بعد إقرار مجلس الوزراء مؤخرا الأسباب الموجبة لمشروع نظام الرِّعاية الصِّحيَّة والطبية المقدَّمة عن بُعد لسنة 2023 أو التطبيب عن بعد كما يحلو للبعض القول أحيانا، وبالرغم من أن وزارة الصحة كانت قد أعلنت عن برنامجها للرعاية الصحية عن بعد قبل عقد ونيف في مستشفى الأمير حمزة وكذلك فعلت الخدمات الطبية الملكية حيث ادخلت هذه الخدمة منذ فترة طويلة، إلا أنه بعد جائحة كورنا شاعت هذه الخدمات في عيادات بعض الأطباء وخاصة في القطاع الخاص، بذلك اصبح لزاما على الحكومة إيجاد تشريع لقوننة هذه الخدمة قبل أن تفلت زمام الأمور وتلحق بخدمات أخرى خرجت عن السيطرة مثل الطب البديل والتداوي بالأعشاب وغيرها، فنحن بأٍمس الحاجة إلى مثل هذا النظام لتقنين هذا الشكل من الرعاية الصحية والتطبيب المرافق لها لضمان تحقيق الاستفادة المثلى منه فهو سيخدم الكثير من المرضى في مرحلة معينة من التطبيب سواء كانت بالكشف الأولي وأخذ السيرة المرضية والتشخيص أحيانا أو العلاج والمتابعة وتقديم الاستشارة الطبية، فمن الممكن اعتبار التطبيب عن بعد جزء من منظومة العلاج ككل وليس كجزء منفصل أو قائم بذاته.

لكل بلد نموذجها الخاص في تنفيذ المنصات الالكترونية ومواكبة التطور التكنولوجي للتطبيق السليم للرعاية الصحية عن بعد، قد نكون تاخرنا في هذا المجال لأن الأمر كان قد أسند في كثير من الاحيان للهواة والمبتدئين بعلوم التكنولوجيا للتعامل مع الموضوع، الا انه ما زال بإمكاننا اللحاق بهذه التكنولوجيا وتطوير تلك الآليات والمنصات اللازمة وأن نحقق سيناريو نجاح كبير في التطبيب عن بعد والرعاية الصحية الإلكترونية.

لقد باتت الرعاية الصحية والتطبيب عن بعد ضرورة حتمية فرضتها جائحة كورونا وآلية يلجأ اليها الاشخاص كفكرة بديلة عن التنقل والانتظار، لا بل أصبحت إحدى وسائل العلاج الجديدة، حيث جاءت الرعاية والتطبيب عن بعد كنتيجة حتمية للتطور التكنولوجي السريع فقد تمكنت التكنولوجيا من تحسين جودة الرعاية الصحية وسهلت حصول الكثير من الأشخاص عليها، إذ لمس العديد من المرضى لا بل والاطباء فوائد خدمات التطبيب عن بُعد أثناء جائحة كورونا ولا يزالون يستخدمونها فقد زاد الاعتماد على الكثير من خدمات الرعاية الصحية و التطبيب عن بُعد مثل: الزيارة الافتراضية للطبيب، تواصل الاطباء مع بعضهم البعض، المتابعة والاستشارة عن بعد، وتطبيقات الصحة النفسية والشخصية وغيرها الكثير.

إن مبادرة التطبيب عند بعد لها العديد من الفوائد للمواطنين لأنها توفر الجهد والوقت وعناء السفر والتنقل والانتظار والازدحام، و من السهل تنفيذها في كافة أنحاء المملكة بسبب التكنولوجيا المنتشرة جيدًا.

تكمن أهمية الرعاية الصحية و التطبيب عن بُعد ايضا في تحقيق إتاحة الوصول لخدمات الرعاية الصحية تحقيقًا لأهداف التنمية المستدامة ورؤية الاردن 2030 وخطة التحديث من تغطية صحية شاملة وتحقيق العدل والمساواة بين المواطنين.

فقد أدركت وزارة الصحة أن صناعة التطبيب عن بعد أصبحت واقعًا فرضته تكنولوجيا الاتصالات الحديثة كما فرضه واقع الجوائح العالمية التي هددت النظام الصحي العالمي في ظل ازدياد احتياجات المجتمع للخدمات الصحية الطارئة وغير الطارئة، وتجنبا للفوضى التي قد ترافق أي تغيير لا بد من تحديد التخصصات التي سيكون مسموح بها تقديم خدمات التطبيب والتشخيص عن بعد، على سبيل المثال، المتابعة مع المريض عن بعد لتوفير الوقت والجهد والتكلفة التي تستهلكها المتابعة حاليا في العيادات الطبية مما يؤدي إلى خفض نسب الزيارات إلى ما يتراوح بين 30% و40% في المراكز الصحية والعيادات الخارجية للمستشفيات، كذلك متابعة أصحاب الأمراض المزمنة والأورام توفيرًا لوقتهم ومجهودهم خاصة وأن حالة صاحب المرض المزمن لا تتغير بمعدل سريع وبالتالي تلعب التكنولوجيا هنا دورا هاما في عمليه المتابعة مما يقلل حالات الانتظار، وهي الشكوى الرئيسية من المستفيدين من الخدمات الصحية المقدمة، مما يؤدي إلى زيادة إنتاجية الطبيب وتقليل العبء على المريض ويوفر فرصة أمام عدد أكبر من المرضى للكشف لأول مرة.

ثمة فوائد للتطبيب عن بعد من منظور المريض منها تقليل التعرض للأفراد المصابين بالأمراض، وهي خدمة متاحة بتكلفة أقل من الرعاية الشخصية، حتى للأفراد الذين ليس لديهم تأمين صحي، تضع مقدم الخدمة في متناول المريض إذ لا يتعين عليه السفر بعيدًا للحصول على رعاية متخصصة وهذا ما يلزمنا في المحافظات التي لا تتوفر فيها بعض التخصصات الدقيقة، كما تتيح الزيارات الافتراضية أيضًا إمكانية الوصول إلى الرعاية الطبية خارج ساعات العيادة العادية أو أثناء السفر، وثمة فائدة أخرى للتطبيب عن بعد هي القدرة على مراقبة الحالات الصحية المزمنة عن بعد ونقل القراءات إلى الطبيب.

خاتمة القول، بعد الانتهاء من إجراءات تشريع وتقنين الرعاية الصحية والتطبيب عن بعد، أن لا ننسى ضرورة استخدام خدمات التطبيب عن بُعد برامج آمنة للغاية بما يضمن اتصالاً آمنًا للزيارات الافتراضية وتحمي خصوصية المرضى من خلال اعتماد ضوابط الأمان المطلوبة.

(الراي)