قضية الاسعار هي الموضوع رقم واحد على جدول اعمال اية حكومة جديدة، والسر في هذا الاهتمام لا يحتاج الى عبقرية في التحليل والتكهن، فالمسألة على علاقة بالتقرب من الناس وهمومهم وحاجاتهم والتقدم من العامة ببرنامج سهل الفهم والهضم رغم اثبات التجارب السابقة انه ما من حكومة جاءت لكبح ارتفاع الاسعار ونجحت الا عندما لجأت الى الحلول المستعجلة والمؤقتة، لان الاسعار بكل بساطة ليست بمتناول ايدي الحكومات الجديدة منها والقديمة.
رئيس الوزراء د.فايز الطراونه رجل اقتصادي بالدرجة الاولى ويعرف تماما ان الاسعار في الاردن لا تتقرر محليا في معظمها، بل انها في الغالب ترتبط بالاسواق العالمية, ومرة اخرى المسألة لا تحتاج الى تحليلات عميقة ولا الى خبراء في الاقتصاد، فالسلع الحيوية التي يحتاجها المواطن الاردني ويبتاعها يوميا هي سلع مستوردة وتخضع للرسوم الجمركية وللضرائب وبالتالي يتضاعف سعرها قبل وضعها على رفوف المحلات وهذا سر من اسرار واسباب ارتفاع الاسعار.
ولكن ماذا عن البندورة والخيار والكوسا، هل هي مستوردة وتستوفى عليها رسوم جمركية وضرائب..!لماذا اذن ترتفع اسعارها بشكل جنوني، هنا ايضا المسألة واضحة، فعندما يترك المجال مفتوحا للتجار الجشعين كي يتحكموا بسوق الخضار والفواكه، وعندما تفتح ابواب التصدير للمنتجات المحلية بدون تفكير بمتطلبات الاردنيين وحاجات السوق المحلي، اذن لا نستغرب ان يحتكر تجارة الخضار والفواكه في الاردن تاجر او اثنين لا هم لهم غير تحقيق الربح الفاحش ولو كلف الامر وضع الامن الاجتماعي على المحك، وهنا في هذه النقطة بالذات يأتي دور الحكومات الجادة في محاربة ارتفاع الاسعار ومنع الاحتكار والجشع، فالحكومة تستطيع ان تتخذ قرارات استثنائية-اذا اقتضى الامر - لحماية ذوي الدخل المتدني او الفقراء، وللفقراء في الاردن تصنيف جديد، فهم الآن وبعد برامج التحول المختلفة ينتمون الى طبقة واحدة بعد ذوبان الطبقة المتوسطة في الفقيرة، فاليوم بفضل مشاريع التصحيح الاقتصادي على مدار السنوات الماضية اصبح كبار الموظفين في الاردن من ذوي الدخل المحدود..!
في التمهيد لرفع الاسعار، او بالاصح لمواجهة ارتفاع الاسعار يقال على شكل وعود انها لن تصيب ذوي الدخل المتدني والمتوسط، اذن من ستصيب، ومن سيعاني منها، ومن المستغرب فعلا كيف ان المعادلة تبدو غامضة للحكومات وللجهات الرسمية مع انها واضحة تماما، فاذا ارتفعت الاسعار على الاغنياء-وهم القلة التي تملك كل شيء - المجمعات التجارية والمولات ووكالات السلع والبضائع وشركات الادوية والمستشفيات والمستوردات بانواعها، اذن فانهم سيرفعون الاسعار على الفقراء,ترتفع عليهم اسعار الديزل مثلا فيرفعون اسعار الشقق والايجارات وقطع السيارات والتأمينات، ترفع عليهم اسعار الكهرباء فينتقمون من الناس برفع اسعار الملابس وحتى السندويشات، ولا تملك الحكومات عليهم سلطة الا اذا طبقت القوانين واقرت قوانين أخرى لحماية الناس والمستهلكين من الطمع والجشع وفجور بعض التجار..!
هذه الحكومة غير مطالبة بوضع الخطط طويلة الامد لردع جرائم التطاول على القوانين من قبل بعض المستوردين والمنتجين وكبار الوسطاء في اسواق الخضار والفواكه، فهذه مهمة مؤجلة منذ عشرات السنين ولا تملك هذه الحكومة الوقت للدخول في معارك جانبية خاصة وان مهمتها الواضحة والمحددة تقرر عمرها، هذه الحكومة مطالبة بمنع التجاوزات الجديدة وضبط الفوضى بقرارات مستعجلة فالبلد منذ ما يسمى الربيع العربي تعيش حالة من الانتهاكات لا يمكن تركها بدون معالجة سواءا تعلق الامر بارتفاع الاسعار او بفوضى السير او بالبسطات في الشوارع.


الراي