الله ..ما أشبه اليوم بالبارحة، لكن إرهاصات اليوم أخطر بكثير مما سجله التاريخ العربي، الحزين والمجروح والمنهك والمترنح بأسوأ مراحله على الإطلاق. فنحن نعيش زمن الردة الحديثة، التي عجز عن إدعاء مثلها والذود عن مراميها حتى مسيلمة الكذاب نفسه. بل أيام نزالنا مع « هولاكو» و « ريتشارد قلب الأسد»، أهون بكثير من يومنا هذا ونزالنا مع أنفسنا... الله ما الذي تغير وما الذي يجري..!!..اوليس فينا او منا رجل رشيد...؟ ننظر إلى معول هدم أهم ثلاث حواضر في تاريخ امتنا، بغداد ودمشق والقاهرة، وكأن الأمر لا يعنينا بشيء، والنظام الرسمي العربي غارق في ظلالته وحقده الذاتي والبيني. لقد فرط، هذا النظام، ببغداد، وهاهو يتبعها بالفيحاء وقاهرة المعز لدين الله، وكأننا في عالم آخر.

لقد كنا بالأمس، حتى ونحن نئن تحت وطأة « بساطير» الغزاة، أكثر رجولة ومبدأية وغيرة على أمتنا وقضاياها ومآلات وجودها، بينما نحن اليوم نقتبس سلوك « أبي رغال» «الدنيء»، وثقافة الهروب إلى الأمام، وإصطلاح « خليهم يصطفلوا»، وكأن شرارة الشر والعدوان والقتل والدماء إذا ما أصابت الشام ومصر، لن تصيب عمان والرياض وصنعاء وبيروت ومراكش.

وبما أن المجرب لا يجرب، وبالرغم مما أصابنا من حسرة وندامة، إن سراً اوعلانية، بتفريطنا بالعراق، وطناً وشعباً وتأريخاً ودوراً، وتقديمة على طبق من فضة للمشروع الصفوي. بعد أن أحذتنا العزة بالإثم، وإستبدلنا، الإجتهاد السياسي- الحدودي، والممكن إحتوائه مع مرور الأيام، بعدو وجودي، لا يمكن أن يقبل بأقل من إعادة أحلام كسرى والتعامل معنا بمفهوم العبد والسيد، بل يطمح لأن يجتث فينا حتى أركان عقيدتنا وقيمنا.

فقد تم التضحية بالعدو الوهمي، الحاكم-الفرد-الشخص، وهو قطعاً زائل، لأن أعمار أمتي بين الستين والسبعين، وإستجلبنا العدو الحقيقي الذي سيبقى جاثماً على صدورنا، على الأقل لقرون قادمة. بالرغم من ذلك، فما زلنا غير مدركين لتراخينا في التعامل لما قد ينتج عن الإحتقان والحشد والشيطنة الحاصل اليوم في ميداني رابعة العدوية والتحرير وكل ميادين مصر ونجوعها وأريافها ووجهيها البحري والقبلي.

ألا نستطيع أن نمثل، على الأقل دور المصلحين، وندعوهم إلى كلمة سواء من أجل وأد الفتنة والحوار وقبول الآخر للخروج من عالم الفتنة والدماء إلى رحابة القرابة ووحدة الدم والعقيدة والعيش المشرك، والمواطنة الصالحة، ليس لأجل مصر فحسب، بل من أجل الأمة بأسرها، لأن مصر، بشعبها وجيشها وتاريخا وحضارتها ودورها، بغناها وفقرها، تمثل ذروة سنام الوجود العربي؟؟. إلا نخجل من أنفسنا حينما نبحث في بطون التاريخ ونجد كفار قريش قبل أكثر من خمسة عشر قرناً، كانوا أكثر منا إدراكاً لواقعهم ومستقبل أجيالهم، حينما تداعوا إلى « حلف الفضول» والذود عنه وعن المبادئ السامية التي أسس هذا الحلف الفاضل عليها.

وقطعاً، شتان بين حلف الفضول وما أسس له، وبين جامعة الدولة العربية ومراميها. فبالرغم من « جاهلية « العرب آنذاك و « وكفرهم»، فقد جاء حلفهم من أجل وحدة كلمة قريش ودرء الظلم والدفاع عن المباديء والمصالح المشتركة، وجمع الكل إلى كلمة سواء بمفهوم ذاك الزمان. ، نعم جاء من ذات العرب ولأجلهم ، في حين الثانية، جاءت بمبادرة غير عربية، ومن أجل تجسيد التجزأة العربية وتكريس النزعة القطرية والفرقة السياسية، وإعطاء الشرعية لقتل الإنسان العربي وتدمير مقدراته، والمثل العراقي ليس ببعيد.

وحتى مؤسسة القمة العربية، ما زالت في تيه من أمرها، أين هي وذروة سنام النظام العربي، مصر ، بتأريخها وشعبها وجيشها وحضارتها، بفقرها وغناها، تأن تحت وطأة المجهول، وشيطنة الآخر، ورائحة الدماء والفرقة تطل برأسها البغيض من بين جنبات دروبها وأزقتها. أين عقلاء وقادة الأمة اليوم، أين الحكماء ودورهم من أجل جمع « هابيل» و» قابيل» على كلمة سواء، تحقن الدماء وتحمي الضرع والزرع، وتعيد مفاهيم الأخوة والمواطنة والعيش المشترك لمصر المحروسة، بعيدأ عن نزعة الإستقطاب ...والغالب والمغلوب..والمنتصر والمهزوم.!!! وللحديث بقية.

almajali74@yahoo.com
الرأي