facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




شبح ثيربانتس .. السافر


27-02-2019 07:53 PM

عمون - لا يختلف المؤرّخون وعلماء الإثنوغرافيا الغربيون والعرب على اعتبار كتاب «طوبوغرافيا وتاريخ الجزائر العام» (1612) مرجعاً فريداً من نوعه من حيث شمولية ودقّة النظرة التي يلقيها صاحبه فيه على المجتمع الجزائري خلال نهاية القرن السادس عشر، وثرائه بالمعلومات عن عادات وأخلاق أفراد هذا المجتمع، وعن تاريخ باشاوات إيالة الجزائر آنذاك.

لا يختلف المؤرّخون أيضاً على نسبة الكتاب إلى الكاهن البندكتي والمؤرّخ الإسباني فراي دييغو دي هايدو، مرتكزين في ذلك على الترجمة الفرنسية التي وضعها أدريان بيربروغر له عام 1870. لكن ماذا لو أن دي هايدو شخصية خرافية ابتكرها الكاتب الإسباني الكبير ميغيل دي ثيربانتس لتوقيع هذا الكتاب، وأنه هو من وضعه، إذاً، أثناء سنوات أسره في الجزائر؟ فرضية صاعقة طرحتها حديثاً مواطنة ثيربانتس، فْرِيد رومانو، ونجحت برأينا في إثباتها، في مقدّمتها للترجمة الفرنسية التي أنجزتها لهذا المؤلَّف وصدرت عن دار «مِنهير» الفرنسية.

تقصٍّ
وتجدر الإشارة بدايةً إلى أن رومانو ليست مؤرّخة أو باحثة جامعية، بل كاتبة. وربما لذلك لم تنل فرضيتها بعد الاهتمام الذي تستحقه. لكن منذ صباها، تكرّس وقتها للبحث والتقصّي حول تلك التفاصيل الصغيرة والمثيرة للحياة التي تشكّل مصدر وحيها الرئيس. وهذه التفاصيل هي التي وضعتها على درب الكتاب المذكور، ضمن ظروف مدهشة لا بد من التوقف سريعاً عندها. ففي مطلع عام 1997، اشترت رومانو من (سوق البرغوث) في برشلونة خاتماً بعشرين بيزيتا (0,2 يورو) تبيّن لها لاحقاً أنه مصنوع من ذهب وألماس ويعود إلى القرن السابع عشر. وحين اكتشفت أن صاحب هذا الخاتم الأول قرصان إسباني كان يعيش آنذاك في مملكة الجزائر، بدأت بحثاً عن مصادر تاريخية حول تلك الحقبة قادها إلى مكتبة كاتالونيا، حيث نصحها أحد الموظفين بقراءة كتاب أُنزِل خلال دكتاتورية فرانكو من الرفّ الذي كان موجوداً عليه داخل المكتبة ورُمِيَ في مستودعها المرصود للكتب «غير المهمة»، بسبب مضمونه.
هكذا وصلت النسخة الأصلية الوحيدة المتوافرة من كتاب «طوبوغرافيا وتاريخ الجزائر العام» إلى يد رومانو. نسخة تبيّن لها بسرعة أن التاجر إيزيدري بونسوم سيكار اشتراها عام 1900 خلال واحدة من رحلاته إلى أفريقيا الشمالية. ومع أنها تحمل توقيع فراي دييغو دي هايدو، لكن لدى قراءتها، وقعت الكاتبة على إشارات وقرائن كثيرة داخلها لا تثبت فقط أن هذا التوقيع مزوَّر، بل أيضاً أن المؤلِّف الحقيقي لهذا العمل هو ثيربانتيس بالذات. ففي فاتحة الكتاب مثلاً، لا يهزأ كاتبه من دي هايدو هذا فحسب، وذلك بحسّ الطرافة الذي يميّز أسلوب ثيربانتيس، بل يذهب أيضاً إلى حد كشفِ ابتكاره اسم هذا الكاهن الخرافي انطلاقاً من اسم كاهن حقيقي تمكّن من أن يصبح رئيس أساقفة باليرمو، وجَعْلِه منه حفيداً لهذا الأخير ورئيساً لدير فروميستا. وللتأكد من هذه المعلومة، زارت رومانو مقبرة عائلة دي هايدو التي تقع في مقاطعة باسكاي الإسبانية، تماماً كما تشير إلى ذلك الفاتحة المذكورة، وعثرت فيها على قبر رئيس أساقفة باليرمو، لكنها لم تجد أي أثر لحفيده المزعوم دييغو، بما في ذلك داخل سجلات الكنيسة. والنتيجة نفسها كانت تنتظرها في بلدة فروميستا، حيث نفت بلديتها وجود أي دير بندكتي فيها آنذاك، وهو ما أكّدته لاحقاً لها الرهبنة البندكتية.

