من المثير للاهتمام أن أكثر مناطق العالم التي تعاملت بنوع من اللامبالاة والسخرية مع تهديدات كوريا الشمالية بقصف الولايات المتحدة بالأسلحة النووية هي العالم العربي. ما تابعناه من مقالات وآراء وردود فعل عبر وسائل الإعلام الحديثة تشير إلى أننا في العالم العربي إما غير مهتمين بهذه التهديدات أو لا نعتقد بجديتها، وغالبا السبب الحقيقي هو الثاني لأننا سمعنا الكثير مثلها من الأنظمة الشبيهة في العالم العربي.

أي شخص يتابع نوعية الخطاب الإعلامي الكوري الشمالي والمصطلحات التي يستخدمها يجدها شبيهة تماما بخطابات الإعلام الرسمي السوري الحالي وإعلام النظامين العراقي والليبي السابقين. أنظمة استنزفت مواردها المالية في التسليح والفساد وأغلقت الأبواب أمام شعوبها وعاشت في عزلة عن العالم ولم تصمد يوما إلا نتيجة إدعائها بأنها تحارب المؤامرات الخارجية. كوريا الشمالية دولة فاشلة بكل المقاييس يعيش شعبها في مجاعة وفقر وجهل ولا يعرف اي شيء عما يدور في العالم الخارجي بينما نظامها يستمد وجوده من الادعاء الكاذب بكونه يقاوم المؤامرات الاستعمارية.

بالرغم من ردود الفعل الأميركية المرتبكة والتي وصلت إلى حدود عالية من الجدية في التعامل مع الخطر كما اشار وزير الدفاع الأميركي فإن قدرة كوريا الشمالية على تهديد الولايات المتحدة نفسها ضئيلة جدا، ولكن نظاما مبنيا على جنون العظمة والانعزالية قادر بكل تأكيد على إحداث ضرر كبير بالمنطقة المجاورة وخاصة كوريا الجنوبية والجزر الآسيوية القريبة وربما ايضا الصين واليابان مما يجعل خطورة الوضع عالية جدا.

يختلف الخبراء العسكريون في القدرات التقنية لكوريا الشمالية على استخدام اسلحة نووية حديثة ولكن الخوف الأكبر في هذه الحالات هو في حدوث “أخطاء في الاتصال وسوء الفهم” بحيث يمكن لكوريا الشمالية أن تندفع في عمل عسكري أحمق نتيجة تحرك عسكري أميركي أو كوري جنوبي قد يفسر بأنه معاد أو مهدد للنظام الكوري الشمالي. مجرد خطأ واحد في التفسير او قرار مستعجل من الشاب الغر الذي يحكم كوريا الشمالية بالصدفة قد يشعل الدمار ويخلف الكثير من المآسي الإنسانية.

الخطر النووي ليس كبيرا مقارنة باشتعال حرب تقليدية ستكون قاسية جدا نتيجة وجود حوالي 2 مليون شخص في جيشي الكوريتين والكثافة السكانية العالية في شبه الجزيرة الكورية إضافة لتدخل شبه أكيد من قبل الولايات المتحدة وربما حلف الناتو. بعكس الأنظمة الدكتاتورية الأخرى في العالم والتي يمكن “الوصول إليها” بطريقة دبلوماسية لتهدئة الأوضاع والوصول إلى تفاهمات سرية يبقى نظام كوريا الشمالية مغلقا تماما ومحكوما بايديولوجيا صلبة ومن الصعب جدا التفاهم معه.

لدينا في العالم العربي ما يكفينا من المشاكل السياسية والصراعات العسكرية والحروب الداخلية لنقلق على الوضع في كوريا، ولكن ما نسمعه من خطابات من بيونج يانج يشبه تماما ما نسمعه الآن من دمشق وما سمعناه سابقا من بغداد وطرابلس وكل هذه الانظمة خارج التاريخ ولا تجلب إلا المآسي لشعوبها وللجيران. بينما يشعر العالم بتوتر شديد تجاه ما يحدث تبقى المفارقة بأننا نضع السخرية في المقام الأول ربما إدراكا منا بأن مثل هذه الأنظمة لا تؤثر على الولايات المتحدة ولا الاستعمار بقدر ما تجلب الدمار لشعوبها، ومصيرها هو الفشل.


batirw@yahoo.com
الدستور