facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




وصية الدم لا تساوم!


لارا مصطفى صالح
18-10-2023 01:06 AM

"السلام والكرامة والمساواة على كوكب ينعم بالمساواة"، هذا من الموقع الرسمي للأمم المتحدة، وهو نفسه النظام الدولي المأمول الوصول إليه، بزوال شبح الحرب من العالم وكل ما يتعلق بسباق التسلح. قائم على التكافؤ، صفته الأساسية حقوق الإنسان والديمقراطية والمجتمع المدني العقلاني، ومستند إلى الشرعية والعدالة.

وباعتبار أننا بشر من دول العالم الثالث ومن منطقة الشرق الأوسط الملتهبة في معظم الأوقات، وعقولنا مثقلة بذاكرة باتت أكثر عجزا على احتمال أخبار الحرب والعنف والظلم في أي مكان في العالم، فقد كنا نتمنى مثل الكثيرين، ألا تقع أي من الحروب التي يشهدها العالم الآن ولا يخسر أي إنسان أمنه أو حياته أو أرضه، وألا نقع في وهم المواثيق والشعارات والقوانين.

لكن، "ما كل ما يتمنى المرء يدركه"، وحق رب المتنبي لقد وقعنا. فمنذ اليوم الأول للهجوم العسكري الروسي على أراضي أوكرانيا، تسارعت دعوات التنديد الدولي ضد روسيا لوقف هجماتها، وتزايدت الدعوات للمجتمع الدولي لفرض العقوبات عليها.

إدانة جريمة سيد الكريملين، والتعاطف مع اللاجئين الأوكرانيين ومد يد العون لهم؛ ذلك كله كان سيشكل معادلة جيدة لتفاعل الرأي العام والتعاطف العالمي - ولا شيء أفضل من ذلك في الحقيقة- لولا أن الغرب يرفع بعض الشعارات، ويستخدمها كأقنعة تتفاوت دلالاتها تبعا للقضية التي يجري التعامل معها. فقد اتضح خلال الحرب الروسية الأوكرانية من جهة والعدوان الغاشم على غزة من جهة؛ أن العدالة الإنسانية مثلا، تختلف دلالاتها من مكان لآخر، وتتفاوت الشعوب في مدى استحقاقها. وأن نظاما مثل الكيان الصهيوني والذي يعاني تحت وطأة ظلمه الشعب الفلسطيني منذ عقود يلاقي كل الدعم من الغرب. ونظاما مثل نظام بوتين لم يلق ولو جزءا يسيرا من الضغط الذي يواجهه الآن عندما ساهم في نكبة الشعب السوري وعذاباته.

العقوبات الدولية على روسيا، والتي اتخذت حيزا خلال خمسة أيام منذ بدء الغزو الروسي، قد كانت بالجملة إن صح التعبير. حتى الرياضة لم تكن بمنأى عن الصراع الدائر في القارة الروسية، وقد تكون هذه هي المرة الأولى التي تفرض فيها الفيفا واليويفا إجراءات عقابية صارمة ضد دولة لأسباب تتعلق بالسياسة، ويأتي ذلك في سابقة خطيرة تبين خضوع الأخيرتين للإرادة السياسية، هذا على صعيد روسي. أما على الصعيد الفلسطيني، فقد أصدر مؤخرا معرض فرانكفورت للكتاب قرارا يقضي بإلغاء تكريم الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي عن روايتها "تفصيل ثانوي" التي كان من المقرر الاحتفال بها خلال فعاليات المعرض لتتسلم الجائزة. كذلك، تم اعتقال الفنانة دلال أبو آمنة على خلفية منشور على فيسبوك في الساعات القليلة الماضية.

وفي سياق متصل، لم يجد إعلام الكيان بعنجهيته ودباباته وصواريخه، عنوانا يستر خرافته غير هذا: (40 رضيعا قطعت رؤوسهم)! 40 رأسا زائفة هزت وجدان الغرب في دقائق وهم الذين يطلبون مليوني رأس محمولة على أسنة الرماح منذ 75 عاما!

مجازر بالجملة لم تسلم منها حتى المستشفيات والمدارس ودور العبادة، وتصريحات شيطانية وخطابات مكتوبة بالدم وإعلام فتح باب المبالغات في تأويل صور وتأليف روايات لم تخل من مفارقات تفضح سرديتها، وجمهور يتنافس في تصديق الأكاذيب، ومساحات رقمية تتبارى في انحيازها، وصمت دولي جبان. هذا كله برعاية لوبي يتقدم بثبات في تحكمه ويسعى بحصانة مطلقة لتحقيق أحلامه، ولا يد ترتفع في وجهه!
لماذا وكيف؟
لماذا انتفض العالم من أجل سلام الشعب الأوكراني الذي انتزع منه بين ليلة وضحاها؟ ولم يحتشد بالمثل مع المجازر التي ترتكب في غزة الآن؟ كيف لدول تدعي الديمقراطية وتنادي بحقوق الإنسان، أن يبلغ بها الاستهتار أن تتغاضى عن كل الانتهاكات التي تحدث في الأراضي الفلسطينية والقطاع من تطهير عرقي وإجلاء قسري وعقاب جماعي بلغ مبلغ الحرمان من أساسيات الحياة؟ ثم، كيف تكون حليفاً للجلاد في مكان، وبوقاً لسحقه في مكان آخر؟

العدوان الحالي على غزة ليس الأول وقد لا يكون الأخير فمنذ 75 عاما وتاريخ القضية الفلسطينية مكتظ بالفجائع، والدماء، وموجات النزوح واللجوء. ويبدو جليا، أن "السلام والكرامة والمساواة على كوكب ينعم بالمساواة" هو الوهم الأكبر الذي وقعنا به، وأن التهديد الحقيقي والمرعب للفلسطينيين، هو ابن آوى الذي يختبئ خلف وجه الحضارة الغربية.

لسبب ما؛ حضر أكتوبر هذا العام، وحضرت معه النكبة الفلسطينية -بماضيها وحاضرها الممتد- في غمرة عدوان غير مسبوق، عبَّر فيه الفلسطينيون عن مقاومة العبودية في سلام مُراوغ جعل الاحتلالَ -الذي اتسم وما يزال بأقبح أشكال الفصل العنصري- يستمر حتى هذه اللحظة في أكثر مما تقتضيه الشرعية الدولية من استحقاقات. وعلى الرغم أنَّ غزة صارت مفتوحة للاستباحة المطلقة، وحياة أهلها وكل ما فيها من بساطة اليومي أضحت مغايرة عما اعتاد عليه الناس، غير أنها اليوم، شهادة على فترة بالغة الحساسية في تاريخ القضية الفلسطينية، وعنوان فصل جديد لا يضاف إلى فصول النكبة فحسب، بل يعود بالصراع إلى ساحته الأولى. ولن يحتاج الوعي العالمي إلى سيوف حديدية أكثر كي يعيد صياغة مفهوم الإرهاب، والإجابة على سؤال وحيد: "مَن المعتدِي؟ ومَن المعتدَى عليه؟".

لا شك أن ثمة بقية إنسانية عنيدة، تظلُّ بعد أن تمتلئ الأدوار السياسية. والغزيون بعد أن أجبروا على خيارين أحلاهما مر- فإما راية بيضاء على السياج الحدودي وإما إبادة بحجم الإهانة التي ألحقت بالكيان - ها هي أصواتهم تعلن بوضوح (الوطن أو الموت)، ودماؤهم التي أريقت في المعمداني تقول (وصية الدم لا تساوم)!





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :