منذ اندلاع الصراع العربي الإسرائيلي والذي خسرنا فيه كامل أراضي فلسطين ونحن نعاني من سياسات مجلس الأمن ومن خلفه الأمم المتحدة جراء كيلها بمكيالين، ووقوفها باستمرار إلى جانب الطرف المعتدي، وانسحب الأمر على الكثير من القضايا التي تهم الدول العربية بلا استثناء. وبتنا نراها تحرّم على الدول العربية ما تحلله على دويلة المحتل ووقوفها في وجه كل محاولات الدول العربية لاستصدار قرار مهم وملزم التطبيق للمعتدي إلا أننا فشلنا في تحقيق أي سبق يذكر في هذا المضمار، وإن تم ذلك فلا يوجد قوة على الأرض قادرة على إلزام إسرائيل بتطبيق أي قرار لتبقى كل القرارات لا تساوي الحبر الذي كتبت بها.

أسوق هذه المقدمة استهلالا لذلك المكيال الذي بتنا بارعين جدا في استخدامه بعد أن تتلمذنا على أيدي أسيادنا، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمصلحة السواد الأعظم من المواطنين.

بالأمس كان مجلس الأعيان بنفس درجة المحاكاة لمجلس الأمن إن لم يكن أكثر إمعانا وإذلالا للمواطن في قراراته، عندما أقرت لجنته القانونية القانون المعدل لقانون التقاعد المدني والذي بموجبه سمح لأعضاء مجلس الأمة الجمع بين راتبين، وتجاوز الأمر ابعد من ذلك بان منح أعضاء من المجلس السادس عشر رواتبا تقاعدية عن مدة خدمتهم التي بالكاد يتذكر البعض منهم فيما إذا كان عضوا في مجلس الأمة أم لا نظرا لقصر مدتها.

في المقابل وقف نفس المجلس، سدا منيعا أمام التعديلات المقترحة على قانون الضمان الاجتماعي والتي منحت الفتات للسواد الأعظم من المتقاعدين وعائلاتهم الذين يشكلون عماد الوطن والدولة وانحاز مرة أخرى إلى ذوي النفوذ وأصحاب راس المال على حساب الكادحين من أبناء الوطن.

وعندما وافق للمتقاعد المبكر على الجمع بين راتبين وضع اشتراطات تعجيزية يصعب على المتقاعد معها الإيفاء بتلك الشروط أو القبول بها، حيث اشترط نسبا كبيرة للخصم من راتب المتقاعد الذي يرغب في الجمع بين راتبين، متجاهلين أن معظم رواتب المتقاعدين هي دون خط الفقر، وأن من أوصلهم إلى ذلك الخط أو دونه هي الرواتب والامتيازات التي تدفع لكبار الموظفين بما فيهم أعضاء مجلس الأمة بشقيه والسادة الوزراء، وهؤلاء بالأصل ليسوا بحاجة لتلك الرواتب حيث أنهم من كل حدب وصوب يهبشون.

إذا كانت غرفة التشريع في مؤسسة الدولة الأردنية تمارس هذا الكيل بحق مواطنيها، وتنحاز إلى الطبقة التي نهبت ثروات الوطن وأفقرت المواطن، ألا يعتبر هذا كيلا بمكيالين؟ ولماذا نتهم الآخرين بالكيل بمكيالين ونحن غارقون في ممارسته إلى درجة الإسفاف؟

كيف لأعيان الأمة حرمان فئة كبيرة من المجتمع من ابسط حقوقها والانحياز لمصلحة فئة قليلة هي بالأصل ليست بحاجة إلى دعم من أي نوع؟

بقي أن أشير إلى نقطتين اثنتين، الأولى أن رواتب أعضاء مجلس الأمة هي من خزينة الدولة التي هي ممولة بالأصل من جيوب المواطنين الفقراء، بينما رواتب المتقاعدين مبكرا هي حصيلة الاقتطاعات من رواتبهم التي جنوها بعرقهم لا بعرق غيرهم، فكيف بكم تستبيحون أموالنا وتحرموها علينا؟

أما الثانية، وهذه تتعلق بالحاكمية المؤسسية التي تتغنى وتنادي بتطبيقها الدولة بكل مسئوليها وتتغاضى عنها عندما يتعلق الأمر بثلة من موظفيها، فهل يجوز أن يكون واضع القانون ومُقترحة على علاقة بمن يُشرع ويدعم إقرار القانون، وهنا أشير إلى صلة القربى بين مدير عام مؤسسة الضمان الاجتماعي ورئيس مجلس الأعيان.