facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الجوارنة يوجه رسالة تهنئة لولده بمناسبة تخرجه

الدكتور يوسف الجوارنة
الدكتور يوسف الجوارنة
03-07-2020 07:53 PM

عمون - وجه الدكتور يوسف الجوارنة رسالة إلى ولده بمناسبة تخرجه من كلية الطب في الجامعة الهاشمية.

وتاليا نص الرسالة


الحمدُ لله ربّ العالمين، حمدًا يوافي نِعمَه، ويُكافئ مَزيده، ويَدْفع عنّا بلاءَه ونِقمَه، والصّلاةُ والسّلامُ على النبيّ المَبْعوث رحمة للعالمين، صلاة وسلامًا دائمين، وعلى آله وصحبه والتّابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين.
أمّا بعدُ،

فإنّه يُسعدني -ولدي- أنّك -بتوفيق الله- وصلتَ إلى يوم الحصاد، اليوم الذي يُقرَر فيه مجلسُ العُمداء في الجامعة الهاشميَّة، مَنْحَكَ درجة البكالوريوس "دكتور في الطبّ"؛ ذلك أنّك في ستّ سنواتٍ خلت من عمرك، أبليت بلاء حسنًا، وقدّمت بين يدي الدّرجة كلَّ طاقة منك وجهد، وكنت في هذا الاختيار الذي رُمْته وتَحَدّيت به نفسك، نِعْم الطالبّ المجدّ، الحريصُ المؤمّل، تُفكّر وتُقدّر، وتُقارب أو تُسدّد، وكنَّا فيها نتابعك، ونناجي ربّنا أن يُوفّقك، فمضيت لا تلوي على شيء؛ تُعاند الطّوَى، وتُغالبُ الهوى، وتَكْبح جماح النّفس، ويَغْلبك الكرى أو تَغْلبه في الليالي ذوات العدد، وتتمرّد عليك بعضُ أوراقك أحيانًا ولا يُسْعفك وقت أو حين، لكنّك –وقد أسندت أمرك إلى الله- كنتَ تتخلّص من هواجس النّفس، ومتاعب التّحصيل، وبنيّات الطريق؛ فحمدًا لله أنِ استقام لك المَنْسِم (وضح الطّريق)، وذهبتَ فيه –بعون الله- راشدًا مَهْديًّا. نَعَم، إنّه يوم الحصاد؛ فلتطب فيه نفسًا، ولتحمد الله على توفيقه وامتنانه وفضله، تناجي فيه ربّك مناجاة أعرابيَّة: "ربّ ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله! وما أوحشه على من لم تكن أنيسه"!

ولدي، الطبّ -كما قيل- "مهنة سامية وحرفة شريفة"، تَسْمو بأهلها، وبها يَشْرفون، لأنّهم إنّما يتعاملون فيها مع الإنسان في حال ضَعْفٍ منه وعَوْرة، فيشدّون بأهليّتهم أزره، ويُقيمون عليه ستره وغطاءه، ويُعيدون إليه بإنسانيتهم ومَلَكاتهم إنسانيّته، ويَجودون عليه بكلمةٍ حانيةٍ تُعيدُ إليه في الحياة ألقًا وبهجة وسرورًا؛ فالإنسان مَجْبول على حبّ البقاء لا الفناء، يقينًا منه أنَّ مَنْ طَبَّبه كان سببًا في إبرائه وشفائه، وهنا يكمن السّرّ؛ سرُّ الجمال في إنسانيَّة الطّبيب!

هذا الجمال -أطال الله عمرك –ولدي- مستقيمًا، وألبسك ثوب العافية صحيحًا، وأنار لك دروب الحياة عزيزًا، وجعلك بين النّاس سِطَةً وعَدْلا، من قوله تعالى: "قال أوسَطُهم"، أي: خيرُهم وأعدلُهم- يُمثّل طريقةً في المعاملة، ونَهْجًا في السّلوك، في سياقِ غُربة النّاس وحَيْرتِهم، وابتعادِهم عن كلّ سانحة من سوانح العلوّ والتّسامي، وانجرارهم إلى كلّ بارحة من بوارح التّشظّي والتّشرذم؛ فإنْ كانَ حريّ بالناس أن يكونوا على الجادَّة، فمن أولى بها منكم وقد غدوت وزملاءك أطبّاء؟ سَتُمارسون حياتًكم كلَّها بين يدي النّاس، ولا فكاك لكم منهم ولا عنهم، يؤولون إليكم بين أيديكم، يَرْجون فيكم ما أودعه الله فيكم من العلم والحكمة، تَرْحمون ضَعْفهم، وتَجْبرون كَسْرهم، وتُخفّفون آلامَهم، وتَمْسحون دُموعَهم، وتُنيرون لهم في الحياة أسرجة؛ جاؤوكم قد خَلصت منهم الحياة، فعادوا -بإذن الله- قد دبّت فيهم الحياة. هذه حِرْفتكم، وهي –لا شكّ- شاقّة، وفيها مَصاعب كثيرة، لكنّ وَطْأها يتلاشى ويزول، وقد أدخلتم السّرور إلى قلوب الحيارى والضّعفاء والمَكْسورين.

ثمّ إنَّ النّاسُ -يا ولدي- فيهم عاقلٌ وجاهل، وصالحٌ وفاسد، وحكيمٌ وصَفيق، وحَليمٌ وأحمقُ، وجوادٌ وبَخيل، وبليغٌ وعَييّ، وبعيدُ نَظَرٍ ومَنْ لا يُجاوز أرنبة أنفه، وذكيّ وغبيّ، وحَذِر ومُتهوّر، ومِقدامٌ وخَوّار، وصاحب بديهة وبليد، وناضج وفطير، وصادق وكاذب، وعزيز وذليل، ووفيّ وخائن؛ فانظر لنفسك كيف تخالط هؤلاء وقد اجتمعوا إليك في عيادة؟ إنّهم صنفان من الناس، قال فيهم شوقي:
الناس صنفان: موتى في حياتهمُ
وآخرون ببطنِ الأرضِ أحياءُ

ولكلّ صنفٍ منهما أشكال وصورٌ، فلتكن صورتك مشرقة في قول العرب: "أحكم من لقمان"، و"أحلمُ من الأحنف بن قيس"، و"أبلغ من سَحْبان بن وائل"، و"أفصح من قسّ بن ساعدة"، و"أدهى من عمرو"، و"أوفى من السّموأل"، و"أصدق من أبي ذرّ"؛ فـ "ما أظلَّت الخضراءُ ولا أقلَّت الغبراءُ من ذي لهجةٍ أصدقَ من أبي ذرّ". ولا تكن صورتك من أولئك الذي قيل فيهم: "أحمق من هبنّقة"، و"أطمع من أَشْعب"، و"أعيا من باقل"، و"أكذب من مسيلمة"، "وأبطأ من غراب نوح"، و"أبخل من مادر"؛ ولأنّه لا غُنية لك –شئت أم أبيت- عن معاشرتهم والصَّبْر على ضَعْفهم، وأحيانا أذاهم، فلتكن فيك خصال الأولين، فتأنس بهم.

ولدي، بين يديّ رسالة لطيفة للشّيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشّيخ، عَنْونَها "أخلاق الطبيب المسلم وشرف مهنته"، جَمَعَ فيها أدوات الطّبيب وأخلاقه في مهنة الطّب، لتكون طريقًا لاحبة لكلّ من سلك ويسلك هذه السّبيل، أُعدّدها بين يديك، لتكون مناراتٍ في الطريق وعلاماتٍ عليها؛ فمن تلك الأخلاق: (الإخلاص، والعلم والأهليَّة، والالتزام بأصول المهنة الطبيَّة، والصّدق، والأمانة، والنّزاهة، والتّواضع، والصّبر والحلم، والعطف والرّفق، والإنصاف والعدل، والبعد عن محقّرات الأمور وصغائرها، والوفاء بالمواعيد، والمحافظة على أسرار المريض، وعدم استغلال المهنة وتحويلها سلعة وتجارة). وهي أخلاق –كما ترى- حميدة، تَنْهض بالطّبيب وتَعْلو به، حيثما حللتَ وأقمتَ في كلّ صُقْع من أصقاع الوطن الجميل، وما بعده؛ فإن لم تكن بها، فلا تكون بغيرها، وإنّك بها تَصْعدُ في العالمين، وبغيرها تَعيش أبد الدّهر بين الحفر، وهل غدا الطّبيب طبيبًا إلا ليسمو ويعلو؟!

أسعدتنا وأثلجتَ صدورنا في يوم الحصاد، وبعثتَ فينا روحًا يُشرق لها يوم جديد، وغرستَ في إخوانك شُعْلة تتّقد ولا تَخبو، وألبستَ والديك تاجًا وحلّة، وهَشّ لك وبشَّ كلّ أقربائك وأصدقائك ومحبّيك: فمنهم من أسعدك فكتب لك من فيض حنانه وغرّد، ومنهم من أسمعك لحنًا من تراتيل الخلود.

إنّه يوم له ما بعده؛ فلتهنأ ولدي، ولتُسْرج ذبالةً (فتيلة) من جديد، تُنيرُ لك دروبك في الغاديات، تروح وتغدو، وتشقّ طريقك اللاحب –بعون الله- بكلّ اقتدار.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :