قبل ايام تم حفل المحاربين القدماء بمناسبة تخصيص يوم 15 شباط من كل عام للاحتفال بالمحاربين القدامى والشهداء ..

وبما انه اول احتفال يتم توقعنا امور علمية وتاريخية والاهتمام بتدوين تاريخ المحاربين القدامى وجمع تراثهم والاسهام في النشر والتوعية والتعريف يهم كرجال اسهموا في الحروب وخاضوها بشجاعة .

لكن لم يكن للاحتفال اي صلة بالمحاربين القدامى ،فقد كان بحق يوم مؤسسة المتقاعدين العسكريين تحدثوا عن انجازاتهم ومشاريعهم المادية ولكن لا شيء عن الانجاز التالريخي والمعنوي للرجال المحاربين القدامى والشهداء الابرار ، ولم نستمع لكلمة واحدة من المحاربين القدامى وكانت كلمة دولة رئيس الوزراء معبرة في معناها واستمعنا الى اغنية او نشيد قيل انه خصيصا للمحاربين القدامى على وزن ولحن اغنية معروفة ومشهورة من التراث الفلسطيني والتي يأتي فيها ( ديرتك بعد وجفا .... ديرتنا احسنلك ) وقد ابدع اللوزيين في ادائهم .

في الحقيقة غابت الفكرة التي كان يراد منها في هذا اليوم ، وكان احتفالا بحضور عدد كبير من المحاربين القدامى والمتقاعدين ولكن دون ذكر اي واحد منهم او اي تكريم او استذكار لبطولاتهم ومعاركهم وغيرها ، وحضر الجميع وتناولوا طعاما فاخرا متبوعا بالكنافة اللذيذة واستمعوا لكلمة دولة رئيس الوزراء وكلمة مدير عام مؤسسة المتقاعدين وقصيدة شعرية واغنية وطنية وهم لا يعرفون لماذا تم اختيار هذا اليوم عيدا لهم ولا اية اشارة في الكلمات والافلام او المنشورات لمعنى وسبب هذا اليوم ، او لماذا هم موجودين ولكن مع سرور الجميع لوجود جلالة القائد الاعلى الملك عبدالله الثاني بينهم.

وفي مساء السبت 23 شباط وفي اذاعة محلية متخصصة تذيع لساعتين فقط يوميا استمعت الى تقرير عن هذه المناسبة :
فقد ذكر المذيع ان هذا اليوم 15 شباط هو اليوم الذي خاضت فيه كتيبة الحسين الثانية في 15 شباط 1967 معركة ضد العدو ، وهذا خطا لان المعركة هي في 15 شباط 1968م قبيل معركة الكرامة ، وقال المذيع ان الامير الحسن بن طلال قد زار كتيبة الحسين الثانية بعد عشرين عاما ورأي رجاله وقد علا الشيب رؤسهم وقال كلمته لهم : انتم غرب .... ، والصحيح انها كلمة شهب الشوارب لشواربهم التي علاها الشيب الابيض .

وقال المذيع ان كتيبة حابس المجالي الرابعة في باب الواد قد اسرت اكثر من 200 يهودي ونقلهم الى قاعدة الملك الحسين الجوية في المفرق ، وهذا كلام غير صحيح فقد خاضت الكتيبة الرابعة معارك شرسة واوقعت قتلى في صفوف اليهود واسرت هذه الكتيبة عددا محدودا لا يتجاوز عشرة اسرى هم من الجرحى اليهود بعد فرار وقتل المهاجمين ومن بينهم كان شارون يتخبط بدمائه وتم تسليم الجرحى الى الصليب الاحمر لان اخلاقيات جيشنا العربي كانت احترام الجرحى وتسليمهم للصليب الاحمر فورا (كما روى لي المرحوم حابس باشا شخصيا في لقاء معه في نادي الملك الحسين ) ، وان عدد الاسرى الكبير قد كان في القدس في حارة اليهود على يد عبدالله التل قائد الكتيبة السادسة وتم نقلهم الى منطقة ام الجمال في المفرق وفي معسكر معروف هناك اسمه ( معسكر لاهيا ) وقد قابلت شخصا مسنا من اهل المنطقة رافقنا الى هذا المعسكر وهو يتذكر الاسرى ،هذا المعسكر كان يستخدم من قبل شركة نفط حيفا بغداد ،وتم فيه ابضا حجز الاسرى اليهود من مستعمرة كفر عصيون عدا عد عدد من الأسرى وقعوا بيد المناضلين الاردنيين خاصة بيد مجموعة هارون الجازي ، وايضا لم يكن هناك قاعدة باسم قاعدة الملك الحسين الجوية بل كانت قاعدة جوية بريطانية صغيرة وهي القاعدة الحالية التي حملت هذا الاسم في الستينات وبعد استلام هذه القاعدة من الانجليز بعد عام 1957م وبعد الغاء المعاهدة الاردنية البريطانية اثر تعريب قيادة الجيش العربي عام 1956م .

