facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




كأني أكلت كأني شربت


رمزي الغزوي
02-06-2017 03:55 AM

يسمونها مدينة المساجد والمآذن. وقد لا يبالغ أصدقاؤك إنّ قالوا في إسطنبول ما يقرب العشرين ألف مسجد. وفيها يشدك مسجد السليمانية طويلاً. ويأسرك أكثر المسجد الأزرق برخامه اللافت، ومآذنه الشاهقة، وأعمدتهة الأربعة الضخمة التي تحمل قبابه البديعة.
ثم تقول للأصدقاء خذوني إلى منطقة الفاتح، لا لأتأمل وأسترجع مشهد القائد العظيم محمد الفاتح، إذ يحمل قواربه الحربية براً من مدخل مضيق البسيفور، ويتسلق بها الجبال الوعرة والغابات، حتى يصل شواطئ القرن الذهبي، ليباغت القسطنطينية التي استعصت لقرون، فيدكها لتخضع له. فهذا المشهد القوي والعنفواني قد سجلته بتفاصيله المدهشة كتب التاريخ وأسهبت فيه.
بل أريد منطقة الفاتح، لأتأمل مسجداً صغيراً يحمل اسم (صانكي يدم) بالتركية، ومعناها في اللغة العربية: كأني أكلت. ففي هذه المنطقة عاش خير الدين أفندي، الرجل الزاهد الذي عرف كيف يشكم جموح نفسه، ويكبح عنانها، فحينما كان يمشي في الأسواق، وتتوق نفسه لشراء فاكهة أو لحم أو حلوى، يقول: صانكي يدم، يعني كأنني أكلت، ثم يضع ثمن ذلك الطعـام الذي كان ينوي شراءه في صندوق خاص ويدخره.
وتمضي السنوات، وهو يكفُّ نفسه عن لذائذ الأكل والشراب، ويكتفي بما يقيم أوده. وحين يفتح صندوقه، يبني هذا المسجد الصغير، ولما عرف الناس بقصته وطريقة جمعه للمال أطلقوا عليه: مسجد (صانكي يدم)، وما زال ماثلاً للعبرة والتأمل.
سأحلم قائلاً: لا نريد من أحد بناء مسجد بهذا الطريقة، لأنه لا يستطيع في هذا الزمن الغالي، كما أن لدينا مساجد كثيرة، تُبنى بأيادي الناس الخيرة، والحمد لله. ولكني أقف طويلاً عند معاني (صانكي يدم) وفكرتها، وأتأمل حجم الأموال التي يمكننا جمعها وإدخارها بهذا المبدأ الإنساني الراقي السامي على الصعيدين: الشخصي والعام.
فأن نختصر طعامنا على قدر حاجتنا، ونوفر بعض المال، ونقول: صانكي يدم، أو كأننا رمينا الكثير منه في حاوية القمامة، عقب الإفطار خصوصاً، أو أن نختصر من سهراتنا الباذخة ونقول: كأننا سهرنا. فكم سنجمع لو اقتصرنا بعضاً من بذخنا الزائد فوق حدود التصور؟!.
أتخيل حديقة عامة يقيمها مسؤول كبير باسم (كأنني سرقت) مثلاً، أو مدرسة باسم (كأننا أقمنا ولائم مدججة بآلاف المناسف)، أو جسر مشاة باسم (كأننا طلعنا فاردة)، أو جامعة باسم (كأننا أرجعنا مال الدولة المنهوب)، أو مظلة في الشارع باسم (كأنني اشتريت هاتفا ثانياً). أو مكتبة عامة باسم (كأننا أطلقنا عيارات نارية).

الدستور





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :