يعيش مهند (42 سنة) الذي رزق بتوأمه بعد عشر سنوات من زواجه في مدينة طولكرم، حيث كان يعمل في إحدى الدوائر التابعة للسلطة الفلسطينية قبل أن تقوم حبة فستق واحدة بقلب الموازين والسير به نحو أمور لم تكن لتخطر على باله أبداً.

كيف لحبة فستق أن تكشف سرطاناً خبيثاً؟

تشرين الثاني 2018

البحث عن السبب..

"أحسست بكسرٍ في طاحونتي أثناء قضمي لحبة فستق، لم أُولِ اهتماماً كبيراً في حينها إلا أن انتفاخاً بدأ بالظهور على الشق الأيسر من وجهي ساقني لمراجعة الطبيب".. لتبدأ رحلة الكشف عن السبب، أجرى مهند عدة صورٍ إشعاعية على مدى ثلاثة أسابيع قبل أن يتلقى تحويلاً إلى مدينة رام الله من أجل إجراء صورة طبقية، تلاها فحص بواسطة الخزعة، ليتبين وجود ورم حميد.
إلّا أن الشكّ دفع بالأطباء لطلب أخذ خزعة لمرة أخرى، ليتأكد لهم وجود الورم.. لكنه ورم خبيث.

ما بعد التشخيص:
نيسان 2019

سافر مهند إلى الأردن من أجل إجراء صورة نووية في أحد المراكز الخاصة، وتوجه حاملاً الصور الإشعاعية والنووية والعينات إلى مركز الحسين للسرطان، وبالنظر إلى النتائج تقرر إجراء المزيد من الفحوصات والصور من أجل التشخيص النهائي ووضع خطة للعلاج.

Squamous cell Carcinoma سرطان في الفك

"السبب الرئيس هو التدخين" هذا ما قاله الطبيب، وأجمع على صحته بقيّة الأطباء، فبحسب منظمة الصحة العالمية يودي التدخين كل عام بحياة أكثر من 8 ملايين نسمة في أنحاء العالم، من بينهم أكثر من 7 ملايين يتعاطونه مباشرةً، فيما يرتبط التدخين بما يقارب 12 نوعاً من أنواع السرطانات فقد وجدت دراسة جديدة نشرت في المجلة العلمية JAMA أن حوالي 48.5% من الوفيات مرتبطة بالسرطانات الناجمة عن التدخين.

رحلة العلاج
أيّار 2019

لم يتوقع مهند أن يكون الإجراء الذي تلا التشخيص النهائي مؤلماً وصعباً إلى ذلك الحد؛ عملية جراحية يتم فيها إزالة نصف الفك السفلي من جهة اليسار.. العظام، قاعدة اللسان حتى الشفة الضاحكة، أي أنه سيدخل لإجراء عملية ستستمر لعشر ساعات لن يخرج منها كما كان أبداً، بل وستبدأ من بعدها سلسلة طويلة من جلسات العلاج الكيماوي والنووي.. انتهت العملية تاركةً خلفها قطع البلاتين المزروعة في فكه، وخرطوماً في معدته من أجل التغذية..
خمس جلسات من الإشعاع النووي أسبوعياً، جلسة علاج كيماوي كلّ ثلاثة أسابيع، لتكون الجرعة الأخيرة في آب بمثابة العيد بالنسبة لمهند..
مبدياً امتنانه لمؤسسة الحسين للسرطان قال مهند:" مركز فخم فعلاّ، على الصعيدين المهني والأخلاقي.." ويشيد مراجعو المركز باهتمام الكادر الطبي بالجانب النفسي تماماً كما الجسدي وعياً منهم بأهمية الصحة النفسية خاصة لمرضى السرطان.

هل تتألم النفس بقدر الجسد؟

للنفس ربّ يعزيها برحمته ولطفه، "الله أكرمني بهذا المرض" يقول مهند.. "لقد عانيت نفسياً كثيراً، خصوصاً عندما توجهت للقطاع الطبي الخاص في البداية وقوبلت بجملة:(حالتك صعبة، ما بنستقبلها)..كما قابلت بعض النماذج المادية التي تصرف النظر عن الإنسانية والإنسان وتولي جلّ اهتمامها للمال، نظراً لارتفاع كلفة العملية الجراحية التي كان علي إجراؤها. "
تحمّل مهند الكثير..غربة وعناء سفر وبعد عن الأهل، فيما تحمّلت عائلته الخوف وليالي الفزع الطويلة، كانت أياماً عصيبة كلفت سيولاً من الدموع وملايين الدعوات..لكنهم حرصوا على تقديم جميع أشكال الدعم النفسي، رغبةً منهم بإحاطة مهند ببيئة إيجابية مليئة بالطاقة والدعم بعيداً عن السلبية والتشاؤم، ودّع مهند أطفاله في ذكرى ميلادهم الأولى وفي نفسه أسئلة لا إجابات لها، متمنياً أن يحتفل معهم بصحته في ذكرى ميلادهم الثاني، ليكتب الله له ما تمنى.

التدخين والمدخنون

يأسف مهند لرؤية المدخنين خاصة من هم في سن الشباب، لأنه يدرك تماماً الطريق الذي قد يساقون إليه بسببه، ويقول: إن انتشار الدخان مجهول المصدر خاصة في الضفةِ الغربية مشكلة يجب البحث في حلٍ من أجلها، حيث يلجأ الناس لشرائه لانخفاض ثمنه دون إدراكٍ لماهية المواد التي قد صنع منها..
ويرى أنه مهلك مادياً تماماً كما هو مهلك جسدياً، فبحسب دراسات لمنظمة الصحة العالمية يعيش نحو 80% من المدخّنين البالغ عددهم 1.1 مليار شخص على الصعيد العالمي في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، حيث يبلغ عبء الاعتلالات والوفيات الناجمة عن التبغ ذروته. ويسهم تعاطي التبغ في الفقر بتحريف إنفاق الأسر المعيشية عن احتياجات أساسية مثل الطعام والمأوى إلى التبغ. ومن الصعب كبح هذا السلوك الإنفاقي بسبب الطابع الإدماني للتبغ.

ما بعد...

يكمل مهند حياته إلى جانب عائلته بصحة جيدة نسبياً، حيث تشير الفحوصات التي قد قام بها على مدار هذا العام أنّ جسده خالٍ من الخلايا السرطانية. مدركاً أن صحته وصحة من حولهِ لا تحتمل إهمالاً وقلّة وعي.

.....

يرتبط التدخين بالكثير من الأمراض غير السرطان، مثل السكري، العقم، الربو وأمراض القلب، وكما يسبب مشاكل للمدخنين فإنه يسبب مشاكل لغير المدخنين أيضاً، يموت 65000 شخص سنوياً جرّاء الإصابة بأمراض تعزى إلى التدخين السلبي.
قد يكون الإقلاع عن التدخين خطوة صعبة خاصة لمن وصل بهم الأمر حدّ الإدمان، إلا أنها ليست بالمستحيلة وتستحق من أجل أن تحمي نفسك وعائلتك وأطفالك، فكّر مليّاً في كلّ مرةٍ ترغب فيها بإشعال سيجارة قد تطفئ سنين حياتك.