أنهيت السنة الثانية من مرض السرطان بحمد الله ولا زلت محققا الانتصار على هذا المرض التافه, وها أنا أدلف إلى السنة الثالثة وكلي استعداد لاستقباله في أي مكان شاء من جسدي الذي اعتاد أن يستقبله في كل سنة بمكان.

ففي السنة الأولى انقض على الرئة اليسرى كالذئب الكاسر معتقدا وبغروره المعهود أنه قادر على القضاء علي, وذلك لجهله بطبيعة خصمه, فنظرت له من علياء , وبكل الصبر الذي منحني الله سبحانه وتعالى, هزمته في سنته الأولى, رغم أنه استطاع أن يقضم ثلث الرئة اليسرى ( فلكل حرب خسائرها ) ولكنه هزم وطعن في كبريائه بفضل من الله وعونه سبحانه وتعالى, ثم الجراح الشهير العميد الطبيب عبد اللطيف عقلة الإبراهيم, حيث غادرني هذا المدعو " سرطان " مطأطأ الرأس, جارا أذيال الخيبة, .

وفي السنة الثانية, وحيث أنه مرض خبيث ولئيم, ولا يقبل الهزيمة بسهولة , عاد إلي ولكنه اختار هذه المرة مكانا ( اعتقد خاطئا أن نتيجته موتي ) حيث أغار هذه المرة على الدماغ ليخلف ورما كبيرا بحجم 5ر2x5ر2سم , والجميع من الأهل والأصدقاء ارتعبوا وخافوا علي بالطبع, منهم من يقول العملية خطيرة لا يجب إجراؤها, ومنهم من يقول لنبحث عن مستشفيات خارج الأردن, مايو كلينيك مثلا, وكنت أسمعهم وأضحك من أعماقي, وقلت لهم هذا المرض التافه لن ينتصر علي بعون الله, اطمئنوا, وكتبت مقالا وأنا على سريري في مستشفى مدينة الحسين الطبية الإنسانية بعنوان " أهلا سرطان الدماغ .. وداعا سرطان الرئة" ورميت أمامه قفاز التحدي, وسخرت منه قائلا له بأنه مرض تافه وغبي, بدليل أنه اعتقد بجهله قدرته على قتلي بما ترك في دماغي من ورم, وأكدت له قناعتي بأنه ليس هناك من مرض مميت, مهما كانت طبيعة المرض, لأن الموت إذا جاء الأجل, ( ولكل أجل كتاب ) كما قال سبحانه وتعالى أيضا ( فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون )...وأكدت لهذا المرض التافه, أن كل مخلوقات الله لا بد لها من الموت, وأنت أيها المرض مخلوق ولهذا ( ستموت ) , ولكي أستفزه أكثر قلت له ( لو كتب لي الموت قبل أن أنتصر عليك فلا تعتقد بجهلك أنك سبب موتي, بل يكون أجلي قد حان ).

وطبعا أثارته هذه الكلمات هذا المغرور, فعطل الجانب الأيسر مني, كما أفقدني الذاكرة لخمسة أيام متتالية بضغطه على كل خلايا الدماغ, ورغم كل ذلك كنت في المشفى أسخر منه, وذلك بما منحني الله جل شأنه من صبر لم يفرح معه السرطان بآهة واحدة , فلم أدعه يشمت بي أبدا, والفضل كله لله أولا وأخيرا.

هذه المعنويات, ساعدت الأطباء الأشاوس, جند الأردن الأبطال, الذين سخرهم الله واستخدمهم للعمل الإنساني , ساعدهم على القيام بإحدى العليات الكبرى الناجحة, وبكل المقاييس, حيث تم استئصال الورم بنجاح بير بفضل من الله, ثم الطاقم الجراحي الذي ترأسه الجراح الشهير العقيد الطبيب عامر الشربجي.

لتنتهي السنة الثانية بهزيمة نكراء لهذا السرطان اللئيم
صحيح أنني الآن أسير على عكاز, ولكنه هزم , وهدفه الأساس لم يتحقق, لأنه كان يريد القضاء علي, فبحمد الله قضيت عليه بما منحني من صبر وقوة على المواجهة والتحدي.

الآن, وبعد أن دلفت السنة الثالثة, وعكازي بيدي, أقول لهذا المرض الغبي " السرطان " بأنني جاهز تماما لك في أي مكان من جسدي, وثق أنك ستلقى مني هذه السنة ما لقيته في السنتين السابقتين بإذن الله, ولن أدعك تسعد بأنك حققت ولو جزءا يسيرا من نصر على العبد الفقير إلى الله سبحانه وتعالى.... والأيام بيننا.