سرقة الماء والكهرباء محرمة شرعا * د. خالد رمزي البزايعة
24-02-2011 05:02 PM
كثيرون هم الذين أباحوا لأنفسهم سرقة الماء تارة والكهرباء تارة أخرى، بل تنص بعض عقود الإيجار شفاهة في بعض المناطق التي أعرفها تماماً على أن البيت يدفع له بدل أجرة مبلغ معين، وبما فيه الكهرباء التي هي منحة مجانية من صاحب العقار للمستأجر، فالمستأجر يشعل ما شاء من مدافئ الكهرباء ويستخدم ما يريد مما يعتمد الكهرباء وسيلة تشغيل.
ثمة طائفة من الناس استخدموا الفنيين المهرة، والذين اكتسبوا الخبرات بدورهم وراثة من أمثالهم، ليعينوا بدورهم عامة الناس ممن يدفعون لهم المال على سرقة الكهرباء، آخذين بذلك فتوى لا أساس لها من الصحة بأن الناس شركاء بثلاثة الماء والكلأ والنار، والكهرباء بالطبع تقبع تحت مسمى النار، وبعضهم كيّف الأمر بميزان الند للدولة. فكما ترفع الدولة الأسعار ولا تراعي أحوالنا فكذا يجب أن تعامل! "نحن نأخذ الكهرباء من باب المعاملة بالمثل مع السياسات الجائرة برفع الأسعار من قبل الدولة"! وبعضهم يرى أن الأمر مبتناه شرعي محض قائم على أساس "إن الأنظمة التي تحكم بغير شرع الله تعالى هي أنظمة كافرة لا عصمة في مالها لا بل أن أكل مالها واجب شرعاً"!
لذا عمد بعض الناس إلى اغتنام هذه الفتوى مبررا ًلفعلتهم الشنيعة التي لا يقرها كتاب ولا سنة، فتنافسوا في سرقة الكهرباء من خلال اللعب بالعداد ومد خط خفي بأصل البناء أو اللعب برصاص الساعة عن طريق متخصص بهذه الأمور.
إن سرقة الماء والكهرباء محرمة شرعاً، بلا خلاف يذكر بين أهل العلم الشرعي- إلا من أصحاب الفكر المنحرف الذين لا علم عندهم ولا فقه–. فمن يقوم بسرقة الماء والكهرباء مباشرة بالتلاعب بالعداد أو من يقوم بسرقة كابلات الكهرباء وأسلاكها ثم يبيعها، يعدّ آكلاً للمال الحرام، وهذا الحكم لا يختلف في حال شركة الكهرباء أو الماء تتبعان لشركة مساهمة محدودة أو للدولة باعتبارها شخصية اعتبارية.
من يسرق من الشركة المساهمة هو سارق من مال أخيه مسلماً كان أم مسيحياً، وهو بهذا يأكل حراماً ويطعم أبناءه الحرام، ومن عواقب أكل الحرام تدمير بيته وأسرته، وكذا من يقوم بشراء أسلاك الكهرباء أو ما علم أنه قطع من معدات الكهرباء والماء هو شريك بأكل الحرام، كالسارق تماماً في الآثم، وكذا من سرق من أملاك الكهرباء وهي تابعة للدولة التي يقيم بها، فكذا الحكم بعدم جواز السرقة المباشرة لأملاك الكهرباء أو غير المباشرة التي تتبع الدولة، وذلك لأن التكييف الشرعي في بناء الحكم بعدم الجواز إن المال هنا مال عام الحق فيه مشترك، لا يصح الاقتراب منه إلا بدليل، ولا دليل لأخذ المال دون وجه حق.
أدلتنا بالتحريم واضحة للعيان، لا تحتاج لمفسر جليل يتناولها بالشرح الوفير؛ ما لا تملكه يقيناً واقع بملك غيرك شخصا كان أو جماعة، وهو ما يعرف بالملكية الخاصة والملكية العامة. فما كنت تملك فتصرف به أنى تشاء وما كانت ملكيته عامة، فالحق فيه مشترك منوط بالمصلحة العامة.
أين تكمن المصلحة بسرقة الحق العام وتدمير الملكية العامة؟! يقول تبارك وتعالى: "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل"، ومن صور أكل المال بالباطل، أكل المال العام الذي فيه حق للغير. "الغير" المعروف على وجه التعيين والذي تنوب عنه الدولة بصفتها شخصية اعتبارية، فتدافع الدولة عن حقوق رعاياها ضد من تسول له نفسه التعدي الآثم على حقوقهم الخالصة، ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: "كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه"، فهذا الحديث أصل في مسألتنا بتحريم الاعتداء على ممتلكات الأفراد في الشركات المساهمة، فالأصل بالمسلم النافع لإخوانه أن يعمل على صيانة مال إخوانه من الهدر والضياع والسرقة، وفي سرقة الكهرباء والماء هدر لحق الأخ لأخيه.
إن إعمال المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية، وكذا القواعد العامة يؤدي بمنظومة من الأحكام تجلب نفعاً وتدفع ضرراً للمجتمع المسلم. هذه الأحكام تعمل بدورها على حفظ المال اكتساباً وإنفاقا، وترعى حقوق صاحب المال بحفظ ماله عليه.
من هنا منعت السرقة ورتبت لها أقسى العقوبات حفظاً لمنظومة الحقوق من التنازع والضياع وزرعاً لعنصر الأمن في استثمار الموارد المالية. ومن هنا فإننا نرى وجوب إيقاع أقسى العقوبات على من تعرض لشبكة المياه أو الكهرباء بالسرقة أو أحدث بها خللاً يعود على المجتمع بالعسر والمشقة، وهذا بدوره كفيل بإيقاف من تسول له نفسه التعرض للمال العام أو لممتلكات أفراد المجتمع، التي الأصل فيها أن تكون مصانة من السرقة والضياع.
كلنا أمل أن يتوقف أصحاب النفوس المريضة، من الذين تحدثهم أنفسهم بسرقة كابلات الكهرباء وأسلاكها، عن سرقتها، لينتفع الناس بالكهرباء والماء من دون وجود معوقات تنكد عيشهم.