facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التروما السياسية للمحتل


محمد العامري
18-12-2023 08:28 AM

كل ما يوجهه الفلسطينيون منذ أكثر من سبعين عاما هو بمثابة إزاحة ممنهجة عن أديم أرضهم كسلوك ينتمي إلى تبديل السكان بسكان وهي طريقة انتهجها الاحتلال الصهيوني منذ أن قدِم إلى فلسطين، منهج الجمر تحت رماد الخيمة، في لحظة من لحظات الحبقة السياسية القريبة كدنا أن نصدق أن القضية الفلسطينية قد طواها النسيان، تحديدا حين نراقب الأداء السياسي للسلطة الفلسطينية، ويبدو لي ان فلسطين قلبت معادلة "نعمة النسيان" فنسيان فلسطين ليس نعمة، عادت فلسطين قوية في جميع أنحاء العالم، عادت عبر قوة المقاومة وعنادها إضافة إلى غباء قيادة الكيان المحتل الذي فتح باب القتل والابادة على مصراعية غير آبه بالقوانين واحتجاجات العالم، فقد ارتكب إبادة غير مسبوقة في تاريخ البشرية تجاوزت كل المجازر في التاريخ البشري.

فما سطّره الشعب الفلسطيني من بطولات وثبوت في موقفه رغم الظروف الصعبة هو بمثابة اسطورة تتمثل في البقاء رغم انتفاء سبل الحياة في غزة، والمشاهد لبعض مقاطع الفيديو لخطاب أطفال غزة يدرك بسهولة مستقبل النصر حيث يتحول الطفل إلى رجل يدرك المؤامرات السياسية تجاه وطنه، حيث قالت أحد الأطفال بمقطع مثير " مهما فعلوا بنا سنبقى وندفن تحت الزريعة" من أين جاءت بهذه القوة جيل تربى على عدم النسيان فهو الذاكرة القوية القادمة للحق والتحرير مهما طال الزمن.

خيمة تكشف عن عورة الخطاب العربي والعالمي، يرصد سكانها من خلف أقمشتها الواهية تداعي الزيف وكذبة الحضارة التي نتشدق بها كل يوم على المنابر. خيمة تفكك صورة الغرب وتكشف عن قوة القضية وفلسطينهم التي صارت أيقونة يتقلدها كل احرار العالم، فلا مجال للمحو او النسيان، هي الصوت المدوي في آذانهم، حيث تتحول الخيمة إلى صورة للحياة لتمدهم بأسباب الحياة التي حاول الكيان الصهيوني أن يمحوها بجرافاته وهدم المستشفيات والدارس ومراكز الايواء، لم ينخدع الفلسطيني بسياقات الرحلة الداخلية في غزة فظل يتنقل في وطنه ويعمل على عودة أبدية إلى بيته المردوم كي يرفع جدرانه مرة أخرى كأعراف الجبال.

يدرك الكيان الصهيوني في حربه الهمجية على غزة أن الترحيل والتشريد وبناء المخيمات لن يغير من حالة الفزع التي يمكث في قلب الكيان، فصارت الخيمة منبتا للثورات والصمود العنيد، وخير مثال صمود مخيم جنين الذي صار صورة متحققة ضد النسيان، ورغم الأنوار المريضة في الخيام التي يضربها الريح فهي الأقوى سطوعا أما سطوع كشافات المستوطنات الزائلة يوما ما، فالجمر دائما ينام تحت الرماد بانتظار ريح المقاومة كي يتأجج ويصبح نارا عالية تحرق المتخاذل والمحتل معا.

الأخطر في القضية الفلسطينية هو النسيان السياسي والتاريخي الذي يبدو كمرض عضال لدى غالب النخبة وبعض الجماهير، ثمة نسيان للمجازر والآلام الجماعية، ونسيان التهجير والأخطاء التاريخية القاتلة، فما سجله الفلسطينيون هو حالة أقرب إلى عقاقير ضد النسيان مسنودة بصلابة التجذر في زيتونة الأرض وذاكرتها الغائرة في الذات الجمعية، فهي حالة ضد الأمنيزيا، فما حدث في السابع من أكتوبر بمثابة تروما جعلت الكيان الصهيوني يعاني من صدمة كشطت كل أوهام القوة وأسطرته العسكرية،
فعلينا أن نتذكر كل بشاعة الاحتلال كي نتفادى بشاعته القادمة، تلك التروما التي أصيب بها الكيان أيقظت في شعبه فكرة الوطن الذي قدم منه حيث برزت حيوية الهجرة المعاكسة والمتصاعدة للعودة من حيث جاءوا، وربما إشارة العقد الثامن قد عمّق سردية انهيار دولتهم المحتوم كجزء من اليقين التوراتي، حسب نبوءة العهد القديم، كإيمان راسخ بزوال قريب لدولتهم؟

في المقابل أقصد يقينية زوال دولة الاحتلال يقينية الانتصار الفلسطيني واستعادة الأرض كصورة من صور الحتمية الدينية، ولا يخشى الفلسطيني تذوق قسوة الحياة بكونه على أمل قادم سيكون أجمل، رغم تجريف العالم العربي من العقول والنخب المبدعة الذين استوعبتهم أهم الاكاديميات في العالم، وكدنا أن نغسل أيدينا من دم ذوينا بفعل الذين ألحدوا في الوطن، وتحولوا إلى ما يسمى بالواقعية السياسية كجزء من وجود متخاذل وزائف، فما نشهده الآن جواب مؤكد على استحالة قمع الذاكرة أو تجميد البشاعة التي شكلت حزوزا في جسد الذاكرة، حيث تبرز ذكرى شهداء الحروب لتعيد للذاكرة عافيتها، كفعل مضاد للنسيان.

إننا مدينون لأرنست رينان، بمعادلته المثيرة: تُبنى الأمم على ذكريات مشتركة ونسيانات مشتركة. لنقل إنّ فظائع الحرب، وجرائمها، ومنوّعات العنف فيها، الجسدية منها والطقوسية والرمزية، «خيرٌ لها أن تُنسى». وهو التعبير ذاته الذي استخدمه أرنست رينان بصدد مجزرة «سان بارتيليمي، فكل ما يعنينا هنا هو عدم نسيان ما نتذكره أو ما أنقذته الذاكرة من فشل في النسيان، فنحن اما ضرورات ألا نغفر لعدو حفر بمخالبه الفولاذية جسد الذاكرة التي لا تموت.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :