يرحم الله أبو مطيع حكمت مهيار ، يرحل ولكن تبقى ذكرياته خالدة وتاريخه مشرق ومشرف، حكمت مهيار النقيب ( الرئيس ) في حرب عام 1948م والمقاتل في منطقة الخليل ،وقد كان على اتصال مع القوات المصرية المحاصرة في الفالوجة وتولى إمدادها بالماء والمؤن ، وقال لي في منزله على الدوار الثالث تفاصيل مثيرة حول هذا الموضوع ، وأيضا كان يسهب في الحديث عن تاريخ الملك المؤسس عبدالله الأول، ويرغب في الحديث عن شخصيته وقيادته ويتحدث عن ظلم التاريخ لشخصيته ومواقفه، وروى لي قصص سبع محاولات لاغتياله وكان شاهدا على معظمها.

قاد حكمت مهيار الهجوم على مستعمرة كفر عصيون قرب الخليل واحتلها واسر كل المسلحين فيها وتم نقلهم إلى معسكر الأسر في أم الجمال وعددهم 187 أسيرا وكانت معركة كفر عصيون قبل اندلاع الحرب الرسمية في 15 أيار 1948 بأيام قليلة.

أما القصة الطريفة والتي تحمل أكثر من معنى ،فهي ان الأردن قد تلقى دعوة من سوريا عام 1944 تقريبا للمشاركة في احتفالات عيد الجلاء ، وقام الأردن بتجهيز كتيبة متكاملة للمشاركة في الاستعراض العسكري الذي تشارك فيه أيضا دول أخرى ، ولكن سرعان ما جاء الاعتذار السوري عن استقبال هذه الكتيبة بحجة ان الاستعراض العسكري سيكون محدودا وطلبوا إرسال مجموعة لا تزيد عن 30 عسكريا وبأسلحة خفيفة، لكن السبب غير المعلن قد كان خشية سوريا ان تكون هذه الكتيبة طليعة لقوات أردنية لاحقة هدفها احتلال دمشق تمهيدا لتحقيق مشروع سوريا الكبرى الذي كان يخطط له الملك عبدالله الأول.

احترم الأردن الرغبة السورية، وهنا يقول حكمت مهيار: استدعاني الأمير عبدالله الأول آنذاك ، وطلب مني تجهيز مجموعة من الجنود على ان يكونوا بنفس طولك وقيافتك وحجمك وان يتم تدريبهم للمشاركة في هذا الاستعراض. بدأ أبو مطيع تجهيز الجنود واختارهم طوالا بمثل طوله (يصل إلى 190 سم ) ،وجسم جهم ممتلئ ، وجرى تدريبهم بقيادته. يضيف المرحوم أبو مطيع فيقول : غادرنا إلى دمشق ،ووجدنا أنفسنا معزولين ومنعوا الناس من التواصل معنا ، وأيضا كنا قوة صغيرة لا تذكر مقارنة مع القوات العربية الأخرى المشاركة. وأيضا مما أحزننا ان المسؤلين السوريين طلبوا ان لا نرفع العلم الاردني أثناء مسير الاستعراض.

لكن ما الذي جرى يوم الاستعراض؟

يقول أبو مطيع : كان ترتيبنا متأخرا في تسلسل الدول المشاركة ، وكنا مجموعة صغيرة مقارنة مع البقية ، ولكن المفاجأة المذهلة أننا لفانا نظر الجميع بمظهرنا الرهيب وأحجامنا الضخمة ونظام المسير ، وليس هذا الأمر فحسب بل ترك الناس أماكن وقوفهم ورغم الأمن المتشدد وانضموا إلى مسيرنا ، ولكن ما لفت نظرنا أيضا ان الأعلام الاردنية كانت ترفرف بأيدي الجمهور وكنا نسمع الهتافات للأردن وللملك عبدالله.

يضيف أبو مطيع : انتهى الاستعراض وكانت الجماهير الغفيرة وصلت معنا إلى نهاية نقطة العرض، وكانت هناك بعض الدول المشاركة خلفنا لكنها لم تتمكن من المسير لان الجماهير انضمت إلينا وأخذت تسير حولنا وخلفنا ، ثم ليتبين لنا فيما بعد ان ما تم كان بتنظيم من الطلبة الأردنيين الذين يدرسون في دمشق وبقيادة الطالب هزاع المجالي الطالب في جامعة دمشق ، وكانوا على علم بما خططت له القيادة السورية حينها فقاموا بحشد الطلبة وتفصيل الأعلام الاردنية وغير ذلك.

قصص كثيرة يرويها الراحل أبو مطيع ،وستبقى تكتب تاريخ حكمت مهيار ودوره كقائد وشخصية وطنية أسهمت في بناء هذا الوطن المعطاء ،أبو مطيع - وقد اختار لنجله الأكبر مطيع اسما مشتقا من الانضباط والنظام والطاعة وهي قوام الجندية – سيبقى نبراسا لكل من يبحث عن الطريق القويم في خدمة وطنه الغالي .