facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




على هامش الاحتفال بعيد العمال


أ.د. جهاد حمدان
03-05-2019 02:26 AM

عدت للتو من فعالية مهمة نظمها الملتقى الوطني للأحزاب والقوى القومية واليسارية الأردنية. سأخط هنا جانبا يسيرا من انطباعاتي وما تركته هذه الفعالية من أثر عميق في نفسي.

تجمّع المشاركون أمام مكتبة الأمانة وسط العاصمة عمان. بسرعة وجدت نفسي ورفيقي الذي يشاركني الكدح بذهنه في عالم الأكاديميا وسط المشاركين بل أقرب إلى المقدمة. الرايات الحمراء ترفرف فوق الرؤوس فتملؤني زهوا. كيف لا وهي من جادت عليّ فأعطتني لونها وأنا لم أكمل السادسة عشرة. أما الهتافات فتركزت حول التخلص من سطوة رأس المال وسن قانون عمل يحمي حقوق العمال ويزيل ما لحق بهم من ظلم علاوة على المطالبة بفك الارتباط مع صندوق النقد الدولي. ولكن الهتاف الأكثر أصالة وامتدادا في تاريخ النضال الوطني والطبقي في الأردن فكان "خبز ... حرية... عدالة اجتماعية". وأكاد أجزم أن هذا الهتاف ... الشعار هو ما حرّكني شابا لأراني كما أنا اسما ولونا.

تحرك المشاركون وصولا إلى الساحة الهاشمية وتوالت الهتافات وتبعتها الخطابات. لحظتُ رفاقا وأصدقاء قدامى حييت إيماء من لم أجاورهم الوقوف وصافحت من وجدتني بجانبهم. موقف واحد شدّني ولم أستطع منه فكاكا.
وقع نظري مرة واحدة هكذا على شيخ كبير يرفع راية حمراء كبيرة تحمل المطرقة والمنجل، ثبّت ساريتها في وسطه علّ حزامه يساعده على إبقائها مرفوعة خفاقة أطول فترة ممكنة. لفتّ انتباه رفيقي إلى هذه المشهدية وسألته كم تقدّر عمر الشيخ فقال أظنه ناف عن التسعين.

ما الذي حمل هذا الشيخ الأحمر الجليل تجشّم مشاق النزول إلى وسط البلد ووصول مكان الفعالية والانضمام إلى جموع المشاركين؟ بل ما الذي حمله ليذهب إلى الشاب المسؤول عن الرايات ليأخذ راية كبيرة قد يخذله جسمه النحيل فلا يتمكن من الوفاء بمتطلبات احتضانها ورفعها عاليا لمدة قد تطول أو تقصر؟ لم أشهد كامل هذا السيناريو الذي حاكه مِخيالي لكنني أظن انّ الشاب الذي ناوله الراية لم ينبس بكلمة قد تجرح كرامة الشيخ فتشعره بضعفه الجسدي. وربما كان مثلي يرقبه عن بعد معجبا بصنيعه ويريده أن ينجح في مهمته.

لم يشهد إرنست همنغواي ما شهدْتُه عندما كتب رائعته الشيخ والبحر. كان سانتياغو في عمر شيخنا عندما عانده البحر أربعة وثمانين يوما. يمتطي مركبه مع أنفاس الصباح الأؤلى ويعود بعد أن يرخي الليل سدوله دون أن يصطاد سمكة واحدة. لم يسمح لليأس أن يتسلل إلى قلبه وعزيمته. فتابع ركوب البحر ليلْحَظ ابتلاع سمكة عملاقة لخطافه. تحاول السمكة الفكاك ... تتمرد على حظها ... تجرّب قلب القارب وسانتياغو يكافح إلى أن ظهرت إلى السطح فيطعنها بحربته فتهدأ ويربطها إلى قاربه. ويبدأ رحلة العودة مزهوا بانتصاره. ولكن فرحته لم تكتمل فرائحة الدم حرّكت شهوة أسماك

القرش فأخذت تنهش حلم سانتياغو ... سمكة المارلين العملاقة. واستمر الصياد في رحلة العودة. وعندما وصل كان الفجر قد بزغ. ويا لهول المفاجأة. لم يبق من السمكة إلا هيكلها العظمي. نظرها سانتياغو بألم وحسرة. غلبه التعب... ركن قاربه ونام. فموعده الغد في رحلة كفاح جديدة.

عودة إلى شيخنا الأحمر. فعقده التاسع ينبيء أنه من عمر الرايات الحمراء في بلادنا. ربما رفعها أول مرة في نيسان ١٩٥١ وربما قبل ذلك. وربما شارك في رفعها في فعاليات انتخابات ١٩٥٦ التي حملت اثنين من رفاقه إلى سدة البرلمان ... يعقوب زيادين وفايق ورّاد ... وأتت بحكومة سليمان النابلسي التي عبرت عن رغبة الشعب في بناء أردن ديموقراطي وفي الخلاص من التبعية الأجنبية. ولم تطل فرحة الشيخ فأطاحت أسماك القرش بحكومة الشعب. ربما كان شيخنا بين من سيقوا بعدها إلى سجن الجفر الصحراوي حيث قضى حملة الرايات الحمر ثماني سنوات متصلة. ومن يدري فقد يكون شيخنا ممن أعادوا رفع الراية في هبة نيسان ١٩٨٩. ولكن مكتسبات الهبة لم تطُل. وعادت أسماك القرش لتنهش المكتسبات فأتت ببدعة الصوت الواحد وتراجعت الحرية والديموقراطية. لم ييأس الشيخ. ظلّ صامدا تعلو الراية هامته حتى انتهاء الفعالية. غادرْتُ المكان ولم أعرف اسم الشيخ ولم أحادثه، لكنه صنع لي مساء جميلا رائعا. خِلْتُه قال لي وهو يبتسم دون أن يعرف اسمي ودون أن يراني: أجل ... ما زلنا نقبض على الحلم، ما هُنّا يوما ولن نهون. وأراني رددت تحيته وقلت له شيئا يشبه ما أنهى به سانتياغو يومه الصعب: قد تتباطأ خطواتنا ونخسر بعض معاركنا لكن لا شيء في هذا العالم قادر على قهرنا وهزيمتنا.

كل عام وعمّال بلادنا بألف خير





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :