facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




مطالعة حول قانون الجرائم الالكترونية


د. محمود عبابنة
22-07-2023 03:29 PM

بالمجمل حقق استعمال الفضاء الإلكتروني إيجابيات لا عد لها ولا حصر، بالمقابل كما هي سنة الأشياء، ونتج عن هذه الاستعمالات سلبيات عديدة، منها الاستعمالات غير المشروعة فاستعملتها منظمات الجريمة و التطرف و غسيل الأموال، بالإضافة إلى الأفراد الذين يعانون من الانحرافات الأخلاقية والخطورة الجرمية، وكلما تطورت الجريمة تصدى لها القانونيون ورجال التشريع لإصلاح العطب لدى ظهوره وتجذره كظاهرة، لأن فلسفة التشريع القانوني يجب أن تقوم لتلبية الحاجة والاستجابة للمستجدات الطارئة و تنظيمها لحماية وخدمة المجتمع.

من المسلم به ان الخطاب التشريعي يتضمن أحكاما غرضها تنظيم السلوك الإنساني، الأحكام ظاهرها أوامر أو نواه، ولكن هذه الأوامر أو النواهي من المنطقي أن تأتي في إطار فكرة أو مشروع محدد، فإن كان مشروع القانون غير واضح في ذهن صانع التشريع فإن الأحكام في تفاصيلها تأتي غير مرتبطة بالمشروع، وينتج عن ذلك تشريع سيئ، أو هو يحتاج إلى تعديلات كثيرة، لأن الهدف منه لم يتحقق.
المعالجة التشريعية لقانون الجرائم الالكترونية تصلح مثالا لإشكالية العلاقة بين محتوى التشريع والهدف الذي أتى لتحقيقه.

مشروع قانون الجرائم الالكترونية خير مثال على ذلك، فمع إقرارنا بالطفرة المتسارعة في مجال استخدام التكنولوجيا الرقمية، والزيادة الهائلة باستخدام شبكه الإنترنت في أكثر من مجال وحقل، حيث أفضت استعمالات شبكة الإنترنت إلى إبرام الصفقات التجارية والتحويلات المالية عبر القارات إلا أن ملاحقة هذه المستجدات الطارئة يجب ألا تتجاوز أو تفتئت على مبادئ قانونية راسخه في علم التشريع وعلم العقاب.

حتى لا نسهب في الإنشاء دعونا نبدأ بالإضاءة على هذه المبادئ ومدى المخالفة التشريعية لها.

خالف القانون فلسفة التشريع المتمثلة بعدة مبادئ يجب ان ينطلق منها كل تشريع عقابي من هذه المبادئ:
المبدأ الاول: مبدأ تفريد العقوبة
وهو ما تقوم به السلطة التشريعية وذلك بوضع نصوص قانونية تتضمن مقاييس عامة واخرى خاصة لتحديد العقوبة لتحقيق التفريد العقابي كالإعذارات القانونية المعفية والمخففة للعقوبة وكذلك الظروف القانونية المشددة للعقوبة.

فالمشرع عند وضعه هذه الاعذار والظروف يهدف بذلك فسح المجال للقاضي ان يطبق ما يراه مناسباً من عقاب على المجرم حسب ظروف الجريمة والمجرم وبالتالي تطبيق العقوبة الانسب.

المبدأ الثاني : عدم تناسب العقوبة مع الفعل المجرم.
بمطالعه أولية لمشروع القانون فإن اول ما يلفت الانتباه والتعجب هو الغرامات التعجيزية المدمرة ، فلا يمكن في أي مجتمع ضمان التصرف الإنساني وتحصينه من الوقوع في الخطأ، إلا أن معالجة الخطأ لا تكون بالعقوبات القاسية المستبدة، لأن الهدف الأساسي للعقوبة هو الإصلاح وليس التشفي والانتقام من الجاني، إن غرامات بعشرات الآلاف على الأفراد- على فرض الوقوع بالخطأ- هي بمثابه إعدام مالي ومهني واجتماعي، قد يطال الصحفيين وأصحاب الرأي والمستثمرين في تكنولوجيا المعلومات الذينً بالإضافة إلى الحبس والغرامة- تتطبق عليهم العقوبات التبعية كمصادرة الأجهزة والأدوات وإغلاق المؤسسة، في مشروع القانون نصت جميع المواد القانونية على عقوبات حدها الادنى سته اشهر وحرمت القضاء من استعمال الاسباب المخفضة تبعاً للظروف ولشخصية الجاني، ونشير بهذا الصدد الى أفعال الذم والقدح والتحقير، حيث تم فرض عقوبة واحدة على الأفعال الثلاثة ، بالرغم من تفاوت العقوبة بين فعل الذم وفعل القدح في قانون العقوبات، وتتفاوت أيضا أركان كل فعل فقد نص قانون العقوبات في المادة (189) على اركان معينة في الذم والقدح منها ان يكون في مكان يمكن لأشخاص آخرين ان يسمعوه قل عددهم أو كثر، كما أن الذم والقدح الغيابي من شروطه أن يقع أثناء الاجتماع بأشخاص كثر مجتمعين أو منفردين، فكيف سيكون التكييف في حال كان ذلك على شبكه الإنترنت، أمر آخر أن هذه الجرائم لا تلاحق إلا بناء على شكوى من المجني عليه ولا تقبل إلا إذا كان هناك ادعاء بالحق الشخصي ، فكيف نعطي للنيابة العامة الحق بتحريك دعوى الحق العام من تلقاء نفسها؟.

المبدأ الثالث: عدم مراعاة مشروع القانون للتشريعات الأعلى وللقوانين المرتبطة بنفس الغاية.
من المعروف أنه عند الشروع بإعداد القانون لا بد من وضع مسطرة المبادئ الدستورية نصب أعين العاملين في ديوان الرأي والتشريع، الذي عملت به في زمن ماً مستشاراً قانونياً، ونظراً لحساسية هذا الموضوع وتماسه مع موضوع الحريات ومنها حرية الرأي والنقد، فقد كان على الناظم أن يستذكر المادة (15/1) من الدستور التي تنص على : (1. تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأية بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون)، والمادة (128/1) من الدستور التي تنص على: 1. لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.

بالإضافة إلى مراعاة النصوص الدستورية كان لا بد مراعاة قانون العقوبات الذي عالج كثير من الأفعال الجرمية، وكذلك قانون المطبوعات ، وقانون حماية البيانات الإلكترونية، أن مسألة تداخل القوانين هي التي تمنع المطبق من إبتكار مبادئ قانونية مستقرة بما يتناسب مع الموضوع محل التنظيم.

المبدأ الرابع: مخالفة مبدأ التوافق مع المواثيق والتشريعات الدولية المعتمدة في الأردن.
كفلت الشرعة الدولية في إعلانها على صيانة حريه الرأي والتعبير بعيداً عن التضييق والتحقيق، فقد جاء بالمادة (19) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان ما يلي: - "لكل إنسان الحق في اعتناق الآراء دونما مضايقة والتعبير عنها بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود" وقد تكرر ذلك في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تعزيزاً لممارسه الفرد أبسط حقوقه القانونية والسياسية.

لقد كفلت المواثيق الدولية حرية الرأي والتعبير، بدايةً من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته رقم 19 ، إضافةً إلى أن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية أخذ نفس المادة ونص عليها في المادة 19 منه. واستخدام نفس الرقم والمادة لهو دليل على القوة الواضحة لهذا الحق وأثره، فكانت هذه المادة بمثابة التأكيد على ما جاء في الإعلان العالمي.

المبدأ الخامس: عدم ملاءمة التشريع لحال المكلف.
ينظر الى التشريع ومدى ملاءمته من زاوية المكلف بالتطبيق ، فوضوح التكليف المقرر بالتشريع وعلم المكلف به عنصر من عناصر مشروعية إلزام المكلف بالأحكام المقررة في القانون، فلا يجوز التكليف بغموض أو من خلال العبارات المرسلة أو العصية على فهم الرجل العادي ، حيث لا يشفع له عدم علمه بالقانون لأن القاعدة القانونية الجزائية تنص على : لا يعتبر جهل القانون عذراً لمن يرتكب اي جرم، و بهذا الصدد يقتضي توضيح كثير من العبارات التي لا تعريف محدد ومتفق عليها مثالها ( اغتيال الشخصية العامة) ،( الأخبار الزائفة) ، ( ازدراء الأديان)، إن مضمون التكليف في التشريع يرتبط بفقرة التشريع لدى صانعه، ويرتبط بوضوح اللغة الموصلة إلى مضمون التكليف وهذه اللغة يجب أن تحقق هدفاً مزدوج الدقة في تحديد التكليف، و وضوح التكليف لدى المكلف لنضرب مثالاً على ذلك : لو قام شخص بتصوير أحد رجال الدرك وهو يضرب مواطناً في الشارع العام و قام بتصوير هذه الحادثة و انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي ، و قد ينتج عن ذلك تعريض شخصية رجل الأمن للخطر هذا من جهة و من جهة اخرى فقد وثقت الصورة حاله اعتداء لا مجال لتكذيبها و تستدعي من السلطات الرسمية معالجتها وإصلاح العطب.... فهل نحن بصدد حرية النشر للتوعية أم أن فعل من قام بالتصوير مجرم بحسب نص المادة (24) من مشروع القانون.

المبدأ السادس: الغرم بالغنم.
صحيح أن هذا المبدأ يعمل به في المعاملات المدنية، ولكننا نستشهد به كمبدأ قانوني عام أمام حاله إغفال تعويض من ثبتت براءته بعد ملاحقة النيابة العامة له ، على ضوء الغرامات الخرافية التي ما أنزل الله بها من سلطان .

ختاماً: القانون و رغم ما فيه من إيجابيات منها صياغة أكثر دقة و تشديد مطلوب فيما يتعلق بجرائم الإباحية و تجارة المخدرات و الأفعال الماسة بأمن الدولة والمؤسسات، ومكافحة الاحتيال الالكتروني وغسيل الأموال لكنه فيما يتعلق بالحريات العامة و حرية الرأي يزخر بنصوص غامضة و ظالمة ومثالها المادة (15) و(16) و (17) من مشروع القانون التي تعتبرأفخاخاً منصوبة، ويترك المجال للمطبق للتضييق على حرية الرأي و التعبير، وهذا سيعيدنا خطوات إلى الوراء و يقلص مدى الثقة لدى الشباب الذين بدأوا يتحدثون عن مرحلة إصلاحية ينادي بها جلالة الملك.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :