يعود الى عمان بعد أن غيّبه المرض ..ولا يقهر الرجال الا المرض كما يقول علي بن ابي طالب، وقد افتقدناه طويلاً ..كلنا من جلالة الملك عبدالله الثاني الذي أدام السؤال عنه، وأرسل له باقات الورد التي لا أعرف ماذا كتب عليها..واتصالات هاتفية لم تنقطع ..كانت تحط في سمع الباشا عبد الهادي المجالي وعلى فؤاده فتخفف الألم وتبعث على التفاؤل وتشد العزم..
طال المرض وحجب عنا لقياك ولكن الشوق لم يقصر وحتى الذين لم يلتفتوا من الأصدقاء بداية عوضوا عن تقصيرهم بمزيد من السؤال أخيراً ..فغيابك لا ينسي طالما ظل مكانك خالياً بين أهلك وأصدقائك ومعارفك وزملائك في القوات المسلحة والأمن العام والخارجية والوزارات والبرلمانات المتعاقبة فقد كنت تحط من موقع الى آخر لتترك عملاً مخلصاً وعلاقات عميقة وصداقات لا تنمحي في كل مدينة وقرية وبادية ومخيم في الشمال والوسط والجنوب ..
من أين يبدأ محبوك في تذكرك وقد تركت لهم ذكريات وبصمات في لحظات عديدة مررت بها ليعملوا معك وتعمل معهم أو يزاملوك في سفر أو اقامة ..او يدخلوا معك حزبك او ينافسوك على مقعد البرلمان أو رئاسته..
كان أبو سهل كريماً شهماً عفّ اللسان حيياً لا يكشر في وجه أحد يشعر الكثيرين بأنه الصديق الأقرب لهم ...
حين كان جندياً اعطى الجندية مقتضى التزامها وحين كان قائداً فيها ظل على صلة طيبة بمن يقود وما زال كثير من مرتبات الامن العام تذكره وتذكر له دوره في بناء المؤسسية واحترام الوظيفة وهيبتها.. وحين كان يغادر الوظيفة العامة التي أكسبها نموذج الأردني المخلص وتوجه الى العمل المدني ليدخل بوابة العمل الحزبي واجه الكثير من العنت والاحباط ولكنه ظل وفياً للفكرة الحزبية داعياً لها حين كانت الدعوة للعمل الحزبي تصنف في باب المكروه أو ينظر اليها بريبة فكان وجوده على راس حزب سياسي تزكية وعربوناً على ان العمل الحزبي هو عمل وطني اذا التزم بخدمة الوطن وعمل من أجله..فكان من دشن طريق الممارسة وخرج من النظري الى العملي ..
ما زالت قبة البرلمان تتذكرك ويتذكرك من زاملت من النواب فيذكرون خاصية ادارتك وكاريزما تأثيرك وما كنت «تمون» به على الكثيرين حين تتحشرج المواقف ويصعب اتخاذ القرار..لم يكن الباشا يغضب أحداً وان غضب فيبادر الى المصالحة وتطييب الخاطر ويهب لملاقاة الصغير قبل الكبير وهناك أمثلة كثيرة يرويها اولئك الذين تعاملوا معه تحت القبة وفي السفر والترحال عن طيبته وتسامحه وعن مدّ يد المساعدة وقبول الأعذار وعن القدرة على تجميع الآراء وتوحيد الصف بالاقناع والا كيف يستطيع أن يشكل كتلة من (55) نائباً في غياب الاحزاب ليكون البرلمان الخامس عشر كتلته التي لم ينذرها لخدمة مصلحته أو لابتزاز الحكومة أو المزايدة على الآخرين..
عرفته البرلمانات العربية والاوروبية وافسحت له مقعداً قيادياً بين صفوفها فكان رئيس الاتحاد البرلماني العربي طوال عامين 2006/2008 كما حمل عضوية مكتب الجمعية البرلمانية الاورومتوسطية وكان له دور واضح ورأي ملموس ظل الكثيرون يتحدثون به حين نلقاهم في الخارج متسائلين عن غيابه..
قائمة الأوسمة التي حملها طويلة من مصادر عربية وأجنبية ولكنه ظل يفاخر بالأردنية منها ويحسب لمكانتها في نفسه الحساب المتبوع بقصة كل وسام وشهادة..
حتى في الرسائل الملكية اليه حين كان وزيراً للاشغال أو حين كان يغادر مواقعه الى أخرى من قيادة الأركان في الجيش الى قيادة جهاز الأمن العام..ومن الخارجية كسفير مميز للمملكة في واشنطن والتي يعلق الكثير منها في منزله ومكتبه تتميز بخصوصية الخطاب والمضمون والحميمية..
ظلت كلمة «سيدنا» لا تفارق شفتيه او خطابه حتى يكون السياق الذي يجري فيه الحديث يصب في هذا الاتجاه..فقد علمته الجندية الاحتراف وعلمته الاخلاص والطاعة والولاء واحترام مقام الملك واعتباره القدوة ..حتى وهو في اشد حالات المرض كان يدفع عن نفسه الياس بالسؤال عن الأهل والعشيرة والوطن ..عن البرلمان والحكومة والجدل السياسي وعن مسيرة الاصلاح وقانون الانتخاب وعن التعديلات الدستورية ..
كان أول من طرح قبل سنوات قضية دخول الاحزاب الى البرلمان وتشكيل حكومة برلمانية من الاحزاب وان يكون رئيس الوزراء متوافق عليه من ائتلاف أكبر الأحزاب التي تفرزه ليزكيه الملك وقد واجهت أفكاره التي أعلنها كيد البعض من المتنفذين واستنكارهم حين شوهوا هذه الرؤية واستعدوا عليها ..ليثبت لاحقاً صواب ذلك وقد ادعى الكثيرون لاحقاً وبأثر رجعي أن تلك كانت افكارهم رغم حربهم لتلك الفكرة..واتهامهم للباشا أنه كان يروجها..
يعود الباشا لينفض عن جسده المرض ويكشف عن روح وثّابة وارادة لا تعرف ادارة الظهر للعمل العام والمصلحة الوطنية فالرجل هو هو لم يتغير هذا ما يفصح به لسانه وما تقوله عيونه ..انه ابن هذا التراب وهذا الوطن الذي حمل قسماته وما زال يحملها ..فأهلا بعودتك يا أبا سهل وشافاك الله وعافاك...
alhattabsultan@gmail.com

الرأي