت أوراقه وطلمست كلماته , لا تفك حروفها ولوأوتي بعلماء الآثار جميعهم .

ينموفي هذه المؤسسة أوتلك مع تعاقب الأيام , ومع صراعات العمل , وتراكم الخبرات التي التقطها عقل نير فذ , إنسان تأهل لأن يكون المسؤول الاول القادم, وأصبح يرى بالعيون الجليلة , ويشار إليه بالأصابع الطاهرة, ويتردد اسمه في ممرات المؤسسه وبين جدرانها , ويصبح مرجعية في حل الامور والمعاضل, فيغار منه رئيسه المبجل فيمسي حاقدا عليه, هذا الرئيس الذي غيرته الأيام من طول بقائه على رأس المؤسسه , وانحرف في تفكيره عن نجاح مؤسسته الى تحقيق مآربه الشخصية , بالتكامل والتضامن مع الشلة المقربة إليه , والتي سِمتها الأولى النفاق ومسح الجوخ الذي فرش تحت أقدامه, ويكلفهم رئيسهم هذا بتدبير المكائد وحبك الدسائس , وصنع الخبائث التي لا يرقى تفكير الشيطان لمثلها , فتغيب العدالة برهة وينتصر هذا الشيطان الأفاك , فيقتلع هذا المبدع الكفؤ من جذوره , ليقبع في بيته يمارس الإقامة الجبرية غير المعلنة لعدد من السنين, وينتصر ذاك الذي أحب ذاته وخسر الوطن .

الأولى والأجدر , ألا يخسر الوطن , وألا يذهب ضحية لحب الذات , مثل ما خسر ذاك الأعرابي , صاحب قصة زريق , الذي تناقلت الأجيال قصته ,وأودعوها في بطون الكتب , وأدخلت في المناهج المدرسية في ذاك الزمان الفائت, الذي كنا به أقرب للحكمة والإرتواء منها والعمل بها , قبل أن نغرق بالعصرنة التي لم نقطف من ثمارها الثمر الأكثر نضجا واستواء , وعمدنا الى ما ذبل منها أومرض , فكان لذاك الأعرابي جمل اسمه زريق وكلب وزوجة وابن , فتركهم جميعا وغادرهم بضعا من السنين , بحثا عن اللهووالمتعة فأهمل حياتهم ورعايتهم , فتزوجت المرأه , واستخدم ابنها راعيا , وسرق الجمل وضاع الكلب, وعندما عاد هذا الأعرابي , سأل عن أهله وماله , فحبكوا له القصة الآتية وباختصار , أن زوجته ماتت حزنا على ولدها , الذي مات بعضة من الكلب , ومات الكلب بغصة من عظم الجمل , ومات الجمل من شدة التعب بنقل الماء والحجارة لقبر الزوجة , فخسر هذا الأعرابي بسوء تدبيره كل أسرته وماله, وما كان له حظ اونصيب من قول الحكماء , الأولى لك أن تحترق من كثرة العمل والمثابرة عليه بصبرالمؤمن , من أن تصدأ من كثرة الراحة والاستمتاع بها , فقد آن الأوان لوضع النقاط على الحروف , بشكر المحسن ومعاقبة الفاسد بكل جرأة وشجاعة .

الأولى بنا والأجدر , أن نتألم على الصدق إن فقدناه شعارا للقول والعمل , وأن لا نلهث وراء المنفعة وحب الذات , والحصول عليها بالكذب والغش والخداع والحيل , واغتيال الشخصيات وإبعادها والتجني عليها , بإلباسها ثيابا ملوثة, غير ثيابها المطهرة , التي عبقت الطهر من غزارة المعرفة وشرف الانتماء والولاء للوطن وأهله وعلى رأسهم مليكه المفدى , فالمسؤول الصادق الذي يصدق الوطن والأهل , عليه إن قال لا يتبعها ب(ولكن) ثم يعطي مبررات مرتكزة على الحق والصدق في النوايا , ومخافة الله وحساب الضمير , فلا أجمل ولا أروع من أن تؤدي عملا صغيرا وبسيطا وأنت موقن بعظمة نفعه , فإن نفذت الفكرة الصغيرة الهادفة الى الخير , أفضل من أن نفكر بالكثير من الأفكار والآراء دون أن ننفذ منها شيئا , ويصبح الكلام تنظيرا , والتنظير قاتل للهمم ومفسد للحماس , خائر للقوى وموقف للركب .

عجلة الحياة ماضية لا تتوقف , فلنجعل مضيها عائدا على الوطن بالنفع والخير , فلا شيء مستحيل أمام الإرادة والعزيمة , ونحن نمتلك الكادر البشري القادر والمؤهل على تحمل المسؤولية , ولدينا المناخات الامنية , والإمكانات المتوفرة للنهوض بهذا الوطن حين تصدق النوايا , التي تضعنا على خريطة العالم بوضوح مقروء رغم صغر جغرافيتنا , ولكن بعظمة تاريخنا المجيد , وآثار اجدادنا التليد , وأن تتعاضد المصالح الوطنية ولا تتعارض , وتلتقي معا لتعكس روح النخوة الاردنية الاصيلة المعروفة كأبرز سمة لهم , لنخرج مكللين بالنجاح , دون أن يقصي الرجل بديله الثاني , وتختفي القيادات اللاحقة المعقود عليها الأمل كله بالحفاظ على المسيرة .

حمى الله الاردن وشعبه ومليكه

abeer.alzaben@gmail.com

الدستور