لم يبق غير العناد, وكما ذكر محمد حسنين هيكل في مقابلة له مع صحيفة "المصري اليوم" ان مبارك كان يفاخر بانه حاصل على دكتوراه في العناد. اما الرد الشعبي فجاء ببساطة من احدى الشابات في ميدان التحرير بانه "اذا كان عنيداً فنحن اعند".

غير ان هذا العناد يخفي حطاماً كبيراً, فالواقع ان مبارك ونظامه يتوسلان كل يوم جماهير الشعب الثائرة لكي تجد له مخرجاً يحفظ سلامته وسلامة اسرته, او على الاقل السماح له بالبقاء في مصر. كان اول التوسلات خطابه منتصف ليل الثلاثاء, الماضي وبعد "المظاهرات المليونية" التي طالبته بالاستقالة, قال انه يريد ان يموت في ارض مصر... لكن مصير الشعوب لا تقرره دموع الديكتاتور المحاصر بغضب شعبه.

ليلة "جمعة الرحيل" زاد حجم التوسلات والتنازلات, هذه المرة من رجال النظام, رئيس الوزراء احمد شفيق قدم اعتذاراً عن هجمات البلطجية على المتظاهرين في ميدان التحرير. نائب الرئىس عمر سليمان انهال بجملة تنازلات (1) قال ما لم يقله مبارك وهو انه وابنه لن يترشحا للانتخابات الرئاسية المقبلة. (2) اعلن بان موعد الانتخابات قد يُقدّم الى آب او تموز المقبلين (3) اكد ان التعديلات الدستورية لن تشمل مادتين فقط كما قال مبارك, انما يمكن ان تشمل مواد كثيرة من الدستور (4) دعا الاخوان المسلمين الى حوار مباشر, وهي "الجماعة" التي كانت قبل 25 يناير الماضي تسمى بالجماعة المحظورة.

وتتابعت التنازلات, التي هي توسلات تُخفي ضعف الديكتاتور بان قدّم, بالجملة مجموعة من رجاله, من رجال الاعمال والوزراء الى النيابة العامة وجّمد ارصدتهم.

الرجل ليس صلباً, وما يظهره من عناد هي مفاوضات على الهواء مباشرة مع المحتجين من اجل ان "يُخْلوا سبيله" وان يجدوا له مخرجاً, ليس مهماً ان يكون مشرفاً, بقدر ما يحفظ له ولأسرته المليارات التي نهبها من خيرات مصر واقتصادها. وان تصفح عنه الجماهير وتسمح له بالبقاء كما بقيت اسرة انور السادات من قبله.

امس ذكرت احدى المحطات الامريكية ان ثروة اسرة مبارك تبلغ عشرات المليارات. فهو يملك 17 مليار دولار, وابنه جمال 10 مليارات. وعلاء مبارك ملياردير كرجل اعمال, وزوجته تملك منازل عديدة في العواصم الاوروبية.

هل تسمح له ثورة مصر بأن يفلت من ملاحقة ثرواته وان لا يُحَوّل ملفه الى الانتربول إن رحل خارج مصر? هذا لا يعتمد فقط على مشاعر ملايين المصريين الثائرين فقط, الذين قدموا الشهداء وآلاف الجرحى على أيدي رجال أمن مبارك, انما يعتمد بشكل كبير على تصرفات بطانته الفاسدة, وعلى صفوف رجال الاعمال من حيتان الفساد, الذين اصيبوا بالصدمة من سرعة انهيار نظام مبارك. فلجأوا الى ما نهبوا من اموال لتجنيد "البلطجية" من اجل اشاعة الفوضى والسعي الى اثارة فتنة دامية على ارض مصر, تسمح لهم بالانتقام من المصريين.

لكن الوقت يمضي, وهو بالتأكيد لا يسمح لعناد الرئيس ان يعطي ثماراً جيدة له. فهناك اكثر من لاعب على ساحة نظامه ينزلون الى الشارع للدفاع عن ثرواتهم ونفوذهم ولو ادى ذلك الى احراق القاهرة وهو ما يحطم فرص الديكتاتور بالنجاة, وهو ان لم يتوقف عن العناد, فان شكل الثورة السلمية للشعب المصري ستتحول تدريجياً للرد على الفوضى ببناء متاريس في الشوارع, وتشكيل لجان مسلحة, هذا اذا لم يتدخل الجيش, بسرعة, لانهاء المهزلة, ويختار الوقوف الى جانب "الشعب العنيد" وليس الاستمرار بحماية "عناد الديكتاتور".

taher.odwan@alarabalyawm.net

(العرب اليوم)