عندما يهاجم مئات الجنود المدجّجين بأحدث أنواع الأسلحة والعتاد ووسائل الرصد والتعقب شابّاً معه بندقية وبضع رصاصات ويتمكنون من اغتياله، فلا يمكن أن يعدّ ذلك انتصاراً لهم وهزيمة لهذا الشاب.

وعندما ينقضُّ حشدٌ من العساكر الحاقدين على طفلةٍ تسير في الشارع فيردونها قتيلة تحت ذريعة أنّها تحمل سكيناً حاولت طعن أحدهم بها، فليس ذلك انتصاراً لهم ولا هزيمة لها.

وعندما تقتحم عشرات الآليات والمصفحات والعربات العسكرية مخيّماً للاجئين وتقتل وتجرح وتعتقل شبابه العزل، فلا يمكن بأيّ حال أن يعدّ ذلك انتصاراً للمهاجمين وهزيمة لأبناء المخيم.

وعندما تهاجم عشرات الطائرات الحربيّة المحمّلة بالصواريخ الحاقدة من كلّ نوع ولون وحجم تجمّعاً سكنياً لا يكاد أهله يجدون الخبز وماء الشرب، فتدمّر أحياء كاملة منه، فلا يجوز أن يقال عن ذلك بأنه نصرٌ للمهاجمين وهزيمةٌ لمن وقع عليهم الهجوم.

وعندما تقوم دولة باحتلال أجزاء من دولة أخرى مجاورة أو غير مجاورة بالحيلة والخداع والتآمر والخيانة واستغلال لحظات ضعف الخصم أو انشغاله أو مرضه بعد معركة صورية مفتعلة، فلا يمكن أن ينظر إلى هذا الحدث بوصفه انتصاراً للمحتلّ وهزيمة لمن وقع عليه الاحتلال.

إنّ للنصر والهزيمة شروطاً لا يجوز الحكم على دولة أو شعب أو أمّة بأي منهما دون تحقّق هذه الشروط، وأهمّ هذه الشروط أن تقع مواجهة بين طرفين متكافئين في قوتهما وتسليحهما، ذلك لأنّ من يتفوّق في سلاحه وعتاده وقوّته يستطيع في أغلب الأحيان أن يتغلّب على خصمه الضعيف.

إذ ليس من الصواب أو العدل أن يعدّ تغلّب دولة كبرى نووية مثلاً على شعب مجرّد من كلّ سلاح انتصاراً لها على ذلك الشعب. قد يسمى ذلك غلبةً أو سيطرةً أو احتلالاً أو أيّ مسمىً آخر لكنه لا يجوز أن يسمى انتصاراً.

ومثلما يشترط تكافؤ القوى وقيام مواجهة حقيقية يشترط كذلك أن لا يتحقق هدف أحد الطرفين عن طريق الابتزاز والاحتيال والمخادعة والخيانة وما إلى ذلك من الطرق غير الشريفة، فلا يمكن أن يعدّ ذلك انتصاراً لمن يغلب عدوه بهذه الوسائل، ولا يمكن أن يعدّ هزيمة لمن تمارس ضدّه هذه الوسائل.

والذي أراه إلى جانب ذلك أنّ الهزيمة قرارٌ ذاتيّ، فقد يتمكّن العدوّ منك ويحتلّ أرضك، لكن ذلك لا يعدّ هزيمة لك ما دمت لم تقرّر أن تكون مهزوماً حتّى وإن لم يحقّق العدوّ نصراً عليك. كما أن أبلغ أنواع النصر هو ما يحققه الطرف الضعيف الأقل تسليحاً على الطرف الأقوى والأكثر تسليحاً.

ولذلك فإنّ كلّ خسارة في الأرواح أو الأراضي أو الممتلكات لا تعدّ هزيمة، كما أنّه ليس كلّ احتلالٍ أو قتل للخصوم يمكن أن يسمّى انتصاراً.

salahjarrar@hotmail.com

الرأي