facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




ماذا تعلّمنا التجربة الهندية في الذكاء الاصطناعي وماذا تعني للأردن؟


14-12-2025 02:37 PM

عمون - من المحامي اسامة البيطار - لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرّد أداة تقنية أو منتج تجاري، بل أصبح بنية تحتية سيادية تمسّ جوهر الدولة الحديثة الاقتصاد، والهوية، والحقوق، والقدرة على اتخاذ القرار.

وفي هذا التحول، برزت الهند خلال السنوات الأخيرة كنموذج مختلف عن السائد؛ نموذج لا يقوم فقط على ضخّ الاستثمارات أو استقطاب الشركات، بل على بناء منظومة قانونية–مؤسسية متدرجة تحمي الإنسان قبل الخوارزمية.

وفقًا لتقرير Stanford AI Index 2024، تحتل الهند المرتبة الأولى عالميًا في انتشار مهارات الذكاء الاصطناعي، متقدمة على الولايات المتحدة وألمانيا، مع نمو غير مسبوق في قاعدة المواهب منذ عام 2016.

هذا التفوق لا يمكن فهمه بمعزل عن المسار التشريعي والمؤسسي الذي سلكته الدولة الهندية، والذي ربط بين الحقوق الشخصية، وحماية البيانات، وبناء المهارات، والتنظيم المسؤول للتكنولوجيا.

وفي ذات السياق أطلقت الحكومة الهندية IndiaAI Mission كاستراتيجية وطنية شاملة، تقوم على محاور متعددة تشمل القدرة الحاسوبية، مراكز الابتكار، قواعد البيانات، التطبيقات ذات الأثر الاجتماعي، تنمية المهارات المستقبلية، دعم الشركات الناشئة، وضمان “ذكاء اصطناعي آمن وموثوق” و اللافت في هذه الاستراتيجية ليس حجم التمويل فحسب، بل منهج التفكير فالذكاء الاصطناعي ليس قطاعًا منعزلًا، بل امتداد طبيعي لمسار سابق بدأ بالاعتراف بالخصوصية كحق دستوري، وتطوّر عبر القضاء، ثم تُوّج بقانون شامل لحماية البيانات الرقمية وقبل أن تُقِرّ الهند قانون حماية البيانات الرقمية (DPDP Act 2023)، كانت قد سبقت ذلك بخطوة مفصلية حين اعترفت المحكمة العليا في قضية Puttaswamy بالحق في الخصوصية كحق دستوري.

هذا الاعتراف لم يبقَ نظريًا، بل امتد عبر القضاء ليشمل:

- الحق في الصورة والاسم والصوت (Right of Publicity) وحماية الهوية من الاستغلال التجاري غير المشروع وموازنة دقيقة بين حرية التعبير والكرامة الإنسانية ثم جاء قانون حماية البيانات ليُرسّخ مبادئ الموافقة، والغرض المشروع، والمسؤولية، والجزاءات، مع امتداد عابر للحدود، في إدراك واضح بأن الاقتصاد الرقمي لا يعترف بالجغرافيا.

إن الذكاء الاصطناعي في الهند لم يُترك لينمو في فراغ قانوني، بل وُضع داخل شبكة حماية متعددة الطبقات تحمي الفرد، وتوفّر في الوقت ذاته بيئة حاضنة

ويمكن النظر إلى الزيارة الأولى لرئيس الوزراء الهندي إلى المملكة الأردنية الهاشمية ليس فقط بوصفها محطة دبلوماسية مهمة، بل كفرصة معرفية واستراتيجية لإعادة التفكير في طبيعة الشراكات المستقبلية.

فالتجربة الهندية تُظهر أن التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي لا يبدأ من شراء التكنولوجيا، بل من خلال:

1- تبادل الخبرات التشريعية

2- بناء المهارات البشرية

3- تطوير الأطر القانونية الناظمة للبيانات والهوية الرقمية

وهي مجالات تتقاطع مباشرة مع التحديات التي تواجه الدول النامية في عصر التحول الرقمي ولا شك ان الأردن خطا خطوة مهمة بإقرار قانون حماية البيانات الشخصية ٢٠٢٣، واضعًا أساسًا قانونيًا طال انتظاره في البيئة الرقمية إلا أن هذا القانون، رغم أهميته، يُمثّل بداية مسار لا نهايته.

فالتحدي القادم لا يقتصر على حماية البيانات بوصفها معلومات، بل على حماية الإنسان بوصفه هوية رقمية وصورة وصوت وقرار وسلوك وموضوع محتمل لمعالجة خوارزمية وهنا تبرز الحاجة إلى تطوير رؤية أوسع تربط بين حماية البيانات والحق في الصورة والسمعة الرقمية وتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي، لا سيما في المجالات التجارية والإعلامية والتنبؤية.

إن الخطر الحقيقي الذي تواجهه كثير من الدول ليس التأخر التقني، بل التقزم التكنولوجي أي التحول إلى مستهلك دائم للتكنولوجيا دون امتلاك القدرة على تنظيمها أو توجيهها أو مساءلتها.

لقد اظهرت التجربة الهندية أن القانون ليس عائقًا أمام الابتكار، بل شرطًا له فحين تُبنى القواعد بوضوح، ويُحمى الإنسان بصرامة، يصبح الذكاء الاصطناعي أداة تنمية لا أداة هيمنة، فهو ليس سباقًا بين خوارزميات، بل اختبار لقدرة الدول على حماية الإنسان في عصر رقمي سريع التحول.

وتُقدّم الهند نموذجًا جديرًا بالتأمل دولة نامية أدركت مبكرًا أن السيادة الرقمية تُبنى بالقانون، وبالإنسان، وبالمهارة، قبل أن تُبنى بالخوادم.

الأردن التشريعي بدأ الطريق بخطوة صحيحة والتحدي الآن هو استكمال المسار، لا التوقف عند حدوده الأولى.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :