ما يستحق "وثيقة تنظيم" من وزراء الاعلام ليس ما تبثه الجزيرة والمنار ودبي ...الخ, واقصد تلك التي تقدم برامج جماهيرية تشد اهتمام الجمهور, انما تلك الفضائيات التي تزدحم بها الشاشة الصغيرة بسبب قدرات رأس المال الذي يقف خلفها والتي شرّعت ابوابها امام افكار المحافظين الجدد في امريكا, وربما اموالهم واستثماراتهم من اجل الاستيلاء على عقول الصغار والكبار في العالم العربي.
برامج تروج للاحتلال وتصف المقاومة بالارهاب, سواء في العراق او لبنان وفلسطين, لقد جنّدت امكاناتها واموالها لاقتناص الخبرات الاعلامية العربية وتوظيفها في خدمة احتلال العراق واعتباره نزهة دبابات في شوارع بغداد سوف تُستقبل بالورود, لان الهدف منح العراقيين الديمقراطية والهمبرغر وتحويل شارع ابي نواس الى ما يليق باسمه من مجون!!

هذه الفضائيات غير مشمولة بالتأكيد بوثيقة وزراء الاعلام ولا في اهتماماتهم ودوافعهم لاصدارها, لانها فضائيات تنسجم مع حالة (عولمة الكرامة والسيادة والانتماءات) بمعنى الاستباحة في عملية واسعة لقلب المفاهيم والوعي وتحريف الحقائق, فقوات الاحتلال تسمى قوات تحالف, ورجال المقاومة في فلسطين هم "مسلحون" او "نشطاء" اما عن قنواتهم "المسليّة" فحدث ولا حرج!

الافلام الصهيونية المنتجة في هوليوود اصبحت ملكة الشاشة, من ابطال يجسدون "فضائل اليهودي" الى افلام ومسلسلات عنصرية ضد العرب باسم الحرب على الارهاب. اضافة الى برامج (توك شو) تروج للرذيلة والانحطاط الاخلاقي, من اساليب ممارسة الجنس غير المشروعة الى قصص السفاح العائلي, الى الخيانة بارذل اصنافها, باساليب تزعم بانها تقدم ما تقدم من باب علم الاجتماع وشؤون علم النفس. ومن المعلوم ان مثل هذه البرامج تقدم في امريكا عبر (الكيبلات) وبالاشتراك المنزلي, أما في فضائنا العربي فقد تكرم (الاثرياء) بادخالها الى البيوت العربية مجانا.

ونستغرب, كيف يسمح بعض هؤلاء الاثرياء الذين يعارضون قيادة المرأة للسياراة بان يمولوا برامج في قمة الانفتاح الجنسي وبأحط مفرداته ومترجمة باللغة العربية, وكأننا امام حالة يقدّم فيها النقيض وضده, تهميش المرأة ووأدها حية من ناحية وتدمير الاسرة من خلال تقديم برامج تصلح لمشاهدين من مجتمع لاس فيجاس من ناحية اخرى.

وغير ذلك شكوى نقلها مواطن لـ "العرب اليوم" عن افلام كرتون فوجئ باطفاله وهم يتابعونها مترجمة, واذا بها مليئة بالايحاءات الجنسية, وكان قد خُدع لاعتقاده انها قناة خاصة بالاطفال. ومن المعروف ان الصحافة البريطانية احدثت ضجة كبيرة في الفترة الاخيرة بسبب فيلم كرتوني للاطفال مليء بمثل هذه الايحاءات.

لا اطالب (بوثيقة اخرى) غير التي صدرت في القاهرة, فاسلوب الوثائق والرقابة الجزئية والشاملة اصبحت عقيمة ومن الماضي. وان مواجهة فضائيات (المحافظين الجدد) هي مهمة المشاهدين العرب الذين سيهجرونها حتما بعد ان تسقط اوراق التوت, أما مواجهة وثيقة وزراء الاعلام فهي مهمة الصحافيين والاعلاميين العرب, ومنهم الاردنيون للتصدي لها اذا ما تحولت الى تشريعات او سياسات. أما المشاهدون العرب فهم يعرفون الفضائيات المقصودة (بوثيقة الرقابة الرسمية العربية) وهم سيزيدون اقبالا على مشاهدتها لانها فضائيات قريبة جدا منهم, بقدر قرب فضائيات (الاثرياء) من المحافظين الجدد واحتلالاتهم وافلامهم وافكارهم السوداء.
العرب اليوم.