facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




انتكاس المعرفة: تجربة مركز دراسات الوحدة


د.مهند مبيضين
16-07-2007 03:00 AM

للنكسات التي لحقت بالأمة العربية كبير الأثر في مراجعة أسباب الخلل والتداعي، وكان احد أشكال تلك المراجعة استحداث مؤسسات تعنى بالبحث والمعرفة في محاولة سد الفراغ في فجوة المعرفة التي زادت مع تصاعد اثر النكسات التي عاشها المواطن العربي جراء الاحتلال الإسرائيلي وتضارب الأولويات بين الوطني والقومي والديني.

كانت نكسة الخامس من حزيران عام 1967 سببا في تصاعد السؤال الثقافي العربي عن دولة الوحدة، وكان على بيروت ودمشق أن تشهدا ارتفاع الصوت بين المثقفين العرب الذين شاركوا في العديد من الندوات الفكرية والاجتماعات التي راح أهل الفكر يبحثون من خلالها عن وجه آخر لمقاومة الهزيمة، وإذا بهم يهتدون إلى أن القضية الأكثر مطلبية هي تنمية الوعي بالوحدة العربية في مواجهة المشروع الصهيوني والهيمنة الاستعمارية.

بين عامي 1967- 1968 نشرت مجلة دراسات عربية نداءات المثقفين العرب من اجل تلك الفكرة، واستمرت المشاورات، حتى تبلور مشروع تأسيس مركز للدراسات يعنى بالوحدة العربية وسبلها وتنمية الوعي بها، وكان لبيروت التي لم تدرِ شيئا عن مآلها القادم شرف الإعلان، حدث ذلك سنة 1975، وتضمن البيان حديثا عن أهداف المركز وطريقة عمله ووسائله.

جاءت الأقدار لبيروت بالبندقية التي أطلقت شرارات الصراع الداخلي التي انتهت بحرب أهلية مزقت لبنان، وتخلل تلك الحقبة الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، ولكن المركز كان قد انطلق في عمله، من اجل فكرة الرفاق الذين كان هاجسهم السير نحو وحدة عربية لكنها مشروطة بتحقيق الوعي قبل ان تنجز مشروعا سياسيا.

ببيروت كف تقرأ فيه الأقدار، وكانت القراءة الأولى أن المركز يجب عليه ألا يكون جزءا من أي اجندة سياسية عربية، لذلك كرس المركز حالة من العمل المؤسسي العربي في خدمة المعرفة العربية، وهي معرفة استهدفت الذات العربية والمستقبل في آن. مضى المركز نحو التوق العربي من اجل حضور أكثر فعالية في المشهد الإنساني، ومن اجل استغلال الطاقات الكامنة في المجتمع العربي. وكان له بعد تجربة طويلة حصاد كبير من المعرفة وشرعية واحدة لا تموّه ولا تحجب وهي شرعية الانجاز.

في موازاة انجازات المعرفة التي زادت على نحو 600 كتاب في مختلف حقول المعرفة والعلم والسياسة والاقتصاد والتاريخ والاجتماع والثقافة، صدّر المركز مجلته الرصينة "المستقبل العربي" في نحو 350 عدداً، مثلت في موضوعاتها معاينة جليلة للواقع العربي وهمومه واسئلة التغيير والاصلاح في بنية المجتمع العربي.

جاد المركز على الثقافة العربية بمنجز كبير من المعرفة الخالصة الموضوعية، محققا من خلالها القدرة على الصمود والعمل بحياد بعيداً كل البعد عن تجاذبات السياسة العربية، محققا بذلك لحظة اقتراب حقيقي من أجل تشكيل أفكار قوى للنهضة والوحدة العربية. ولم يكن المركز بعيدا عن حال الشارع العربي الذي رصدته ندواته وفعالياته بوعي شديد.

كان الوعي وتجذير فكرة الوحدة العربية هدفا للمركز الذي التقت على صفحات معرفته النخبة العربية من مشرقها إلى مغربها، في محاولة لتحقيق حلم كانت متطلباته رفع نصاب الوعي والإيمان بمقدرات الامة، التي حاول المؤمنون برسالة المركز الحيل دون تسجيل اندثارها من المشهد الانساني او اخراجها من سجل التاريخ.

كانت وسيلة المركز من اجل تحقيق هدفه تنمية الوعي الوحدوي العربي من خلال الدراسات والبحوث والترجمة وتحليل الواقع العربي في شتى جوانبه ومظاهره، وكان تحقيق هذا الهدف يتطلب توفير البيانات والوثائق واستطلاع الآراء بشكل علمي يوفر للمركز سهول المعاينة والنظر بعين اوسع للواقع العربي وتحدياته.

لم ينجر مركز دراسات الوحدة العربي للسياسة، وظل حريصا وملتزما بما حمله بيانه التأسيسي من اقرار بأن "توحيد الوطن العربي ليس عملية متعددة الجوانب وحسب بقدر ما هي متعددة الوجوه وبأن التوحيد السياسي ما هو إلا سوى الشكل الأكثر اكتمالا للوحدة".

برغم كل ما واجه المركز من تحديات، فإنه استطاع الاستمرار والمضي قدما نحو الاستقلالية المعرفية والمضي في البحث والمعرفة، وما سجله الذي حققه في صعيد النشر وتحقيق التفاعل بين النخب العربية إلا خير دليل عن أن ثمرة ذاك الجهد التاسيسي الذي قاده اثنان وثلاثون مثقفا من مختلف الاقطار العربية عند الإعلان عن التأسيس قد تحقق.

عدّ مركز دراسات الوحدة العربي المعرفة وسيلته الوحيدة لتحقيق الوعي الوحدوي وذلك عبر البحوث والدراسات وتحليل الواقع العربي، ودراسة التحديات واستشراف المستقبل العربي من خلال البحث النوعي البعيد عن التوصيف المسبق المحكوم بتصورات وتهويمات منحازة، وبذلك نأى المركز عن وحل الخصومات والارتهان السياسي.

من مزايا عمل المركز كمؤسسة عربية أنه استطاع اعادة الحضور للمثقف العربي، خارج دولته القطرية، وخارج محيطه المحلي، ولذلك يضاف إلى منجزه الثقافي والعلمي على صعيد النشر منجز آخر يتمثل باشراك المثقف العربي في التخطيط لمستقبل وأولويات الأمة العربية.

منذ ما يزيد على الثلاثة عقود والباحث العربي يشهد حصاد العلم والمعرفة التي انجزها المركز وعمل من اجلها، وقد اتاحت تلك المعرفة لجيل من الباحثين العرب امكانية احداث مقاربات فكرية وثقافية عن اهتمامات النخب العربية من كل الساحات في مجالات المعرفة المختلفة، ساعد على ذلك وضوح اهداف المؤسسة ونضوجها والالتزام بها دون التفريق بالفكرة الاساس التي استهدفها العمل.

لم يشترط مركز دراسات الوحدة العربية على المساهمين في اعماله ضرورة الإيمان بالوحدة، ولم يحل دون اظهار التنوع والتعددية في المجال العربي، ولم يدخل في الخلافات السياسية ولم يرتبط بحكومة ما، ولم يتبن طروحات السياسة العربية ولم يكن يوما جسرا للسياسيين العرب. لقد ظل المركز وفيا للحلم الذي من اجله قام وأسس. كما أنه لم يشح وجه المعرفة عن الجوار التاريخي العربي سواء في ايران او تركيا فكان لهما نصيب من دراساته وندواته.

لا تخلو مسيرة المركز بالضرورة من اخطاء عثرات، ومن ابرزها عدم القدرة على خلق جيل ثالث من الباحثين الذين يرفدونه بالبحوث والدراسات، كما أن تكرار المنشور احيانا بين مجلة المستقبل وكتب المستقبل العربي ربما يكون مصدر عبء مضافا، ومع ان للمركز مجلس امناء ولجنة تنفيذية وجهازا إداريا إلا انه ظل ينظر دائما لخير الدين حسيب بأنه صاحب القرار الأول فيه.

لكن النظرة العامة في مجمل مشوار المؤسسة تظل نموذجا لمعنى واحد وهو ان الحلم ربما يكون من مقدمات الفعل، وهذا ما فعله مركز دراسات الوحدة العربية، الذي آمل يوما ما ان يفلح في تحريك الساكن عربيا من اجل قضية سامية.

في زمن اليأس والنكسة كان المثقفون العرب قادرين على بلورة فكرة المؤسسة، وهم إذ يناشدون اليوم نخبة الأمة من اجل العمل على بقاء هذه المؤسسة فإنهم مرة اخرى يستشعرون خطر الانتكاس من جديد في بناء مؤسسة المعرفة العربية التي شكل مركز دراسات الوحدة العربية أحد ابرز منابرها.

وضح مركز دراسات الوحدة عبر مسيرته اسباب التقدم وعوامل الوحدة العربية، محاولا تحقيق آمال المؤسسين، او ربما رضوا بما انجزه المركز. طالت التجربة لكنها لم تنحنِ قي ظروف اكثر صعوبة مما تمر بها اليوم. وما بقاؤها اليوم إلا ثمرة من ثمرات الايمان بالفكرة.

ينشد الموقعون على بيان المطالبة بإنقاذ المركز من "نخبة الأمة" ان تمنح هذه المؤسسة القدرة على البقاء وان تحافظ على وجودها، وأن يحال دون انهيارها. أراد الموقعون على بيانها ان تنهض القوى الحية العربية لتنقذ ظاهرة انسانية حضارية من الموت، بعدما نجحت في تحقيق هدفها الذي قامت من اجله.

لحظة الافتراق بين تأسيس المركز عام 1975 وبين حال اليوم قد تبدو كبيرة وصادمة، وأن يذوي مركز دراسات الوحدة بعد هذا الانجاز الكبير دون اختيار منه، فهذا لا يعني غيابا لفرد او اندثارا لقبيلة بقدر ما يعني انكسارا للمعرفة العربية ونكسة جديدة في سجل النكسات العربية التي كتب على المثقف العربي ان يواجه دائما نتائجها.

أستاذ التاريخ بجامعة فيلادلفيا






  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :