فـي عـام 1991تـوفـي صـديـقـي حـسـن وهـو فـي عـمر يـطلـق عـليـه عـمر الـزهور .. العمر المليء بالحيوية والشباب والتـفـاؤل والعـزيمة والانـطلاق ... تاركًا لنا لذات الدنيـا وشـرف حـصـد الإنـجـازات التـاريخية التي سيخلدها التاريخ وتذكرها الأجيال طالما هنالك حـيـاةٌ دنـيـا .
كان صـديـقـي حـسـن يعيش في حيِّنا وهو من عائلة بسـيطة تأكل ما يُعين الحياة وتلبـس ما يرضي الله ...

وكان صديقي حـسـن يملك من العزيمة والطموح ما يفقده الكثير من أقرانه ... ودرس الهندسة الكهربائية في الفلبين التي كانت مقصد الشباب في ذلك الوقت لانخفاض الكلفة المعيشية فيها وفرق العملة بين الدينار والبيزو والذي جعل المغامرة ممكنة .

وبعد مضي خمسة أعوام تحملها صديقي حـسـن في الغربة ولم يتخللها أي زيارة للأردن بسبب تكاليف السفر وضيق الحال ... وفي عام 1990 عاد إلى الأردن وإلى أسرته وإلى حيِّنا ...
كنت سعيدًا بعودة صديقي حـسـن وكنت أقضي الكثير من الوقت برفقته في الفترة المسائية ... وكنت أُعجبُ بهمته وعزيمته وانطلاقته للحياة . وكان يحدثني عن رغبته بتعويض أسـرته ومعاناة الخمس سـنوات التي تقاسموها معه يومًا بيوم .. وكان يتحمل مسؤولية ذلك في غربته ولا يُعير لطيش الشباب اهتمامًا ويعرف قيمة القرش ويراعي معاناة أسرته .

كان صديقي حـسـن يريد الوظيفة التي تليق والتي لم تتوفر سوى لأصحاب المحسوبيات ... ولم يوقفه ذلك أو يحد من عزيمته بل عمل في مشغل كهرباء سيارات في المنطقة الحرفية بالسـلط وبراتب بسـيط واضعًا نصب عينيه أن الأمر سـيتغير .

وكان صديقي حـسـن يسابق الزمن ويسابق أصدقائه خاصةً بالزواج وتكوين الأسرة , فكان له أن خطب فتاة من مدينة السـلط وبعد ذلك عمل على ترتيب عملٍ له في الخارج من خلال أصدقاء له في إيطاليا .... وسـافـر صديقي حـسـن إلى إيطاليا لبدء مسيرة جديدة في حياته ..
ولكن أنت تريد والله يفعل ما يريد ... كان قدره في انتظاره ..
بعد ثلاثين يومًا من سفره جاء خبر وفاته .. توفي صديقي حـسـن في إيطاليا لأسباب مرضية غامضة ... وبفضل من الله وبدعم من الخيرين ووزير الخارجية في ذلك الوقت , عملت السفارة الأردنية على إحضار جثمان صديقي حـسـن إلى الأردن وتم دفنه في مقبرة النبي جادور في مدينة السـلط . ليكون قريبًا من الوالدة المكلومة والتي داومت على زيارة قبر ولدها يوميًا بين صلاة العصر وحتى صلاة المغرب تدعو له وتحادثه , واستمر ذلك لسـنوات حتى فاضت روحها الطاهرة إلى بارئها ...

صـديـقـي حـسـن ... يقولون الموت راحة , فهل ارتحت في موتك ... أم نحن من ارتاح في حياته .

سأخبرك يا صديقي حـسـن بعض ما فاتك وبعد انقضاء ثلاثين عامًا على رحيلك ...

وقَّـعـنـا اتفاقية سلام مع إسـرائيل .

ذهـبـت العـراق وتـقـَطّـعَـت سـوريـا وتـشـتتت لـيـبـيـا .

دُمِّـرت اليـمـن وعُطـِّـلـت تـونـس وجٌـوِعـت مـصـر .

تـفـرَّقـت لـبنـان وتـمـزقـت الـســودان .

أصبح العرب يتخاطبون حـسب مذاهبهم ويتناحرون حـسب ولائهم ويتسابقون لا حـبًا في الله وإنما لإرضاء الشـيطان .

بأسنا على بعضنا شديد , والحدود الضيقة والأشياك مُفعَّلة , وخيرات العرب للغرب , جاع من جاع ومات من مات وبقي من بقي .

الأجانب يتجولون في البلادنا ... لـيـس لهم حدود ولا تحكمهم قـوانـيـن ولا عـادات ولا تـعـالـيم .

يا صديقي حـسـن ... بعنا مُقَدَّرات الوطن وخصخصنا ما تبقى من سيادتنا وكرامتنا بفتات النقود .
يا صديقي حـسـن ... أصبح الحصول على وظيفة شـبح لا يشاهده إلا من يمتلك أدوات وإمكانات خاصة ..

يا صديقي حـسـن ... أصبح مفهوم الفسـاد ومحاسبة الفاسدين يطبق على الصغار الجائعين .

يا صديقي حـسـن النمو الحقيقي الذي شهدناه في الأردن وتجاوز حدود الرؤيا والعقل هو الدَّين العام ومعدل البطالة الذي يحق لنا أن نقدمه لموسوعة جـيـنـس .

يا صديقي حـسـن ... أصبحنا نسارع لتصوير المصائب دون تقديم المساعدة , ونوثق الزلات وننشرها حـبًا بالفضائح دون أن نستر .

يا صديقي حـسـن ... قلة الحيلة وسوء الأحوال رفع سن الزواج إذا ما ألغاه , وأصبحت الإمكانية لإنجازه تضاهي المدة الزمنية لإنجاز مشروع الباص السريع ... المشروع الذي استطاع أن يحصد إجماع شعبي وتبني إلغاء إقامة المشاريع التنموية لما يرافق إقامتها من شبهات وزيادة في جراح البلد من الـديـون والتـنـفـيـعـات .

يا صديقي حـسـن ... أنت لم تُكَوِّن أسـرة ولم ترزق بالولد ... ولم تتعنى هموم أبنائك ومستقبلهم الغامض ومؤشراته السـوداء ...

يا صديقي حـسـن ... إذا كان في الموت راحة فقد ارتحت ... ونحن نقاوم الغرق في بحر الحياة ونعيش عيش القابض على دينه كالقابض على جمرة من النار ... ونقاتل للبقاء على عقيدتنا وبأن الرزق من عند الله ... لأن هنالك من يسهرون الليالي ويبذلون كل طاقاتهم لمحاربة الناس في قوتها , وجعلهم يكفرون بأن الله هو الرازق الصمد .

قـال تـعـالـى " الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ " صـدق الله العـظـيم

نتذكرك يا صديقي حـسـن - وبعد مرور ثلاثين عامًا على رحيلك وفي الذكرى حنين .

وفـي نـهـايـة المـقـال نـدعـو لـصديقـي وأخـي ورفـيـق الصِّـبـا والجـار الـخـلوق المـرحـوم بـإذن الله " حـسـن صبري حـسـن حــمـدان الـزعـاتـرة ".

الـلَّـهُـمَّ اغْـفِـرْ لـه وَارْفـَعْ دَرَجَـتَـهُ فـي المـَهْـدِيـِّيـنَ ، وَاخْـلُـفْـهُ فـي عَـقِـبِتهِ فـي الغَـابـِرِيـنَ ، وَاغْـفـِرْ لـَنـَا وَلَـهُ يـا رَبَّ الـعَـالَـمِـيـنَ ، الـلَّـهُـمَّ آنِـسهٌ فِـي وحـدَتِـه وَفـِي وَحـشَـتِـه وَفـِي غُـربَـتِـه , الـلَّـهُـمَّ أَنـزِلـهُ مـَنَـازِلَ الـصِـدِّيـقِـيـنَ والـشُّـهَـداء والـصَّـالِـحِـيـنَ وحَـسُـنَ أولـئِـكَ رَفـيـقًـا ..... الـلَّـهُـمَّ آمـيـن .