وليست القضية معان ومصطلحات .. لكن القضية اذا كنا نتعامل مع الاحداث التاريخية بهذه الطريقة فما هو المتوقع من مستقبلنا القادم ؟ اليس لمثل هذا اليوم وظيفة هامة تتمثل بمراجعة التاريخ العسكري وتقديم صور البطولة والاعتزاز لجيلنا الحالي الذي فقد بوصلته ويسير على غير هدى اسيرا للثقافة الغربية والشيطانية وغيرها ؟

اليست فرصة للاحتفاء في كل عام على مدى ايام على شكل محاور نقاش ومراجعات تاريخية ومعارض ومهرجان يشترك فيه الجيش العربي الاردني مع المتقاعدين والمحاربين والقدامى دون ان نلمس ان لدينا مؤسسات مستقلة الاتجاه والتوجه في الاردن الذي اصبح في داخله اكثر من وطن وبلد وانتماء ومواطنة ؟
هل يمكن مأسسة هذا العيد الوطني التاريخي ضمن مؤسسة المتقاعدين العسكريين او غيرها للاعداد المستمر والتخطيط بين عام وعام ليكون عيد الانجاز واحياء البطولة وتعظيم معاني الشهادة ؟

نحن نظلم تاريخنا في كل يوم وعلى مرأى من كل مسؤل ممن يعنيه الامر ، ونخاف حتى من التعامل مع الوثائق التاريخية لاننا نجهل وظيفتها اصلا ونجهل كيف هو السبيل لان نبعث الحياة فيها ونسخرها لخدمة رؤيتنا وحقيقة دورنا التاريخي في كل قضايا الامة العربية ،خاصة في زمن تحطمت فيه كل الجدران والموانع في طرق الوصول الى كل الاسرار والوثائق والحقائق ،، لا اعرف كم من هذا الجيل يعرف وقفتنا مع مصر في العدوان الثلاثي عام 1956 ، ولا وقفتنا مع الكويت عام 1962 ومرابطة قواتنا فوق ارضها دفاعا عن استقلالها ،ولا دورنا في مقاومة الشيوعية والمتمردين في سلطنة عمان عام 1975 ولنا شهداء فوق ارضها ،ولا دورنا في حملات العراق وسوريا عام 1941 ، او قتالنا في حرب تشرين في الجولان ، ناهيك عن معارك القدس وباب الواد والكرامة والسموع وحروب الاستنزاف ، بل ان دورنا الحالي على الواجهة الشمالية هو تاريخ يصنعه رجال الجيش العربي كل يوم ويحتاج الى رصد يومي قبل ان نتعثر في جمع احداثه ونبدأ العمل بأثر رجعي كما هو المعتاد .

كان في حفل يوم المحاربين القدامى عدد لا بأس ممن شارك في هذه العمليات حتى في حرب عام 1948م وهم الشهود عليها ، لكن لم نسمع لهم صوتا ولا قدموا انفسهم او لم يُقدم احد ،وكانت فرصة طيبة وثمينة ان يكون هناك حلقات نقاش تجمع المحاربين بالجيل الجديد ووسائل الاعلام لنرى حلقة نقاش عن السموع واخرى عن الكرامة أو حتى عن دور المحاربين القدامى في تدريب الجيوش العربية الصديقة وغير ذلك وبالتالي يكون هذا اليوم هو مؤتمر سنوي على مدى يومين مثلا تخرج اوراق عمله في مجلد خاص ، وسنجد بعد سنوات ان لدينا تاريخا يسعفنا في بناء الذاكرة الوطنية ويوفر سلاحا ثقافيا علميا يتحصن به الجيل ضد كل اشكال الهجمات ومحاولات التشكيك ، اذا كان الامر سيبقى كذلك وبذات ترتيبات الحفل الاخير فانني اطالب الغاء الاحتفال بهذا اليوم فورا وسيكون قرارا عقلانيا ويكفينا عيد الجيش ويوم الكرامة ، الا اذا كان التوجه ان نعيد قراءة كتاب التوجيه السامي قبل عام تقريبا بتخصيص هذا اليوم للمحاربين القدامى وان نبني عليه لننظم احتفالا علميا موضوعيا يضيف في كل مرة انجازا يرفد تاريخنا الوطني المكتوب في معظمه بعرق ودم جيشنا العربي ..