قرائن
ومن القرائن الأخرى التي تذكرها رومانو وتعزز فرضيتها، تلك التلميحات الغزيرة في النص إلى «el obispillo» و»la maya»، وهما تقليدان كاثوليكيان يعودان إلى منطقة كاستييا لا مانشا، موطن ثيربانتس، ولا أثر لهما في بلاد الباسك، موطن عائلة دي هايدو. هنالك أيضاً الخطأ المتعمَّد في تاريخ معركة «ليبانت» (1571) التي تعتبر الكاتبة أنه من المتعذّر على أي أسير مسيحي في الجزائر آنذاك جهل تاريخها الحقيقي لكونها أكبر معركة بحرية عرفها التاريخ، ووحده أحد أبطالها يمكنه ادّعاء هذا الجهل، علماً أن الكاتب يفسّر في ما بعد الخطأ المذكور بالعبور آنذاك من التقويم اليوليوسي إلى التقويم الغريغوري المعتمَد إلى حد اليوم. هنالك أيضاً أخطاء النحو الجسيمة في الفقرات الواردة باللاتينية والتي لا يمكن أن يقع فيها كاهن كاثوليكي مثقّف (دي هايدو)؛ أخطاء ترى رومانو أن مؤلّف الكتاب تعمَّدها بدهاء من أجل دفع القارئ الفطن إلى التشكيك في هوية الكاتب المزعوم والبحث عن المؤلّف الحقيقي. هنالك أخيراً ـ وليس آخِراً ـ تلك الوقفات المتكرِّرة عند الأشياء التي كانت تعتبرها محاكم التفتيش في إسبانيا هرطوقية وقادت عشرات الأبرياء إلى المحرقة، مثل كتاب حسن الوزّان «تاريخ إفريقيا»؛ أشياء لا يُعقَل أن يستحضرها كاهن كاثوليكي، بل شخص كان يهاب الوقوع في يد هذه المحاكم لأسباب منطقية، مثل ثيربانتس.
ولأن «طوبوغرافيا وتاريخ الجزائر العام» يتضمن مقدّمة مديحية وضعها له ملك إسبانيا فيليب الثالث بنفسه، تعتبر رومانو أن ما حثّ هذا الملك على كتابة هذه المقدمة، أكثر من قيمة هذا الكتاب وطابعه الاستثنائي، هو هوية كاتبه الحقيقية التي لم يكن يجهلها وشعوره بدين تجاهه. وفي هذا السياق، تذكّر رومانو بأن ثيربانتس ـ وليس دي هايدو ـ هو الذي شارك في معركة «ليبانت» وأصيب خلالها بجرح بليغ وهو يدافع عن صهر الملك المذكور، خوان النمساوي، وهو أيضاً الذي وقع في الأسر، وأمضى خمس سنوات سجيناً في مدينة الجزائر كتب خلالها هذه «الموسوعة» عن خاطفيه، ضمن ظروف فريدة من نوعها على المستوى الأدبي، بهدف تمرير وقته بعملٍ يومي ثمين، وبالتالي منح نفسه القدرة على تحمّل ظروف أسره الصعبة.
أما لماذا لجأ ثيربانتس إلى اسم مستعار لتوقيع كتابه، حين دفع فيليب الثالث فديته وعاد إلى إسبانيا، فلأن الموت حرقاً على يد محاكم التفتيش كان يتهدّده في وطنه، نظراً إلى مضمون هذا الكتاب الذي يروي فيه تردّده على المساجد في الجزائر ومناقشته علماء مسلمين، الأمر الذي يعني أنه كان قد اعتنق حتماً الإسلام. وفي هذا السياق، تذكّر الكاتبة بالمحاولات الفاشلة الأربع التي قام ثيربانتس بها للإفلات من أسره وكان من المفترض أن تكلّفه حياته في الجزائر لولا أسلمته. تشير أيضاً إلى أن «سيدي حامد بن الجيلي» هو في الواقع اسمه المسلِم، وإلا لما نسب رائعته الأدبية الشهيرة «دون كيخوته» إليه، في جزئها الثاني. وفي حال أضفنا على مضمون كتابه الخطير وأسلمته أصوله اليهودية (من أمّه) التي كان يمكن وحدها أن تقوده إلى المحرقة في إسبانيا آنذاك، لتبيّنت جميع الأسباب التي دفعته إلى عدم توقيع هذا الكتاب باسمه، ولكن أيضاً إلى بعثرة إشارات وتلميحات داخل نصّه ترشد القارئ الفطن إليه.. وإليه وحده.

فضيحة
لكن ماذا عن الترجمة الفرنسية التي أنجزها أدريان بيربروغر لهذا المؤلَّف بالتعاون مع أ. مونرو، وشكّلت منذ 1870 مرجعه الوحيد؟ ترجمة أعادت دار «بوشين» الجزائرية نشرها عام 1997. في نظر رومانو، يشكّل هذا العمل فضيحة لأسباب عديدة، أبرزها: حذف بيربروغر الفصلين الأولين من الكتاب لتضمّنهما عناصر تبيّن استحالة أن يكون الكاهن دي هايدو كاتبه؛ إدخاله تعديلات غزيرة عليه لا تفقده فقط الكثير من قيمته، بل تجعل أيضاً من المستحيل التعرّف إلى أسلوب ثيربانتس المميَّز والواضح في النص الأصلي؛ عدم احترامه حتى عنوان الكتاب الذي هو في الواقع «طوبوغرافيا والتاريخ العام للجزائر»، حيث نجد حالات غريبة، إماتات مخيفة وعذابات متقنة»؛ إقدامه على إضافة تفاصيل من ابتكاره، كمدينة إيكوسيوم التي لا وجود لها في النص الأصلي ويفتخر المترجم الفرنسي باكتشافها...
أما كيف يمكن تفسير تشويه بيربروغر الكتاب في ترجمته إلى حد تجريده من جميع التفاصيل والقرائن التي تركها ثيربانتس داخله كتوقيع خفي له، فتعتبر رومانو أنه من المستحيل أن يتعلّق الأمر بأخطاء طيشٍ أو رعونة غير متعمَّدة في الترجمة، وذلك لأن بيربروغر كان عالِماً في اللغات وواضع قاموس فرنسي ــ إسباني. لكن حين نعرف أنه كان أيضاً السكرتير الخاص للكونت دو كلوزيل، قائد الجيش الفرنسي في الجزائر والمدافع عن فكرة الاستعمار المحضِّر للشعوب «المتخلِّفة»، وأيضاً مؤسٍّس مكتبة الجزائر التي تمت تغذيتها بالكتب التي نهبها الجيش المذكور بشكلٍ منهجي في إفريقيا؛ نفهم دوافعه. فمن خلال ترجمته، المشوَّهة عمداً في نظر رومانو، أراد بيربروغر تسيير رسالة مفادها أن السديم كان يطغى على الجزائر، ولحسن حظ أبنائه «البرابرة» وصلت فرنسا في الوقت المناسب لنقلهم إلى الحضارة. بعبارة أخرى، يتعلّق الأمر بمحاولة خبيثة لإعادة كتابة تاريخ الجزائر بطريقة تم فيها تجريد الجزائريين من ثقافتهم الخاصة وتصويرهم كشعبٍ كان «معلّقاً في أحلامه» إلى حين وصول الفرنسيين.
وكي لا تنكشف حقيقة ما اقترفه بيربروغر في هذا الترجمة، تذهب رومانو إلى حد الاعتقاد بأنه هو الذي باع النسخة الأصلية الوحيدة المتوافرة من «طوبوغرافيا وتاريخ الجزائر العام» إلى التاجر الكاتالوني إيزيدري بونسوم سيكار، أي تلك التي وصلت إلى يدها بالمصادفة، وإلا فأين النسخة التي اشتغل عليها، ولماذا توارت من المكتبة التي أسّسها بنفسه في الجزائر وبقيت ترجمته فقط حاضرة فيها كمرجع وحيد لهذا الكتاب؟
طبعاً، لا تقتصر تساؤلات رومانو المبلبِلة والاستنتاجات المثيرة التي توصّلت إليها لدى دراسة النسخة الموجودة في مكتبة كاتالونيا ومقارنتها بترجمة بيربروغر لها، على ما اكتفينا بذكره هنا. ولا بد من الاطّلاع عليها جميعاً لإدراك قيمة فرضيتها وفهم ما دفعها إلى إنجاز ترجمة فرنسية جديدة وأمينة لـ «طوبوغرافيا وتاريخ الجزائر العام». ترجمة أرادت من خلالها إعادة إلى ثيربانتس حقوقه ككاتب على هذا العمل، إيصال إلى الجزائريين ما كتبه فعلاً فيه حول تلك المرحلة من تاريخهم، ومنح قرّائه والمتخصصين في أدبه وسيرته كتاباً مجهولاً له يتضمّن مفاتيح كثيرة تساهم في فهم «مغامرات دون كيخوته» ومغامرة حياته ككُلّ.

المغامر
ميغيل دي ثيربانتس سابيدرا جندي وكاتب مسرحي وروائي، شاعر إسباني ولد في ألكالا دي إيناريس، مدريد، إسبانيا في 29 سبتمبر 1547. يعد إحدى الشخصيات الرائدة في الأدب الإسباني على مستوى العالم، واشتهر عالمياً بعد كتابة روايته الشهيرة «دون كيخوته دي لا مانتشا» بين عامي (1605 - 1615)، التي تعد واحدة من بين أفضل الأعمال الروائية المكتوبة قبل أي وقت مضى، واعتبرها الكثير من النقاد بمثابة أول رواية أوروبية حديثة، وواحدة من أعظم الأعمال في الأدب العالمي.
قامت إسبانيا بتكريمه واضعة صورته على قطعة الـ50 سنتاً الجديدة. وكان لثيربانتس تأثير بالغ على اللغة الإسبانية، حتى أطُلق عليها لغة ثيربانتس. وكان يطلق عليه لقب أمير الدهاء. وبالمثل جاءت جائزة ثيربانتس التي تحمل اسمه بمثابة تكريم له على عمله دون كيخوته الصادر باللغة الإسبانية، والذي تناول شخصية مغامرة حالمة تصدر قرارات لا عقلانية. وقد تركت حياة ثربانتس الحافلة بالأحداث أثراً بليغاً في أعماقه، وتجلى ذلك في طغيان روح السخرية والدعابة على أعماله.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :