تشير الدراسات والإحصائيات إلى أن الاردن يحتل المرتبة الأولى عربيا من حيث التعليم والثقافة، وكذلك مرتبة متقدمة جدا على المستوى العالمي في هذا المجال، أما المشكلة أو الطامة الكبرى هي أن ذلك التقدم لا نلمس نتائجه على أرض الواقع ولا يكاد يؤدي ألى تحسين الظروف المعيشية الصعبة التي يتعايش معها معظم حراثي هذا البلد، السبب في ذلك هو تضارب المصالح وتقاطعها بين العلم والثقافة وبين الممارسات الفعلية على أرض الواقع.

أسوق هذه المقدمة الطللية بعد النتيجة التي حصلنا عليها على مقياس منظمة بيت الحرية Freedom House ( 6 من 7 درجات)، حيث حمدت الله كثيرا ولم أصدق أن أحدا يتفوق علينا تخلفا في مجال الحريات، طبعا الكثيرون من بيننا ولأننا دائما نقرأ النتائج بالعكس ظن أننا متقدمون في مجال الحريات، على إعتبار أن تلك العلامة متقدمة جدا، وبالفعل هي متقدمة ولكن في الإتجاه العكسي.

الملفت للنظر أيضاً أنه قبل أيام تم تصنيفنا من قبل مجلة أمريكية- على ذمة الكاتب أحمد الزعبي- في المرتبة الثانية عربيا ضمن جودة الحياة، متقدمين بذلك على دولا عربية واجنبية مشهود لها بالباع والذراع في هذا المجال.

وما بين التصنيفين فوارق كبيرة وكثيرة، فأعتقد -والله أعلم- أن كلاهما صحيحان، إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أن جودة الحياة المقصودة هنا موجه نحو السائحين وليس المواطنين، لأننا شعب بسيط طيب ومن شيمنا إكرام الضيف، ولا نصلح إلا للفرجة والضحك علينا ليس فقط من حكوماتنا، بل حتى من السياح، والمتتبع لذلك الأمر يلحظ كيف أن جميع السلطات والأجهزة المعنية تهرع للإطمئنان على سائح تعرض لضربة شمس في البتراء،- أعجبني هذا التعبير- هرع مدير الامن العام، هرع مدير الدفاع المدني، هرع وزير الداخلية، هرع رئيس الوزراء، هرع...وهرع...وهرع، ولم يبق أحد في الحكومة لم يهرع، أصلا نحن شعب مهروع، ولا ننجب إلا المهروعين ونحب الهروعة بجنون، ولو تم إجراء سباق في الهرع على مستوى العالم، أجزم بأننا سوف نحصل على الميدالية الذهبية، طبعا لا ننسى مجال العرط لانه تابع للهرع.

وما دام الحديث عن الهرع، فقد هرعت الحكومة إلى التوقيع على مدونة السلوك أمام الكاميرات ووسائل الاعلام، وحط بالخرج، مثلما هرعت إلى تشكيل لجنة لتعبئة الوظائف العليا بعد أن عملت على تصفية بعض الحسابات وتعيين المقربين والمحسوبين من المهروعين، ولم يتبق وظائف لا عليا ولا دنيا الا وهرعت اليها، وكله تحت مسمى النزاهة والشفافية، ثم هرعت في الإقرار عن ذمتها المالية، ولا ندري الحكمة المرجوة خلف ذلك الإقرار طالما لا أحد يحاسب المسئولين عن ثرواتهم السابقة واللاحقة، وهرعت كذلك لمكافحة بعضاً من الفساد غاضة الطرف عن الحيتان وذلك لكسب التأييد والتعاطف الشعبي، وغدا سوف تهرع لزيادة أسعار المحروقات، وما شاء الله عليها لم يبق مجال إلا وهرعت أليه هرعة رجل واحد، ولو فكر شخص بزيارة أي وزير أو رئيس الوزراء سيجده هارعا خارج المكتب، والآن جاء دور المواقع الالكترونية، حيث أنها جادة في الهرع لتنظيم هذا القطاع الذي تسوده الفوضى، والدخلاء عليه من امثالي.

ألا ترون معي بأننا أصبحنا نحب الهرع إلى الخلف ولا ننظر في المرآة وقد إنكسرت رقابنا وأنحنت رؤؤسنا وأحدودبت ظهورنا وجحظت عيوننا ونحن نرقب كل يوم تقدم ولو بسيط جدا في أمر واحد من أمور حياتنا.

طبعا بعد هذا المقال سيهرع العديد من المسئولين وعلى رأسهم وزير الدولة لشئون الاعلام والاتصال لنفي ما جاء فيه، وباننا دولة نهرع نحو الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان هرعا غير مسبوق.

kalilabosaleem@yahoo.com