facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




كيف تحول ابو عودة من "سولسوف" إلى مفكر في نظر الحمارنة؟


28-05-2022 07:19 PM

عمون - روى العين مصطفى حمارنة خلال حفل تأبين المفكر والسياسي الراحل عدنان ابو عودة، كيف تحول الوزير ورئيس الديوان الملكي الاسبق في نظره من "سولسوف" إلى مفكر بمنهجية وشخص ذا اطلاع واسع وثقافة عميقة..

وقال العين الحمارنة في كلمته خلال الحفل، إنه ندم على موقفه السابق من ابو عودة، وأدرك أنه أضاع حوالي عقدٍ من الزمان من فرصة التعرّف عليه بشكل أكبر.

وتاليا ما قاله حمارنة:

السيدات والسادة
أسعدَ اللهُ أوقاتَكم جميعاً بكلِّ الخير

كنّا مجموعةً من الطلبةِ العرب نُتابعُ مداولاتِ مؤتمرٍ عُقد في الجامعة في بداية الثمانينات، وكان للمرحوم أبي السّعيد في تلك المداولات مداخلةٌ. وبعد انتهاء الجلسة، اقترب منّا، في فترة الاستراحة، المفكر الفلسطيني هشام الشرابي، ووجّه سؤالاً لمجموعتِنا الصغيرة: "ما رأيكم في ما قاله عدنان أبو عودة؟"، فبادرتُ فوراً دون تفكير بالقول: "هذا هو سوسلوف النّظام"، فضحك الشّرابي على ردّي الغارق بالأيديولوجيا.

ومضت السنوات إلى أن جاء ما اصُطلِحَ على تسميته بـ "هبة نيسان" عام 1989، وكنت حينها مُدرّساً مبتدئاً في قسمِ التاريخ في الجامعة الأردنية، وطلبت مقابلةَ أبي السّعيد لأوجّه إليه مجموعة منَ الأسئلة في محاولة لفهم تفكير أركان الحكم آنذاك في ردّهم على أشكال الفعل الاجتماعي الجماعي في البلاد. وأذكرُ أنَّ السؤال الأهم الذي كان يدور في خُلدي آنذاك هو: لماذا لم يلجأ الملك حسين إلى العنف للردّ على المحتجّين أسْوةً بحكّام العالَمِ الثالث الآخرين، فجاء ردّهُ حاسماً بأن العنف كوسيلة بيد الدولة للرد على الاحتجاجات السلمية لم يكن مطروحاً أبداً، لا بل لم يُفَكَّرْ به. خرجتُ من هذا اللقاء الطويلِ نسبياً معجباً بطريقة تفكيره المنهجية، وسِعةِ اطّلاعِهْ، وعُمقِ ثقافتهِ وصدقهْ، وندِمتُ على موقفي السابق منه، وأدركت أنني أضعتُ حوالي عقدٍ من الزمان من فرصة التعرّف عليه بشكل أكبر.

وتولّدَتْ عندي القناعةُ أن هذا الرجل موجود في المكان الذي هو فيه بسببِ كفاءتهِ، وتعدّدِ مواهبهِ ووطنيّتِهْ. وتعزّزت هذه القناعة على مرّ السنين، وها هو إنتاجهُ الفكري يشهد بذلك.

لقد تابعتُ باهتمامٍ كلَّ ما كُتِب عن المرحوم عند وفاته، وكمْ استغربتُ أن لم يتعرضْ أحدٌ لأهم ما كتب أبو السعيد من وجهة نظري، وهو مقالته الشهيرة عن القدس Two capitals in an individed Jerusalem في ربيع 1992. كانت مقالته Briliant in its simplicity قدّم أبو السعيد فيها مقترحاً محدداً يضع حداً لتهويد المدينة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ونُشرت المقالة بعد حوالي شهر من إرسالها إلى "فورين أفيرز" في خطوة غير مسبوقة. وأذكر أننا التقينا أحد المسؤولين الأميركيين، وسألناه عن ردود فعل الإسرائيليين على المقالة، فأجاب أنه سأل شامير عن رأيه وكان جوابه كلمة واحدة: "Interesting"، وكأنه يقول إن مقترحاً كهذا أكبرَ من أن تقدمه أمةٌ مهزومةْ. كانت الأرض وما يمكن إنقاذه في ضوء ميزان القوى على الأرض شغل أبي السعيد الشاغل. وقد أمضى معظم حياته العملية يعمل من أجل هذا الهدف.

وعند صدور كتابه عن المركز العربي، اجتمعنا عند الصديق المبدع والملتزم معين الطاهر، وقلت له: "معاليك لا يوجد ما تخجلون منه في تاريخكم. لقد كنتم بقيادة الحسين عرباً ملتزمين بقضايا الأمة، شفّافينَ وواضحينَ طوال الوقت، تُطلعون القادة العرب على أدقِّ التفاصيل في مفاوضاتكم المضنية مع الأمريكان في الموضوع الفلسطيني".

كذلك استوقفني أن أحداً من الذين نعوا أبا السعيد عند وفاته، لم يتطرق إلى دوره في التحضير وإطلاق الميثاق الوطني الذي شكّل نقطة تحوّلٍ أساسية في علاقة الحكم بالقوى السياسية التي كانت على تناقض مع الحكم. وفي المقابل، تحدّث معظم الذي كتبوا إبّان وفاته عن دوره في إصدار قرار فك الارتباط، لكن لم يكتب أحدٌ عن أن أبا السعيد كان يُحذّر من تبعات قرار فك الارتباط الخطيرة والسلبية على التكامل المجتمعي.

بقي أبو السعيد يتحلّى بأخلاقيات المدرّس، يشجّع ويدعم أصحاب الكفاءة في كافة المجالات. لقد كان قارئاً نهماً. كنت أتصل به كثيراً نهاية عام 1991 وبداية عام 1992، وكانت مساعدته الوفيّة نهلة العمارين تجيب في كثير من المرات: "معاليه يقرأ"، أي أنها لا تستطيع تحويل المكالمة. لم يصدف أن جاءني جواب كهذا من مكتب أي مسؤول في بلدي طوال خدمتي العامة التي تمتد إلى حوالي أربعة عقود، لم أسمع أبا السعيد أبداً يقول أنا تعبتْ، أو أنا بحاجة إلى إجازة، أريدُ السفر إلى الخارج.. إلخ. كانت أفضل إجازة عند المرحوم هي الجلوس مع أصدقاء أو مثقفين عرب أو أجانب لغايات الحوار والعصف الذهني، وللحديث عن الأرض وأهلها.

لم يأبه أبو السعيد بالمال وجمعه، ولم يتصرف بالمال العام. حدّثني صديق مشترك وهو يضحك، أنه دخل إلى مكتب أبي السعيد عندما كان رئيساً للمرة الثانية للديوان الملكي، وأخذ يشرح له كيف أن سيارته قديمة وخربانة اعتقاداً منه أن رئيس الديوان سيعطيه سيارة. قال لي هذا الصديق أن أبا السعيد استمع إليه كصديق يعرض لصديقه بعض الحقائق التي تتعلق بحياته، إذ لم يخطر على بال أبي السعيد أي شيءآخر.

كنت سعيداً جداً وأنا أتابع نشاط أبي السعيد وحركته في المجال العام، وكيف رُدّ الاعتبار لهذه القامة الوطنية والفكرية أثناء حياته بعد أن كان قد تعرّض في إحدى الفترات لهجوم هويّاتي غرائزي بدائي. لقد كان أبو السعيد في آخر عقد من حياته الحافلة متواجداً في الحياة العامة بكثافة كمرجعية مهمة تتمتع بمصداقية عالية.

وفي الختام، للأصدقاء سعيد ولما وزيد وسعد، لقد ترك لكم الوالد إرثاً سياسياً وأخلاقياً وثقافياً احموه وابنوا عليه، فقد ترك للأجيال نموذجاً إنسانياً ملهماً، ومصدراً أساسياً من مصادر التاريخ السياسي لبلادنا، وسيبقى حاضراً في ذاكرتنا المجتمعية.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :