قد لا يخلو بيت اردني من ضابط صف أو ضابط منتسب للجيش العربي او احد الاجهزة الامنية وهناك حيث ميادين الرجولة والبطولة و الشرف يتعلم المرء الضبط والربط العسكري اذ ان الانضباط الذي يتحلى به منتسبوا جيشنا العربي واجهزتنا الامنية تعد ميزة يفتقدها جل العاملين في الاجهزة الحكومية المدنية .

ومصطلح "معتدل سر" الذي عنونت به مقالتي هذه مصطلح عسكري بامتياز ومعروف للغالبية العظمى من ابناء المجتمع الاردني و ليسمح لي ضباط وافراد الجيش لاستعير منهم هذا المصطلح لا للحديث عن طابورهم الصباحي الذي ينساب بطريقة جميلة اخاذة يرسمون من خلاله اجمل اللوحات وهم يرددون الاهازيج الوطنية التي تحضهم على الحماسة و تزيد من ارتباطهم بالوطن قيادة وارضا و شعبا بل لنتعلم منهم الانضباطية العالية و التفاني و الاخلاص في اداء الواجب و تنفيذه بمهنية عالية و على اكمل وجه دونما تقصير او اخطاء.

ان مقدمتي الطويلة هذه اتت للحديث عن حال و واقع الخدمات التي تقدمها الوزارات والمؤسسات الرسمية فما تلمسه من انظباط و اتقان للعمل في القوات المسلحة وباقي الاجهزة الامنية لا تجده في القطاع المدني الا بالصدفة بعيدا عن العمل المؤسسي الممنهج المدروس الا من رحم ربي و بعض الجهات التي تقدم الخدمة بسلاسة ويسر وانا هنا لن اذكر اي من الجهات الرسمية المتميزة في اداء واجبها حتى لا اتهم انني امتدح جهة دون اخرى و لكنها و لله الحمد موجودة ويجب ان تكون قدوة لباقي الجهات والمؤسسات الحكومية ليسير الجميع على نهجها ويقتفي خطواتها.

ان الترهل الذي نعانيه في كثير من مؤسساتنا و تكدس الموظفين بلا عمل وتقاعس الكثيرين منهم عن اداء واجبهم في خدمة المواطن اضحى سمة عامة لهذا القطاع, و بات المواطن في حيرة من امره امام كم المشاهدات التي يراها والمواقف التي يمر بها و يشهدها كلما دفعه القدر لمتابعة معاملة له او القيام باجراء رسمي ما , يستدعي مراجعة اي من هذه الجهات الرسمية.


فالعبارات الشهيرة التي نسمعها كلما ولجنا الى وزارة او دائرة حكومية نفسها هي هي "راجع المكتب الفلاني" و "اختمها من المكتب العلاني" و " لماذا لم تضع عليها طوابع" و هنا توقن انك مجبر عن البحث عن مكتب بريد تشتري تلك الطوابع اللعينة وتقفل عائدا لاستكمال الاجراءات وتنتهي من هذا الهم لتتفاجىء ان الصندوق (اي المكان المخصص لدفع الرسوم المالية) قد اقفل ومعنى ذلك ان لك زيارة غدا لاستكمال اجراءاتك فتعقد النية على الوصول مبكرا حتى تنجز المهمة دون ان يضيع يومك هناك فتدخل -و كلك ثقة بنفسك- فتجد الاخوة الموظفين يتزاورون و يشربون قهوة الصباح ليقول لك احدهم برجاء الانتظار الى ان نفتح شاشات الكمبيوتر (وانت وحظك لان فتح الشاشات قد ياخذ بعض الوقت الذي يعتمد على مدى صدق ابتسامتك و تعابير وجهك) و لكنك تقنع نفسك ان الوقت لا زال مبكرا وان مزيدا من الصبر امر محبب و جميل في مثل هذه المواقف , وبالفعل تنتهي الامور على خير فلم يبقى سوى توقيع المدير العام او الامين العام ولكن للاسف لن تنهي معاملتك اليوم لان عطوفته في اجتماع خارج الوزارة وقد خرج منذ قليل ولن يعود وعليه يجب عليك ان تراجع في اليوم الثالث للانتهاء من هذه المعاملة.

قد لا اجد قارىء لهذه المقالة الا و قد مر بمثل هذه التجربة وعايشها او سمع بها من صديق او قريب فالى متى سنبقى "مكانك سر" و متى سنرفع شعار "معتدل سر" لمزيد من الانظباط واداء المهام بمهنية عالية وخلال وقت يسير احتراما لوقت المواطن وجهده وماله, اما آن الاوان لذلك.


وهنا لابد و ان نشير الى موضوع الحكومة الالكترونية الذي اشار له جلالة الملك حفظه الله عندما وجه الحكومة اثناء اجتماعه بها قبل فترة وجيزة للانتهاء من مشروع الحكومة الالكترونية بحلول عام 2020م "ودون مماطلة", لان تطبيق مفهوم الحكومة الالكترونية بمعناه السليم يقضي على كثير من الممارسات اليومية للجهاز الاداري المترهل الذي يستنزف وقت وجهد المواطن بشكل يدفع للاستفزاز احيانا من طول الاجراءات وعدم تنظيمها وتبويبها بطريقة تسهل على المراجع الانتهاء من معاملته بطريقة سريعة وسلسة ويسيرة .