"واقعة آل البيت" .. شياطين أم طلاب؟
20-03-2013 01:39 PM
عمون - إبراهيم قبيلات - اشتعل خبر الفتية الخمسة "المرتدين" من "عَبَدَة الشيطان" في المملكة.. أصبح على واجهات المواقع الإلكترونية، فبدت البلد وكأن لا هم لها إلا الشيطان وأتباعه.
"المرتدون الخمسة" من طلاب "آل البيت" أهدر دمهم، بعد أن قدمهم الإعلام "الوصي" بأنهم الكفرة، لكن اللجنة الجامعية التي أشرفت على التحقيق مع الطلبة تؤكد أنهم ليسوا هم من مزق المصحف، ووضع صفحاته في حمامات الجامعة.
إذا كان هذا صحيحا.. فمن مزق المصحف، وعبث به وأراد أن يشغل الناس بالواقعة التي تم تكييفها قضائيا بتهمة "الإساءة للأديان وإثارة النعرات الطائفية والدينية"؟
عموما، التعبئة كانت واضحة لدفع المجتمع قبل القضاء إلى لفظهم وإقامة الحد عليهم. بينما كانت فتوى التيار السلفي جاهزة. لقد أهدروا دم "عبدة الشيطان"، هكذا من دون محاكمة أو تحوط أو تحقيق.
مصلون
إحدى الشهادات في التحقيق تقول: "إن أحد المتهمين بالانتماء لـ "عبدة الشيطان" كان قد أدى صلاة الجمعة الفائتة". هكذا قال عدد من الشهود، ومنهم موظفون وأساتذة في الجامعة. وفق عميد شؤون الطلبة، د. موسى بني خالد.
كانت تكفي صورة الفتاة التي تخرج لسانها وتلوح بأصابعها بطريقة غريبة، وبقربها شابين يقومان بذات الفعل، ويرتدون الأسود، لتقنع الناس، ومنهم التيار السلفي الجهادي بأنهم عبدة حقيقيون للشيطان"، في حين نظرت جماعة الإخوان المسلمين إلى الواقعة من نافذة سياسية، وفق البيان الذي أصدرته.
استسلم الجميع لرواية الإعلام
في كل الأحوال استسلم الجميع لرواية القبض على "عبدة الشيطان" متلبسين، خاصة وان الرواية كانت تتحدث عن تجمهر أعداد غفيرة من الطلبة حول الحمامات، أو شيء من هذا القبيل، في محاولة منهم للقبض على المتهمين، لكن الأمن الجامعي ألقى القبض عليهم وحال بينهم وبين الطلبة الغاضبين.
والد أحد المتهمين يروي تفاصيل لحظة الاعتداء على ابنه داخل الحرم الجامعي فيقول: "بعد أن حضر ابني المحاضرة الصباحية، داهمه مجموعة من الطلاب وسألوه هل تعرف فلانة وفلان؟ فقال نعم. فصرخ السائل بمن معه: "اهجموا" فهجموا.
لم يكن يعرف الطالب بدر أن صداقته لطلاب في كلية إدارة الأعمال، ستلقي به بين أقدام زملائه، لكن والده يتألم.
"القضية مش مبينة وينها"، يتساءل والد بدر عن الجرم الحقيقي الذي ألقى بابنه خلف القضبان، فلا شهود ولا اعترافات.
هو اعتداء لم تنجُ منه الطالبة رينا، المتهمة بزعامة "العَبَدَة" في جامعة اسمها "آل البيت"، وتنهض وسط محيط عشائري.
والد الطالبة رينا التي اتهمت بقيادة مجموعة عبدة الشيطان يأسف لما حدث لابنته وزملائها، لكنه يأسف أكثر لطريقة تناول الموضوع إعلامياً وما رافقه من فتاوى أباحت دم الطلبة المتهمين، من دون أن تمنحهم حق الدفاع عن أنفسهم، فكانوا لقمة في فم إعلام لا يريد أصحابه أن يبحث عن الحقيقة.
ما يقوله والد المتهمة من تفاصيل "واقعة" آل البيت، أن أحد الطلاب صرخ بزملائه "هي الزعيمة"؛ ثم بدأت حفلة الضرب، حتى أن أحدهم وضع قدمه على رأسها.
الحديث مع والد رينا يكفي لتشعر بحجم القهر الذي يكتنف الرجل، لكنه يضبط نفسه، ويقول : سوء تقدير من الجامعة عمل شوشرة كبيرة لن تقف عند هذا الحد".
آل البيت تشرح
بالنسبة لعميد شؤون الطلبة في جامعة آل البيت، د. موسى بني خالد، فإنه يحمّل وسائل الإعلام مسؤولية ما حدث وإخراج القصة عن مسارها الحقيقي.
لكن ما هو مسار القصة الحقيقي؟ يقول د. بني خالد إن نتائج التحقيقات الأولية التي بدأت منذ أربعة أيام لم تثبت إدانة الطلبة بأي من التهم المنسوبة إليهم.
ويختصر ما حدث مع الطلبة بعد التحقيق بالتالي: الطلاب الذين تم التحقيق معهم لم يشاهدوا أياً من زملائهم يحرق المصحف أو يضعه في الحمامات، بل أن ما اعتمد عليه الطلاب المحتجون من أدلة لا يتعدى مشاهدتهم الخروج من دورات المياه، إضافة إلى سماعهم الموسيقى ولباسهم الأسود والشعر الطويل لبعضهم.
"لباس وشعر وموسيقى"، كانت وراء انشغال الناس لأيام في تفاصيل قضية طلبة "آل البيت"، لكن بني خالد يقول: "الأدلة ليست كافية".
وبحسب بني خالد فإن الإفراج عن الطالب ثامر الزواهرة – وهو أحد المتهمين في القضية، مؤشر على نتيجة التحقيق.
ويحمّل د. بني خالد التيار السلفي الجهادي مسؤولية إضافية، خاصة وان أعضاء التيار بنوا حكمهم على ما نشر في وسائل الإعلام فقط.
بل إن أكاديمي آل البيت يقول: "حتى لو ثبتت التهمة على احدهم فان المطلوب أولا إرشادهم وتوفير البيئة الصحية لهم ولغيرهم من مجايليهم، بدلاً من محاربتهم".
يقول: لم يكلف أحد نفسه زيارة الجامعة أو حتى الاتصال بنا للوقوف على حقيقة ما جرى".
الدكتور بني خالد يحذر من خطورة الإعلام العاجز في نشر للأخبار من دون تقصٍ؛ ما يجرنا إلى دائرة الفتنة وزرع بذور غريبة في قلب المجتمع، حاثاً الجميع على الابتعاد عن السذاجة وكيل التهم للناس الأبرياء، مشيرا إلى أن الجامعة ستصدر بيانا توضيحيا بعد انتهاء التحقيق، وبعيدا عن ضغوطات وسائل الإعلام.
رواية التيار السلفي الجهادي
محمد شلبي الذي يشتهر بلقب أبو سياف، لم يتنصل من تصريحه السابق حول إهدار دم من يحرقون المصحف، ويضعوه في دورات المياه، لكنه ربط الفتوى بما نشر في وسائل الإعلام.
وبعد إخباره بتصريحات عميد شؤون الطلبة في جامعة آل البيت، وعدم ثبات التهم المنسوبة للطلبة، رد قائلاً: "نحن نقلنا رأي أهل العلم في المرتدين ممن قاموا بحرق المصحف ووضعه في دورات المياه، سواء كانوا من عبدة الشيطان أم من غيرهم، من دون أن نقصد شخصا بعينه".
عين قانونية
لكن المرجع القانوني فتحي أبو نصار، لا ينظر للمسألة بصفتها أشخاصا ومتهمين بل في عموم القضية، يقول: بالنسبة إلى واقعة "آل البيت" أن المتهم يبقى بريئا ما لم تثبت إدانته، والإدانة تكون بحكم قضائي قطعي صادر عن محكمة ذات اختصاص، إذا وجد المدعي العام بان الأفعال المنسوبة تكفي بإحالة القضية إلى القضاء، وإن لم يتوفر أي دليل فيقرر حفظ الشكوى؛ إما لأنه لا يوجد شخص متهم أو أن الفعل المنسوب لا يشكل جرماً.
وبين أبو نصار أنه إذا كان الأشخاص الذين تم الاستماع إلى شهادتهم لم يقم الدليل على ارتكابهم الفعل يبقى من حقهم ملاحقة الجهة التي أثارت الموضوع إذا مسهم أي ضرر نتيجة ما اتهموا به، وهذا أيضا مرتبط بقرار محكمة قطعي أو مصادقة النائب العام على قرار المدعي العام.
أما عن مسؤولية الدولة فيقول: "طالما أن دين الدولة هو الإسلام، فإن أي اعتداء عليه هو اعتداء على الدولة والمجتمع".
اليوم، وبعد أن انشغلت الصحفية في تعبئة وقتها وجمهورها، ومضت مواقع الكترونية في توزيع الخبر والفرح بالتعليقات، علينا أن نتذكر أن الخاسر الأكبر في تلك الواقعة هم المتهمون الذين ستبقى خيوط التهمة تلاحقهم إلى "ولد الولد".