في سابقة لها دلالاتها الاجتماعية و الثقافية و الوطنية التئمت قبل نحو ثلاثة أعوام مجموعة من شباب عشيرة الغرايبة في بلدة " حواره " لتشكل مجلسا بأسم " مجلس شباب عشيرة الغرايبة " في محاولة أثبتت نجاحها لتأطير العمل الجماعي و لتقديم نموذج " عشائري "استثنائي لكونه غير منغلق و بلا نعرات ضيقة و يحافظ على صيغته الاجتماعية لكنها متحرره من التعصب و الانغلاق الذي تريده جهات داخلية متنوعة لغايات تتعلق بإعاقة تقدم المجتمع و منعه من تطوير رؤاه و بقاءه متنافرا عاموديا و افقيا .

عانت تلك المجموعة من الشباب مخاضات الولادة العسيره و أصرت على حقها ليس بالحياة فحسب لا بل على النمو و الإبداع في خدمة مجتمعها المحلي و تطوير ثقافته و سلوكه و تحفيز طاقاته و أنطبق على تلك النخبة من الشباب مقولة " غاندي" " في البداية يتجاهلونك ثم يسخرون منك ثم يحاربونك ثم تنتصر " !

و قد انتصرت التجربة فعلا و بتجرد ... و كم اشعر بالحرج حينما أكتب عن التجربة مع اني لست عضوا منتظما بالمجلس إنما لكوني استحضر تجربة لشباب عشيرة افتخر اني منهم و انتظرت طويلا ان يستحضرها كتاب اخرين .
عموما تنوعت و تطورت نشاطات المجلس بشكل ينم عن ابداع و إصرار على النجاح , فتارة ينظمون حملة لتجميل شوارع و مداخل البلدة و مقبرتها بعد أن تخاذلت الجهات الحكومية المسؤولة عن ذلك و تارة يُسخرون ديوان العشيرة للقاءات ثقافية و سياسية تجمع المئات و تارة ينظمون احتفالات لتكريم اوائل الثانوية العامة لعموم طلاب البلدة في سابقة تعيد المضافات العشائرية للغايات التي وجدت لها اساسا و هي تجميع الناس لمناقشة امورهم العامة و تدارس احوال البلاد كما كان الامر علية مطلع العشرينات و الثلاثينات من القرن الماضي مثلا و تارة ينظمون حملات لكسوة العيد و الشتاء و حملات اخرى لمساعدة الطلاب المحتاجين من ابناء البلدة مدعومين من اهل الخير و غيرها من النشاطات النوعية الاخرى .

هذه التجربة ليست فريده لا بل – على حد علمي - انها الوحيده في الاردن على الاقل . وبرغم نجاحها الخرافي لم تحظى بالتقدير الذي تستحقه لا رسميا و لا شعبيا . للحقيه اني لا اتمنى لها اي تقدير رسمي تحديدا لان ذلك يعني محاولات تخريبها من الجهات اياها التي لا يروق لها اي نموذج وطني إجتماعي تقدمي و تقف بوجه اي جهد نقي منعا لتطور فكر المجتمع !
العتب على محطات تلفزيونية و صحف و مواقع الكترونية و منظمات شعبية لم تقدم يد العون و لم تسعى للترويج لهذه التجربة الناجحة التي حافظت على تماسكها برغم بعض المنغصات هنا و هناك .

دواعي تجاهل التجربة و نجاحاتها لن يدفع شباب المجلس للتراجع و لا للاحباط لانهم اساسا مدفوعين بنقاء ابناء الريف و بحب العطاء إنسجاما مع انتماءهم و انحيازهم لبلدتهم و وطنهم و يسعون للعطاء لا للأخذ .

بكل الاحوال فأن النموذج الاخلاقي الذي قدمه مجلس شباب الغرايبة في ثلاث سنوات و برغم تواضع الامكانات لم يقدمه مجلس الوزراء بتسعين سنه..استثني منها طبعا " حكومات الشهيد وصفي التل " !